من دمشق إلى كييف.. مواجهة روسـية- أمريكية مفتوحة!

الثلاثاء, 4 آذار 2014 الساعة 17:02 | مواقف واراء, كتبت رئيسة التحرير

من دمشق إلى كييف.. مواجهة روسـية- أمريكية مفتوحة!

جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:

كشفت التطورات الأخيرة في المنطقة والعالم أن الولايات المتحدة الأمريكية تنتهج سياسة غير تقليدية، تخلّت فيها عن التدخل العسكري المباشر، وإن حتمت عليها خيارات التدخل فسيكون تدخلها في حروب تقودها من خلف الكواليس، كما فعلت في ليبيا وتفعل اليوم في سورية وأوكرانيا عبر «ألويتها» وهي جماعات إرهابية يمينية متطرفة تمثل ذراعها العسكرية، وتقود بها قطار مواجهة التغييرات الجيوسياسية العالمية التي تنذر بتقهقر وأفول نظام القطب الواحد وانبثاق نظام عالمي متعدد الأقطاب، بدءاً من ترتيب الشرق الأوسط وفقاً لمصالحها، مروراً بالالتفات إلى التحديات العالمية الناشئة في كون الصين أصبحت تمثل مصدر التهديد الرئيسي للولايات المتحدة على الساحة الدولية، وصولاً إلى محاولة تطويق روسيا التي بدأت بالعودة إلى المسرح الدولي.

ولم يمض وقت طويل حتى أصدر البنتاغون وثيقة بعنوان «توجيه إستراتيجي»، شكلت بداية «الانعطاف» للسياسة الأمريكية من العراق وآسيا الوسطى نحو الحوض الباسيفيكي، والخليج. واعتبرت الوثيقة (منطقتي آسيا الهادي والخليج الفارسي الأولويتين الإستراتيجيتين للولايات المتحدة)، حيث أعادت جدولة أولوياتها دون أن تغفل أهمية الشرق الأوسط لمصالحها الإستراتيجية، فوضعت مخططاً يُضعف التهديدات للوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وكانت إستراتيجيتها فيما سمّي «الربيع العربي» التي تضع الشرق الأوسط في عهدة أنظمة إسلامية، ترجمةً لصفقات عُقدت مع تنظيمات إسلامية متطرفة طامعة بالسلطة كانت يوماً ما على لائحة الإرهاب الأمريكية، كتنظيم الإخوان المسلمين والقاعدة، ويقضي المخطط بتأمين مصالح أمريكا الإستراتيجية وإعلان التحالف مع (إسرائيل) مقابل الحصول على دعم أمريكي لتثبيت أركان حكمها، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية بأيدي هؤلاء، ومنه تحقيق استقرار المنطقة المنشود على الطريقة الأمريكية، وهذا ما يفسّر دعمها اللامحدود للمتأسلمين الجدد من مرسي إلى الغنوشي إلى مصطفى عبد الجليل إلى دعمها للمجموعات الإرهابية المقاتلة في سورية التي أعلنت غير مرة عن امتنانها للدور الإسرائيلي في الدعم والإمداد بالسلاح.

ومع سقوط الإسلام السياسي في مصر، وتصدر الإسلام المتشدد للمشهد السياسي في المنطقة، بالإضافة إلى الصمود السوري والتوجه المصري نحو الكرملين، وعوامل عدة هيأت الأجواء للصعود الروسي وتوسيع نفوذه في تلك المناطق، أدركت واشنطن فشل ما خططت له، فانتقلت إلى الخطة البديلة في استنزاف قدرات تلك الدول عسكرياً واقتصادياً، ومحاصرة روسيا عبر العمل على إغراق المنطقة في فوضى وحروب طائفية وقبلية ربما ستمتد لعقود، تقودها مجموعات متشددة وفق سياسة أمريكية واضحة بـ«عدم النية في حل الصراعات التي فجرتها وإنما التعامل مع مخرجاتها»، ما ينفي ادعاءها ومزاعمها المعلنة في حل أزمات المنطقة سياسياً، وفي الوقت ذاته التسلل المدروس إلى الحدود الروسية من خلال خلق الاضطرابات في المحيط الروسي كما يحصل اليوم في أوكرانيا!.

في ضوء هذه الانعطافة الحادة، أعلن البنتاغون عن تقليص عديد القوات البرية إلى أدنى مستوى له منذ عام 1940 ليصبح أصغر من أن يجتاح دولاً أجنبية، وفق قول مسؤول في البنتاغون.

إذاً وتبعاً لتلك الإستراتيجية «العدوان بيدين نظيفتين»، حيث إنه لم يعد ضرورياً زج القوات الأمريكية مباشرة في حروب، لما يترتب على ذلك من تكاليف باهظة على كل المستويات، ولوجود من يقوم بتلك المهمة، ولتتفرغ واشنطن تالياً لتعزيز وتكثيف وجودها العسكري في منطقة الهادي الآسيوية وإقامة قواعد جديدة في المحيط الهندي.

منذ أن أخذت تلك الانعطافة طريقها إلى التطبيق، عملت الإدارة الأمريكية على سحب قواتها من العراق، وتسعى إلى ذلك اليوم في أفغانستان مع الإبقاء على مرابض القوة التي تتحكم في أداء الطبقة السياسية عبر قواعدها في العديد من بقاع الأرض لضمان القوة اللازمة لحماية مصالحها وتوسيع دائرة نفوذها، ومحاولة تفعيل مداخل الفوضى التي تُختصر في تصريح وزارة الخارجية الأمريكية أن «حكومات استبدادية عبر العالم استخدمت القوات الأمنية لتتربع على السلطة» في إشارة إلى حكومات الدول المستهدفة!!.

إنها عصا أمريكا السحرية «الديمقراطية» التي شكلت على الدوام المدخل لإحداث الفوضى، إذ لا يوجد بلد في العالم إلا ويرزح تحت تناقضات جمّة يمكن لأي طامع استغلالها، وأمريكا هنا تلعب دور «الأزعر» الخارج عن كل الأعراف والتقاليد والأحكام التي تنظم علاقة الدول البينية، وتستثمر تلك التناقضات كمطيّة وجسور لزعزعة استقرار الدول التي تندرج ضمن نطاق مصالحها الإستراتيجية، وتجعل فئة من المرتزقة حصان طروادة لتهيئة الأجواء وترتيب واقع سياسي تحت مظلتها.

ما زالت أمريكا تطور مسرحيتها «العصا السحرية» كقوة فاعلة ومؤثرة لعرقلة نشوء عالم متعدد الأقطاب ومدخل لإشعال الحروب الطائفية والأهلية، وتوليد أو استنساخ تنظيمات إرهابية تناسب واقع كل دولة مستهدفة، ففي بلاد الشام استولدت جماعات إسلامية متطرفة، وفي أوكرانيا دعمت مجموعات فاشية لها تاريخ متجذر في العنف والعمالة والتي هي ذاتها الطابور الخامس لقوات ألمانيا النازية، في مشهد بالغ التعقيد يخلط الأوراق ويلمح إلى أن كل الملفات بدأت تتحرك دفعة واحدة، ما ينذر باشتداد وتيرة المواجهة في مختلف الساحات المفتوحة من سورية إلى العراق إلى اليمن إلى أوكرانيا، إذ لا يمكن الفصل بين ما يحدث في الشرق الأوسط وبين ما يجري في المحيط الروسي (أوكرانيا وجورجيا وبولندا)، كما لا يمكن القفز فوق ما يحصل اليوم في فنزويلا من اضطرابات تحت مسمّى «الديمقراطية»، إلى العمل الإرهابي لمجموعات إسلامية ناطقة باللغة التركية، والذي أودى بحياة 29 شخصاً وما يزيد على 130 جريحاً جنوب غرب الصين، بالإضافة إلى لقاء أوباما والدلاي لاما وتوقيت التلويح الأمريكي بورقة التيبت، ما يشكل استفزازاً كبيراً للصين، كل ذلك في محاولة للدخول الأمريكي إلى المجال الحيوي للدول المناهضة لسياسات البيت الأبيض، أي للمحور الصاعد بقوة في وجه الأحادية الأمريكية.

ومنذ ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعمل واشنطن على تصفية كل الحساب مع «روسيا السوفييتية» من خلال ‏تجريدها من مناطق نفوذها وعناصر قوتها وتفوقها، من هنا يأتي التحرك الأمريكي في أوكرانيا في محاولة للاقتراب من الحدود الغربية لروسيا، فبسيطرتها على هذا البلد يمكنها نقل الصراع من «الحدائق الخلفية» لموسكو ‏إلى العمق الروسي، فضلاً عن حرمانها من المنفذ الوحيد باتجاه المياه الدافئة أي باتجاه سورية.

إن العربدة الأمريكية تعمل وفقاً لسيناريو واحد، أي إن ما تفعله أمريكا في أوكرانيا مستوحى مما فعلته في سورية مع بدء الأزمة، فقد وظفوا ملايين الدولارات لتخريب أوكرانيا، وكما ادعت أن الشعب السوري بغالبيته معارض للحكومة السورية فعلت الشيء نفسه في أوكرانيا التي لم يتجاوز عدد المتظاهرين فيها الـ20 ألفاً من أصل مليونين هم عدد سكان كييف، وكما زار ماكين سورية لشد أزر المجموعات الإرهابية، زارت فيكتوريا نولاند كييف لطمأنة المتظاهرين الفاشيين بأن الدعم الأمريكي ثابت وقوي، وكما فتحت دول الجوار السوري معسكرات لتدريب الإرهابيين فتحت لتوانيا وبولندا أراضيها لتدريب المسلحين في أوكرانيا،

وكما تدخّل الأصيل الصهيوني في سورية حينما فشل الوكيل في تحقيق أهداف العدوان في انهيار الدولة السورية وتحويلها إلى ساحة للعنف والفوضى والتطرف شبيهة بالساحة الليبية، كذلك فعل في أوكرانيا، فقد كشف تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية تورط وحدة من الجنود الإسرائيليين السابقين في لعب دور محوري في تنظيم أعمال العنف التي نفذها متظاهرون ضد القوات الحكومية الأوكرانية والمنشآت العامة في العاصمة كييف خلال الفترة الماضية، وفي السياق نفسه كشفت قناة «روسيا-24» مشاركة عدد كبير من المرتزقة الأجانب، منهم أمريكيون وألمان وبولنديون وأتراك وأناس من دول أخرى في تأجيج الأحداث في أوكرانيا!!، ما يثبت أن الحدود الجغرافية في ظل هذا التحول العالمي قد سقطت، وأن أي تحرك روسي عسكري في شبه جزيرة القرم، قد يقابله فتح للجبهة الجنوبية في سورية والذي ستقوده واشنطن.

في عصر التحولات الكبرى، يبدو مشهد التغيير العالمي الذي يتنافس فيه محوران كبيران- الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في الخليج و(إسرائيل) والاتحاد الأوروبي من جهة، والاتحاد الروسي وحلفاؤه في الصين وسورية وأمريكا الجنوبية من جهة ثانية- قد وصل إلى منعطف تاريخي فُتحت فيه كل الساحات والاحتمالات، وتجاوزت السياسة الأمريكية كل الخطوط الحمر لمبادئ العلاقات الدولية، ما ينذر باقتراب المرحلة النهائية التي ستكون الأعنف في رسم خرائط المنطقة والعالم.

في ظل هذا المشهد العالمي الخطير يبدو بما لا يقبل الشك أن الروسي بدأ العمل على رسم خريطته الجيوسياسية من جديد وسط قناعة بأن الحرب الاقتصادية الباردة بين محوري الصراع أصبحت من الماضي ولا يقوى عليها، وأن كل الأجواء تنذر بحروب بالوكالة ساخنة وساخنة جداً.

وعلى هذا يمكن القول: ثمة اختبار كبير وُضعت فيه روسيا وحلفاؤها، فإما تثبيت واقع لعالم متعدد الأقطاب وإما تثبيت الأحادية الأمريكية التي ستدافع عنها واشنطن بكل الوسائل، مع اليقين أن أمريكا ستبقي على «شعرة معاوية» في تعاملها مع روسيا كي لا تخرج السياسة الروسية عن المألوف حيال العديد من الملفات الحساسة، كبرنامج إيران النووي وتسليح سورية بأسلحة قد تخل بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة.

عن صحيفة تشرين

أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا