قال الرئيس الأميركي جو بايدن «إننا لا نزال بعيدين» عن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات السعودية – الإسرائيلية، يتضمّن برنامجاً نووياً مدنياً سعودياً، ومعاهدة تضمن فيها واشنطن أمن المملكة.
ما قاله بايدن مبنيّ بالدرجة الأولى على نتائج الاجتماع الذي عُقِد فجر السابع من حزيران – يونيو في جدة، بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
في ذلك اللقاء، بحث الرجلان على مدى ساعة وأربعين دقيقة (اللقاء بدأ بعد منتصف الليل، على عادة اجتماعات ولي العهد السعودي) مختلفَ القضايا ذات الاهتمام المشترك. لكن هدفه الأول كان تحسين العلاقات السعودية – الأميركية التي لم تعد بعد إلى ما كانت عليه قبل عام 2018، إثر اتهامات واشنطن لبن سلمان بالوقوف خلف اغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
يعدّ السفير السعودي في الرياض، مايكل راتني، مهندس تحسين العلاقات. تقول مصادر مطلعة على مضمون التقارير الدبلوماسية السعودية لـTheCradle إن راتني سبق ان أرسل إلى وزارة الخارجية الأميركية قواعد للعمل يرى أنها ستساعد في تحسين العلاقات بين البلدين. أولى هذه القواعد التوقف عن استهداف بن سلمان شخصياً. وهذه سياسة سعودية قديمة تحظر استهداف الحاكم، أياً كان، من قبَل أيّ دولة خارجية. ولفت راتني إلى أن بن سلمان يمكنه أن يتعايش مع انتقادات أميركية للسياسات السعودية، لكنه لن يتسامح مع انتقاده شخصياً لأنه يرى في ذلك محاولة لتدمير صورته، لافتاً إلى أن الهجوم على بن سلمان سيعيق تحسين العلاقات بين واشنطن والرياض.
أما القاعدة الثانية، فهي تغيير أسلوب التخاطب مع ولي العهد. إذ جرت العادة أن يكون الموفدون الأميركيون شديدي التحفظ لدى إجراء مباحثات مع أي حاكم سعودي (ملكاً كان أو ولياً للعهد)، مع عدم الغوص في القضايا التي يريدون طرحها، والاستعاضة عن ذلك ببحث التفاصيل مع الوزراء والمستشارين. لكن راتني نصح بأن تكون النقاشات تفصيلية مع بن سلمان، وأن تكون الطروحات واضحة.
أتى بلينكن إلى السعودية متبنياً لتوصيات سفيره. في لقائه مع بن سلمان، ناقش القضايا بوضوح. اطّلع موقع TheCradle على جزء من مضمون تلك المباحثات، في ما يخص المشروع الأميركي للتطبيع بين السعودية والكيان الإسرائيلي، والاحتجاج الأميركي على تحسين العلاقات بين الرياض والعاصمة السورية دمشق.
مطالب واشنطن مباشرة: نريد اتفاقاً للتطبيع بينك وبين «إسرائيل»؛ وتقاربكم مع النظام السوري غير مفيد وغير مجد في هذه المرحلة.
سأل بلينكن مضيفه: لماذا لا تفعلون مع إسرائيل ما فعلتموه مع إيران؟
كان رد محمد بن سلمان أيضاً واضحاً. في مسألة «اتفاقية السلام» مع «إسرائيل»، أجاب بثلاث نقاط لم يتّضح للوزير الأميركي ترتيبها حسب الأولوية:
1- الملك سلمان بن عبد العزيز لا يزال يعارض هذا الاتفاق.
2- قال بن سلمان إن التواصل مستمر بين السلطة السعودية والنظام الصهيوني. «وهذه الاتصالات مثمرة على مستويات عدة، كالسماح بمرور الطائرات المدنية في أجوائنا ورفع الحظر عن قدوم اللاعبين في المناسبات الرياضية الدولية… لكن لا يبدو أن هذه الاتصالات ستؤدي قريباً إلى اتفاق سلام. فنحن لا نزال متمسكين بالمبادرة العربية للسلام (مبادرة قمة بيروت 2001)، وقوامها منح الفلسطينيين دولة مستقلة، مقابل السلام الشامل. وإسرائيل تعاملت مع اتفاقات ابراهام كمحفّز لها لتجاهل الفلسطينيين ونسف أسس عملية السلام مع الفلسطينيين، بدلاً من أن تجد فيها فرصة لتعزيز حظوظ التوصل إلى سلام دائم. والحكومة الإسرائيلية تقرّ المزيد من مشاريع الاستيطان، ما يضاعف من العراقيل أمام أي حل مستقبلاً». وفي رأي محمد بن سلمان، فإن بلاده لم تجد بعد ما يدفعها إلى التخلي عن تلك المبادرة.
3- سأل بن سلمان ضيفه: دلماذا نعطيكم اتفاقية مع إسرائيل؟ مقابل ماذا؟ ترفضون حصولنا على مشروع نووي سلمي؛ ومنذ أن وصلت إدارتكم إلى السلطة، ألغيتم تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. وأنتم تطالبون بخفض أسعار النفط بما يضر بمصالحنا. فلماذا تتوقعون ان نعطيكم اتفاقية للسلام مع إسرائيل؟ نحن مستعدون للذهاب إلى ما هو أبعد من التطبيع، وتحقيق الاندماج الشامل في المنطقة، لكن شرط أن يحقق ذلك مصالح بلادنا».
أما بشأن سوريا، فقد شدد محمد بن سلمان على أمرين. الأول هو المصلحة السعودية الأمنية المباشرة. إذ أشار إلى أن تهريب المخدرات إلى المملكة هو تهديد لأمن شعبها. «وهذا الأمر من أولوياتنا. ونعرف كما تعرفون أن المصدر الأول لمخدّر الكبتاغون هو الأراضي السورية. وانتم أصدرتم قانوناً خاصاً لمكافحة تصدير الكبتاغون من سوريا، واعتبرتم أن تهريب هذا المخدّر يمسّ بمصالح الولايات المتحدة. ونحن نرى أن حل هذه الأزمة غير ممكن من دون التواصل مع الحكومة السورية والتنسيق معها. ومن هذا المنطلق، نرى ان من مصلحتنا تحسين علاقتنا بالحكومة السورية». النقطة الثانية في هذا السياق التي تحدّث عنها بن سلمان، هي الاستثمارات السعودية المستقبلية في سوريا. قال لبلينكن إن «الحرب التي كانت تهدف إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد انتهت. وأنتم تعرفون توجهنا إلى ضمان الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة. ونحن مستعدون للاستثمار في سوريا لنثبت للشعب السوري من هي الجهات التي تؤمّن مصالحه وازدهار بلاده. وهذا الأمر مفيد للاستقرار الإقليمي، كونه سيؤدي إلى إضعاف القوى غير العربية في سوريا»، في إشارة إلى روسيا وإيران وتركيا.
وتشير مصادر مطلعة على مضمون اللقاءات السعودية – الأميركية إلى أن المسؤولين السعوديين لم يعودوا يستخدمون في لقاءاتهم خطاباً معادياً لإيران، منذ توقيع اتفاقية بكين في العاشر من آذار – مارس 2023.
في المسألتين (التطبيع مع «إسرائيل» والانفتاح على سوريا)، ثبّت بلينكن نقاط الاختلاف مع بن سلمان. الوزير الأميركي كرر أن بلاده لا تزال مؤمنة بحل الدولتين («الإسرائيلية» والفلسطينية)، وترفض خطط توسيع الاستيطان في الضفة الغربية، وأنها ستظل تسعى إلى التوصل إلى حل للنزاع، مع التزامها بأمن «إسرائيلج. ولفت إلى أن إدارة بايدن تضغط على حكومة بنيامين نتنياهو، مستشهداً بعدم استقباله في البيت الأبيض، رغم مضي أشهر على عودته إلى السلطة. وأثنى بلينكن على الخطوات التطبيعية السعودية مع «إسرائيل»، لافتاً إلى وجوب تعزيزها وصولاً إلى اتفاقية سلام.
أما في الشق السوري، فشدّد بلينكن على أن أي انفتاح على الأسد يعني منحه صك براءة من كل ما ارتكبه، ويقوي موقف إيران في سوريا، لأن الانفتاح على دمشق من دون حل سياسي يجعل النظام السوري، ومن خلفه إيران وروسيا، أكثر تصلباً في مواجهة معارضيه.
مضمون لقاء بن سلمان – بلينكن يفسّر قول الأخير بعد يومين على الاجتماع إن التطبيع بين السعودية وإسرائيل هو أولوية لإدارة بايدن، «وسنواصل العمل من أجله لدفعه في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة». وهو بذلك يضع سقفاً زمنياً مفتوحاً للمفاوضات، قبل أن يثبّت بايدن الأمر نفسه في مقابلته مع «سي ان ان».
خلاصة الأمر أن واشنطن ستستمر في الضغط على حلفائها للتوصل إلى اتفاقات لتطبيع العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، بما يؤدي إلى استفراد الأخير بالشعب الفلسطيني. كما ستواصل الولايات المتحدة سعيها إلى تشديد الحصار على سوريا لمنع حكومتها من بسط سلطتها على كامل أراضيها، ولعرقلة إعادة إعمار ما هدّمته الحرب، أو لإجبار دمشق على تغيير تموضعها الإستراتيجي، بما يضمن للولايات المتحدة أن تحصّل في السلم ما لم تحصّله بالقوة المسلّحة التي أدارتها في سوريا منذ عام 2011. لكن، يبدو أن المساعي الأميركية لم تلتقِ – حتى الآن – مع طموحات محمد بن سلمان ورؤيته لمصالح نظامه، خصوصاً في ظل التغيرات التي يشهدها العالم والإقليم. لكن ذلك لا يعني تمرّداً سعودياً على القرار الأميركي. ففيما تريد الولايات المتحدة اتفاقية شاملة للتطبيع والسلام، سريعاً، لا يزال محمد بن سلمان يتمهّل طالباً أثماناً كبيرة لقاء ذلك. لكنه في الوقت عينه يمنح «إسرائيل» خطوات تطبيعية في مختلف المجالات، مجاناً، بصورة تضمن له اتقاء الضغوط الأميركية من جهة، ومن الجهة الأخرى استمرار الدعم الإسرائيلي له في دوائر القرار الأميركية.
المصدر : حسن عليق / The cradle