جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:
لا يستطيع أي باحث أو مؤرخ في العلوم العسكرية أن يقرأ تاريخ جيوش الشرق الأوسط ويدرس بنيتها الفكرية والتنظيمية من دون أن تستوقفه العقيدة العسكرية الأصيلة ومدى الشجاعة والإقدام اللذين يتمتع بهما جنود وضباط وقادة الجيش العربي السوري.
ولعل السمة الكبرى التي تميز هذا الجيش العقائدي عن بقية جيوش المنطقة والعالم هي وطنيته العالية وأخلاقيته ومناقبيته وانضباطه ووعيه بدوره وتوجهه والتزامه بالدفاع عن القضايا الوطنية والقومية على حد سواء.
فالجيش العربي السوري يلخص في أدائه وإخلاصه وخلال المراحل الزمنية المختلفة ملحمة من ملاحم التاريخ, ويخط على الدوام بقوته وعنفوانه أسطورة في النضال والتضحية والفداء, وهو الذي واجه ويواجه أكبر الجيوش وأعتاها في التاريخ المعاصر.
لقد حارب الجيش العربي السوري طلائع القوات الفرنسية بقيادة الجنرال غورو عام 1920, وسطر بقيادة وزير دفاعه آنذاك الشهيد يوسف العظمة أسمى معاني البسالة وصور البطولة في معركة المجد في ميسلون, وواجه بما يملك من عدد وعتاد عسكري وأسلحة قليلة جيش الاحتلال الفرنسي الذي قدر بتسعة آلاف ضابط وجندي, مسلحين بالدبابات والسيارات والمصفحات والطائرات وأحدث الأسلحة الأخرى.
كما حارب المشروع الصهيوني منذ بدايته, ما يعني أنه حارب بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ومن يدور في فلكهما من الأنظمة العميلة في المنطقة بشكل مبكر وما أكثرهم, إذ خاض عدة حروب بدءاً من حرب تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية عام 1948, وقاد يومها جيش الإنقاذ الضابط السوري فوزي القاوقجي, ومن ثم حرب حزيران عام 1967 التي شكلت نكسة في تاريخ الأمة, فأبى الجيش العربي السوري إلا أن يرد الضربة بضربة أقوى منها فكانت حرب تشرين التحريرية عام 1973 التي حطمت أسطورة «الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر».
على أن القضية الوطنية لم تكن الشاغل الوحيد لهذا الجيش العقائدي, بل انبرى ومن منطلق واجبه القومي للدفاع عن الأمة العربية على امتداد بقاع الوطن العربي, وكانت مشاركته في الدفاع عن عروبة مصر عام 1956 إبان العدوان الثلاثي (فرنسا, بريطانيا, و«إسرائيل»), وقد كان حاضراً بقوة وشجاعة, وخلد هذه المشاركة الضابط السوري الشهيد جول جمال الذي جسد عقيدة الجندي السوري في دلالتها القومية, إذ قام بعملية بطولية فدائية شجاعة استشهد على إثرها, وأدت إلى تدمير وإغراق المدمرة الفرنسية «جان بار».
وفي عام 1982 خاض الجيش العربي السوري إلى جانب المقاومة الفلسطينية واللبنانية معركة تحرير بيروت والجنوب والبقاع اللبناني من قوات الغزو الصهيوني, وقدم مئات الشهداء دفاعاً عن وحدة لبنان وكرامة شعبه, وكانت معركة السلطان يعقوب, أو ما عرف بمجزرة الميركافا أبلغ من أن ينكرها رئيس الأركان حينها إيهود باراك أو قادة الجيش الصهيوني.
أما اليوم, فقد حتم عليه ثالوثه المقدس «وطن, شرف, إخلاص» أن يخوض معركة اجتمعت فيها كل أنواع الحروب, معركة الوجود السوري التي تجلت في حرب كونية تقودها ميليشيات منتدبة عن 29 دولة في العالم ومدعومة بأموال النفط الخليجي والتخطيط الأميركي- الإسرائيلي والتنفيذ التركي, متصدياً وحده كحالة قومية لمهمة الدفاع عن مصير المنطقة العربية برمتها ضد أخطر مخطط استعماري يستهدفها, وكحالة وطنية في الحفاظ على وحدة التراب السوري.
لقد كان من أهداف العدوان وأولوياته ضرب العمود الفقري لسورية عبر استهداف جيشها الذي يعد الضامن الحقيقي والوحيد لوجودها ووحدتها, فكان ومنذ اللحظة الأولى في عين عاصفة العدوان لتفكيكه وشق وتشتيت صفوفه عبر أقذر حرب إعلامية قوامها الكثير الكثير من الكذب والتلفيق والفبركة, بهدف تشويه عقيدته العسكرية وضرب القاعدة الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها, فضلاً عن تقديم جميع أنواع الدعم اللوجستي والمعلوماتي والعسكري للعصابات الإرهابية, بهدف تقليم أظافر سورية وتقويض قدرات جيشها العسكرية, بما يضمن تحقيق أهداف العدوان التي باتت مكشوفة في تحييد سورية عن دورها الإقليمي الكبير خدمة لـ«إسرائيل» ومشروعها في المنطقة.
لكن وعلى الرغم من كل تلك المحاولات والحملات القذرة لتشويه صورة الجيش العربي السوري, وإلصاق التهم الباطلة بجنوده وضباطه, فإن الوقائع أثبتت أن هذا الجيش عصي على مخططات الأعداء, بل أظهر قدرة استثنائية على التماسك والانضباط والعطاء, وأذهل بقوته الدوائر الغربية وأفقد حملاتها الإعلامية القدرة على التأثير, وأفشل مساعيها في ضرب حاضنته الشعبية, وبقي الجيش العربي السوري في نظر السوريين حماة الديار, والرمز العظيم والشرف الذي تتغنى به عائلات الجنود وتحكي عن تضحياته وبطولاته حكايا تتناقلها الأجيال اللاحقة.
لقد أدركت قيادة الجيش حجم المؤامرة وهدفها الاستراتيجي في تدمير سورية كمقدمة لتقسيمها إلى دويلات طائفية متناحرة, فتجلت عقيدته في أنصع صورها في التصدي ببسالة لأقذر الحروب وأشرسها، وكان من أشد المفاجآت التي أربكت المتآمرين وأفقدتهم زمام المبادرة أنه كان يحارب بعيداً عن النمطية القتالية والتكتيكات التقليدية، وأظهر قدرات خارقة في التعامل الميداني بمرونة تبعاً لطبيعة المعركة، إذ كان يعتمد وينتهج تكتيكاً مغايراً للمعركة السابقة، فاستحق وبجدارة أن نقول عنه:
أول جيش نظامي نفذ انتشاراً عسكرياً على امتداد ساحات الوطن، تماشياً مع متطلبات الصراع واستطاع الحفاظ على قوته وتماسكه وأدائه القتالي المؤثر والفعال.
أول جيش نظامي في العالم استطاع خلال فترة وجيزة الانتقال من تكتيك الحروب النظامية إلى تكتيك حروب العصابات وقتال الشوارع.
أول جيش نظامي يسجل له صموده في حرب كونية تقودها دول كبرى كفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
أول جيش نظامي استطاع أن يحقق توازن رعب مع العدو من خلال تعزيز منظومته الدفاعية والصاروخية وعبر انتهاج إستراتيجية أثبتت نجاعتها وهي دعم المقاومة بكل أشكال الدعم ومساندتها والعمل على تطوير قدراتها العسكرية، وهذا ماعبر عنه القائد العام للجيش والقوات المسلحة عام 2006 حين قال: «عندما نشعر بأن المقاومة يمكن أن تهزم فيجب على الجيش تحمل واجبه القومي».
أول جيش نظامي في العالم يتسابق جنوده لنيل شرف القتال في معركة استثنائية في تاريخ سورية، وببسالة وإيمان لم نسمع عنهما إلا في الأساطير، إذ يتقدم كبار الضباط في الخندق الأول والجنود من خلفهم، وهاهي أسماء قوافل الشهداء تتصدر المشهد وتثبت أسطورية وقوة هذا الجيش.
وأخيراً.. فإن الجيش العربي السوري الذي قال كلمته في أن كرامة سورية في عهدته وصونها من أولى مهامه، وأنه ماضٍ في حربه ضد المجموعات الإرهابية والعصابات التكفيرية المجرمة حتى النهاية مهما بلغت التضحيات، سيرسم بسواعد جنوده وضباطه وقيادته تاريخ المنطقة من جديد، وستظل أمجاد ميسلون وحكايا البطولة في تشرين وتموز بوصلته التي ستوصله قريباً إلى الانتصار الكبير.
15:54
16:23
19:31
03:38
05:24
05:38
17:27
21:27
03:11
23:31
01:51
15:03