جهينة نيوز:
ما إن أُعلن عن إقامة الدورة التاسعة والخمسين وافتتاحها في الـــ 17 من آب للعام الجاري، وعودة فعاليات معرض دمشق الدولي، حتى تقاطرت الذكريات ورقصت القلوب والأرواح فرحاً، وعمّ المكان عبقُ تلك الأيام الساحرة الجميلة المخضوضرة والمندّاة بالأصالة والصفحات المشرقة والإرث الحضاري، والحضور القويّ لدمشق عاصمة سورية الشام، العائدة هذا العام بحضور دولي وافٍ وكبير ومشاركات كثيرة وفعاليات تعي تماماً أهمية هذه المدينة الأعرق والأكثر صموداً في وجه النوائب والمحن ومكانتها الأثيرة في قلب العالم ووجدانه.
وكما كانت كلّ سنة من سنوات المعرض الـ58 الماضية وما ميّزها من تأكيد على دور سورية السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فإن الدورة الحالية من عمر المعرض هي الأكثر بلاغة ودلالة على قصة "دمشق" المدينة التي ينبع منها نهر التاريخ، ويتفكّر الكون كلّه بعظمتها وسحرها وسرّ بقائها ومجدها الشامخ أبداً، ولاسيما أن عيون العالم أجمع شاخصةٌ اليوم إليها، كيف تنفضُ عنها رماد سبع سنوات من الحرب وتقوم رغم جراحها وتعلن أنها باقية، وأن صيف 2017 سيكون مختلفاً وقد تغنّت به فيروز قبل عشرات السنين وردّدنا معها ونحن نتمشى على كتف نهر بردى وبين أجنحة المعرض:
يا شام عاد الصيف مُتَّئِداً وعاد بِيَ الجناحُ
صرخَ الحنين إليك بيْ أقلعْ ونادتني الرياحُ
أصوات أصحابي وعيناها ووعدُ غدٍ يُتاح
كلّ الذين أُحبّهم نهبوا رُقاديَ واستراحوا
فأنا هنا جُرح الهوى وهناك في وطني جراح
وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح..
إنها دمشق الحنين وشآم البطولة، أيقونة الله على الأرض، المدن والبلدات والقرى المسوّرة بدماء أبنائها وتضحياتهم، قاهرة الليل البهيم، الماضية نحو فجر نصر قريب منه سينهمر الصباح.
هذا العام سيكون اختزالاً لأسرار الشام القادرة على دحر الغزاة، وكيف سقط على أبوابها المحال، وانكفأ عن حماها المعتدون وأشرار الأرض وشذاذها، لم تهن ولم تلن ولم تركع، وواجهت بصدرها رماح الغدر من الشقيق قبل العدو، وصدّت بإرادة قائدها وجيشها وشعبها جحافل القتلة الذين ذبحوا أهلها واستباحوا أرضها باسم الدين، ولم يفهم هؤلاء الغزاة سرّ صمودها وقوتها بأن دمشق التاريخ باقية ما بقيت الدنيا، بل تناسوا أن سورية الشام ليست أي نظام سياسي يحكمها، ولم تكن يوماً مكسر عصا لأحد أو لكل متوهم للقوة، ولم تفرط بشبر من أرضها أو تساوم على سيادتها وكرامة شعبها، وقهرت جيوش هولاكو وتيمورلنك ونابليون وهزمت الاحتلالين العثماني والفرنسي، لأنها كانت وستبقى عنوان الوجود الإنساني، وهي أبداً عبق التاريخ، وعاصمتها دمشق أقدم حاضرة مأهولة منذ عام 635 ق.م، فيها تعايشت الأقوام وبحضنها اطمأن الملهوف وبكرمها وعدالتها "استشوم" اللاجئ إليها، ومنها شعّت أنوار العلم والثقافة والمعرفة والفنون والأبجديات المختلفة.
إن عودة معرض دمشق الدولي بعد توقف ست سنوات من محاولات "تركيع" سورية وكسر صمود أهلها أمام أعتى الحروب العسكرية والنفسية وأعقدها، لها الدرس الأبلغ بأن هناك من لم يقرأ التاريخ، وإن قرأه لم يتعظ بدروسه بأن سورية الشام وعاصمتها دمشق هي البيان والتبيين، بها يبدأ التكوين وينتهي كما قال فيها ابنها نزار قباني:
"كتب الله أن تكوني دمشقا... بكِ يبدأ وينتهي التكوينُ
علّمينا فقه العروبة يا شا... م فأنتِ البيان والتبيين
إن نهر التاريخ ينبع في الشام... أيلغي التاريخ طرحٌ هجين؟"..
وأخيراً.. لا بد من التذكير أيضاً بأن المعرض في دورته الحالية هو خطوة أولى على طريق إعلان الانتصار وتطهير الأراضي السورية من رجس القتلة والإرهابيين، وأن العين التي كانت شاخصة على دمشق منذ سبع سنوات ستلمس أن الصباح لن ينهمر إلا من المدينة التي باتت معجزة من معجزات التاريخ الحديث.
01:59
02:03
03:22
05:44
05:59
09:38
00:14
10:09