جهينة نيوز:
يجمع المعرض المشترك المقام حاليا في صالة كامل للفنون تجربتين تشكيليتين مختلفتي الاتجاه إلا أنهما قويتا العمق والطرح الفني لجهة الاشتغال على التقنية سواء عند غرافيكيات الفنان البحريني /عباس يوسف/ أو عند موتيفات الفنان الأردني /محمد الجالوس/.
ويؤكد الفنان عباس في 14 لوحة انتماءه لعصره وتراثه في منجزه الإبداعي البصري الحديث عبر موضوعات ومضامين وملامح إنسانية عربية ورموز خاصة تجلت في أكثر من منحى لعل أهمها حسه الغرافيكي العالي والمعطيات الزخرفية التي طالما اقترنت بالحرف العربي.
ويحاول الفنان عباس عبر تجربة بحث وتجريب وصلت إلى سنوات عدة فتح حوار بصري وفكري مع المتلقي بهدف تأكيد القيم التشكيلية الفريدة لفن الغرافيك.
ويقول الفنان البحريني عباس يوسف: أن الحرف العربي في لوحتي بدأ يبتعد عن الحضور البهي الذي كان مسيطراً لسنوات طويلة لكني استقيت منه رموزاً وبعض الشذرات فاشتغلت على السطح القماشي واعتمدت على المساحات والفضاءات المفتوحة مشيراً إلى أنه رغم ذلك فإن حضور الحرف عنده شيء مهم ومن الصعب أن يتخلى عنه.
ويوضح يوسف أن ألوانه أصبحت تتماهي مع المساحة والبياض مع اعتماده على لوني البرتقالي والأصفر مبينا أنه استخدم تقنية البناء الغرافيكي الذي تتم وفقه عملية الهدم والبناء على السطح نفسه كأن تحذف وتضيف شيئاً آخر من السياق نفسه ومن ذلك عملية اللصق /الكولاج/ فلا أستعير من خارج اللوحة شيئاً لكي تكون مع ملحقاتها بروح واحدة.
ويشير إلى أن لوحاته بسيطة ومفهومة وخالية من أي تعقيد وبهذا هي ليست بحاجة لدلالات مفتاحية تعين القارئ في فهمها أما الرموز والإسقاطات الموجودة فيها فهي مستلة من قراءاته ومخزونه المعرفي وبهذا فإنها تأتي عفو الخاطر ودون تخطيط مسبق.
وحول إقامة المعرض في دمشق قال يوسف: أن يأتي الفنان العربي ويعرض أعماله في دمشق فهذا يعني أن دمشق من العواصم الأكثر أهمية في هذا العالم وأي مبدع في مجال من المجالات لابد أن يخطو إليها ويضع شيئاً من نفسه فيها لأنها تمتلك من التاريخ والحضارة ما لا تمتلكه غيرها.
بينما يحيلنا الفنان الجالوس إلى 12 عملاً ليست غريبة عن بيئتنا وتراثنا بل هي قريبة جداً وتحمل نفحة ثقافية معاصرة فمثلما تزدحم الرموز والموتيفات الزخرفية لديه متوزعة في فضاءات لوحاته فإنها تحمل أحاسيس متنوعة ومتناغمة مع خلفياتها.
ويحاول الجالوس جاهداً أن يكتشف ذاته في كل لوحة ليغادرها إلى خطوة واسعة وجديدة قوامها تقشف الألوان وتكنيك عال مع خاماتها مستمداً وجوهه المحورة من خارطة وواقع محيطه ومعتمداً على حسه العفوي في صياغة آفاق جديدة لتجربته شكلاً ومضموناً.
وعن معرضه يقول الفنان الأردني محمد الجالوس: أن هذه هي المرة الرابعة التي أعرض في سورية بغرض أن أنقل شيئا من التجربة التشكيلية الأردنية إلى الجمهور السوري ليتعرف عليها عن كثب وبالتالي أختبر ردود أفعاله تجاهها، وأنني أشتغل منذ سنوات على بحث فني فيه مزيج ما بين التجريد والتشخيص من خلال تضمين لوحتي فكرة الوجه الذي تخلى عن ملامحه الكاملة التي هي أقرب إلى التجريد مشيراً إلى أن اللوحة التي يبتغيها تتعدد أوجه قراءتها بحيث يمكن التمعن في تقسيماتها وتفاصيلها أو النظر إليها بالمجمل لتكون كلاً متكاملاً.
وكانت تجربة الجالوس مرت بمراحل كثيرة كان فيها اللون متعدداً لكنه منذ نحو عشر سنوات بدأ يميل للزهد اللوني والترابيات وصار يشتغل على الملمس الخشن أكثر من اشتغاله على اللون الفاقع أو القوي فيعالج السطح القماشي بألوان ترابية أو بما له علاقة بمحيطه ومرئياته.
ويقول الجالوس: أنه وضع في بعض لوحات ألواناً منبهة تختلف بحسب الحالة وتكون في أماكن مدروسة ومعينة من اللوحة والهدف منها إعطاء مفاتيح للمتلقي يدخل من خلالها للوحة وتكتمل بالنسبة له الفرجة البصرية.
من جانبه يرى الفنان التشكيلي /سهيل بدور/ أن ما يميز التجربتين المهمتين للفنانين الجالوس ويوسف هو أنهما صاحبا خبرة وتجربة وبالتالي فإن النتائج التي يقدمانها في هذا المعرض هي مرضية لذوق الجمهور.
ويقول: إن الفنان الجالوس يشتغل على موضوع التقنية ولا يعمل بحيادية على سطح اللوحة على الإطلاق ويتحكم به من خلال تقسيماته التي تفضي إلى فضاءات صغيرة فيقدم وجوهه بتعبيرية تحمل الكثير من الدفء الإنساني مشيراً إلى أن الأهم من ذلك أن الجالوس جريء على اللوحة بطريقة واضحة وهذه الجرأة ناتجة عن خبرة طويلة عبر ما يقدمه من إحساسات لونية بهدوء واتزان.
وبينما يجد بدور أن تجربة الفنان يوسف الغرافيكية عالية المستوى فيشعر المتلقي بموسيقاها العالية جداً ويقول أن خوض غمار فن الغرافيك ليس بالأمر السهل على الإطلاق، وبدوره الفنان يوسف اشتغل على فضاء اللوحة بجرأة رغم أنه يقدم مساحات لونية مضبوطة أمام هذا الفضاء مشيراً إلى أن الحرف عنده صار مكملاً للوحته دون أن يأخذ شكلاً زخرفياً فيها.