جهينة نيوز:
اعتقد الكثيرون أن موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو , ستكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير , وستقضي على ما تبقى من العلاقات الروسية – التركية , التي شابتها الكثير من المنغصات , واستخدم الرئيس التركي سكاكينه لأكثر من مرة في طعن الظهر الروسي , لكن وعلى عكس التوقعات ، تقبّل الرئيس بوتين موافقة تركية على إنضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو بدون أي ردات فعل سلبية , من خلال إدراكه بأن اليوم لم يعد يشبه الأمس , وبأن واشنطن باتت عاجزة عن استخدام تركيا كأداة خاضعة لسياستها الخارجية كما ترغب وتشتهي.
وعلى الرغم من شراسة الولايات المتحدة في استخدام توسيع الناتو شرقاً وعدائياً تجاه موسكو , إلاّ أنها باتت تدرك من خلال تجربتها الأوكرانية المريرة , أنها بوارد خسارة حلفائها وشركائها الأوروبيين , وبأن الزعماء والقادة الذين ارتضوا لأنفسهم ولشعوبهم ولمصالحهم طريق الهلاك , لإرضائها والسير وراء سياستها الخارجية ومخططاتها المتهورة - المدمرة , بعداء روسيا وحصارها ومحاولاتهم لتدمير إقتصادها , وبفرط عقد تركيبتها السياسية والإجتماعية والجغرافية ..ها هم الاّن ينهارون وسيغادرون المسرح السياسي خلال فترةٍ وجيزة , فبالأمس رحل جونسون البريطاني , وسيتبعه ماكرون الفرنسي , الذي يواجه سحب الثقة داخل بلاده , فيما حال الألماني شولتز ليست بأفضل من حال زميليه.
وما خرجت به ثلاثية مدريد بين تركيا والسويد وفنلندا في 28 حزيران , أكدت تحولاً نوعياً جديداً ومغايراً في العقيدة الدفاعية الأطلسية السابقة , لكن وكما قالت العرب , "فقد سبق السيف العذل" , ولا يمكن لهذا التحول أن ينقذ الولايات المتحدة من مأزقها , فالحلف الأطلسي الذي تأسس عام 1949, ضد روسيا السوفيتية كجزء من مشروع الحرب الباردة الأمريكية والأوروبية ، قد استُهلك , ولم تعد الولايات المتحدة قادرةً على التخلص من هلوسات الإيديولوجية السابقة , والتقدم بثقة وبدون ندوب , لإخراج إتحاد الجمهوريات الإشتراكية السوفيتية الجديد من روسيا , وصبغ حلف الناتو "بحلّة جديدة" , للإنقضاض على روسيا والإتحاد مجدداً , عبر جبهة البلطيق.
بالنسبة إلى تركيا , تدرك كل من واشنطن وموسكو , أهمية موقعها الجغرافي ، ودورها الهام في عملية الإستقطاب ما بين الشرق والغرب , على الرغم من كونها دولةً أطلسية منذ العام 1952, لكنها تحاول تحقيق مصالحها ما بينهما , وعليه استطاع الرئيس بوتين تفهّم قبول تركيا انضمام السويد وفنلندا مقابل فوزه بعض الشروط التي فرضها على الناتو.
حتى لو اعتبرت واشنطن والناتو أنهما أحرزا بعض التقدم على جبهة البلطيق , لكن روسيا نجحت بتحقيق كامل أهداف عمليتها العسكرية الخاصة غرباً وشمالاً , بالإضافة لحدودها الجنوبية التي لا زالت وستبقى مفتوحة أمامها بفضل علاقاتها مع تركيا , وتتيح لها الوصول إلى بحر قزوين والقوقاز والبحر الأسود.
بات على واشنطن والرئيس بايدن , الإقلاع عن غزل تركيا الذي مارسه مؤخراً , وتقبّل بأنها ستبقى دولةً أطلسية – محايدة بطريقة أو أخرى , وأن الغزل الأمريكي والإستجابة للمطالب التركية حول مشاريع الصناعات الحربية , ورفع العقوبات الأمريكية , وتعزيز مكانة تركيا الأطلسية , سيصب بطريقة أو أخرى في صالح روسيا , ولن تكون تركيا عدوةً لروسيا , ولن تقف في خط مواجهتها الأول.
م. ميشيل كلاغاصي