جهينة نيوز- خاص:
يشغل الجولان السوري المحتل التابع لمحافظة القنيطرة مركز الوسط بين أراضي بلاد الشام، ويقع في أقصى الزاوية الجنوبية الغربية من الجمهورية العربية السورية، تبلغ مساحته 1800كم2، وتشغل 1 ٪ من مساحة الجمهورية العربية السورية، وبحسب التقسيم الجغرافي الإقليمي لسورية فهو "منطقة" في "إقليم الجنوب الغربي" تشكّل هضبةً متطاولة محصورة بين البحر المتوسط غرباً والبادية السورية شرقاً، وبين جبل الشيخ شمالاً–والذي يفصله عن البقاع الجنوبي في لبنان- ، وهضاب عجلون ومرتفعاتها جنوباً-ويفصلها عن الجولان وادي نهر اليرموك- وتتألف الحدود الغربية للجولان مع فلسطين من واجهة صخرية من الجروف شديدة
الانحدار، تشرف على سهل الحولة، وبحيرة طبرية، أما الحدود الجنوبية فيرسمها خانق وادي نهر اليرمـــــــوك بينما يرسم وادي الرقاد الحدود الشرقية ويفصل بين أغشية حوران البركانية القديمة، وأغشية الجولان البركانية الأحدث نسبياً، وكذلك وادي السعار فهو يرسم الحدود الشمالية الفاصلة بين هضبة الجولان البركانية - الانبثاقية، وأعضاد جبل الشيخ شمالها، وقد أسهم موقع الجولان وتضاريسه في تشبيهه بحصنٍ دفاعيٍّ طبيعي منحه عبر العصور أهمية عسكرية، كما أمّن له الإشراف على مدخل فلسطين مما أتاح اتصال مدينتيْ دمشق والقدس ببعضهما عبره...[1]
ولعل قلعة الصبيبة[2] التي بناها العرب في الجولان زمن الملك عماد الدين عثمان ابن الملك العادل شقيق صلاح الدين الأيوبي بجوار مدينة "بانياس" في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، ووُصفت بأنها من عمل دمشق، هي خير مثالٍ على الأهمية العسكرية لموقع الجولان الاستراتيجي، حيث انتصبت القلعة فوق قمة جبل شاهق ذي منحدرات عمودية صعبة يطل على بانياس من شرقيها على علو حوالي ثلاثمئة متر ويستند إلى الأعضاد الأولى لجبل الشيخ، وقد بُنيت القلعة لأمور دفاعية في وجه أي زحف لعدو مرتقب من أنحاء فلسطين إلى أنحاء دمشق أو بالعكس إبان فترة الغزو الفرنجي لبلاد الشام وتصدي الأيوبيين والمماليك له...
الثروة المائية الاستراتيجية في الجولان:
يقدّر الباحثون متوسط كمية مياه الأمطار والثلوج الذائبة التي يتلقاها الجولان بنحو 1,2 مليار م3 سنوياً. يتبخّر حوالي 80٪ منها، ويتوزع الباقي بالتساوي على المياه المغذية لخزانات المياه الجوفية، والمياه الجارية على السطح، والمشكّلة لطاقة الجولان المائية السطحية وهي بحدود 2,8 مليون م3... وتجري في الجولان مياه الأنهار الحدودية (نهر الأردن، نهر اليرموك، وسيول وادي الرقاد والسعار)، وفي الجولان قرابة ثمانين نبعاً أكبرها نبع بانياس في الشمال ومتوسط تصريفه السنوي 120 مليون م3، وفي الجنوب ينابيع الحمة ومتوسط تصريفها السنوي هو 63 مليون م3. ومن البحيرات في الجولان بحيرة مسعدة التي تحوي 3 ملايين متر مكعب من المياه العذبة. أما كمية المياه الجوفية فتقدر بنحو 120 مليون م3 تتجدد سنوياً بنسبة عالية، وتستغل سلطات الاحتلال الإسرائيلي الثروة المائية للجولان وتوجه قسماً منها لتزويد خزان بحيرة طبرية بالمياه التي تُجر منها إلى فلسطين المحتلة حتى النقب.[3]
التركيبة السكانية في الجولان
سكن الإنسان السوري الجولان منذ عصور ما قبل التاريخ، ويعتبر الكنعانيون والآراميون [4]سكان الجولان الأصليين في العصور القديمة، وهم من أعطى الجولان اسمه المشتق من الجذر الكنعاني -والآرامي- (ج- و- ل)، وهو جذر لغوي عربي أيضاً من معانيه "جال" و"دار" و"طاف"، ومن مشتقاته "الجُولان" بمعنى التراب الذي تجول به الريح...وقد ورد اسم الجولان في العصور الكلاسيكية بصيغة (جولانيتيس)...[5]
واستمر السوريون في سكن الجولان عبر كل العصور اللاحقة، أما سكانه قبل الاحتلال الإسرائيلي له سنة 1967 فقد اختلطت معهم مجموعتان وافدتان إلى المنطقة هما الشركسية(أواخر القرن التاسع عشر الميلادي) والطورانية-التركمانية (القرن السادس عشر والتاسع عشر الميلادي).
ومن القبائل العربية التي دخلت الجولان في القرن الخامس عشر الميلادي قبيلة الفضل، أما قبيلة النعيم فدخلت في القرن السابع عشر الميلادي.
أما الشركس فهم أقلية عرقية - لغوية ترجع في أصولها إلى العرق القفقاسي الأبيض. وقد وطنتهم حكومة الاحتلال العثماني في الجولان إثر الحرب في بلادهم بين سنتي 1722 و1864م إبان عهد روسيا القيصرية، وفي هذه الحرب قضى قرابة مليونيْ شركسي، كما هُجِّر أكثر من مليونين كان نصيب الجولان منهم قرابة ثمانية عشر ألف شركسياً (سنة 1967). وقد وصل الشركس إلى الجولان بين سنتيْ 1878 و1897م، قادمين من فلسطين التي وصلوا إليها عبر البحر ومكثوا فيها بضع سنوات، وفي الجولان أسكنهم المحتلون العثمانيون في إقطاع وزير عثماني هو "لالا مصطفى باشا" زوج حفيدة السلطان الشركسي "قانصوه الغوري"، وبنوْا هناك ثلاث عشرة قرية شكّلت لهم مجتمعاً ريفياً أساسه التقاليد والعادات الخاصة بهم.
أما المجموعة الطورانية القادمة من الأناضول، فهي أقليّة أيضاً مؤلفة من التركمان واليوروك، وكان عددهم بحدود خمسة آلاف وخمسمئة نسمة، منهم من دخل الجولان في القرن السادس عشر الميلادي، ومنهم من وصل إليه مع المهجَّرين الشركس، وهم يقيمون في قـــرى تقع على جانبي طريق القنيطرة – فلسطين.
وصل عدد سكان الجولان سنة 1967 إلى مئة وثلاثة وخمسين ألف نسمة. أما أعداد الجولانيين النازحين الذين يعيشون خارج ديارهم فتقدر لسنة 2007 بأكثر من ستمئة واثنين وسبعين ألف نسمة في سورية وخارجها، ولا يوجد اليوم في الجولان المحتل سوى خمس قرى بسكانها في أكناف جبل الشيخ
هي مجدل شمس، وعين قنية، ومسعدة، وبقعاتا، والغجر. أما بقية القرى المحتلة فقد دُمرت مثلما دُمرت القنيطرة، وقد قام الكيان الإسرائيلي منذ عام 1967 بتنفيذ مخططه التوسعي- الاستيطاني في الجولان، فأقام فيه ما يزيد على الأربعين مستوطنة وُزِّعت توزيعاً استراتيجياً عسكرياً لتستوعب عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود المؤهلين عسكرياً.[6]
يتبع...(الحلقة الثانية: احتلال الأرض والتاريخ),,.
________________________________________________
الحواشي:
1-أنظر عبد السلام، عادل: جغرافية الجولان- "أهمية الموقع"، كتاب ندوة الجولان التاريخية المنعقدة في القنيطرة في شهري حزيران وتموز 1987، ص34 وما بعدها.. أنظر أيضاً الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، ط1 1984، دمشق. ص99..
وأيضاً لنفس المؤلف: جغرافية الجولان، مجلة الفكر السياسي- اتحاد الكتاب العرب بدمشق، العدد 27. ص 13- 37. دمشق .2006
2- زكريا، أحمد وصفي: الريف السوري، الجزء الثاني، دمشق 1957.ص570 وما بعدها...وتجدر الإشارة إلى انتشار القلاع والحصون في الجولان المحتل، ومما يؤسف له أن مشروعاً فرنسياً لإعداد "سجلّ لقلاع بلاد الشام وحصونها" انطلق سنة 2002 بترخيص من مديرية الآثار وتحت إشراف "المعهد الفرنسي للشرق الأوسط" بدمشق وجامعة باريس الرابعة، نُفِّذ دون أن يُدرج القائمون عليه قلاع وحصون الجولان وفلسطين، الأمر الذي انطوى على إخراج الجولان من الخريطة السورية وإخراج فلسطين من خريطة بلاد الشام بناءً على السجلّ...ولعل الخريطة التي عممها المعهد الفرنسي المذكور لسورية القديمة كانت بدون الجولان ولواء اسكندرون، وبدون فلسطين على الحدود الجنوبية.
3-عبد السلام، عادل: "جغرافية الجولان وآثار إعماره"، بحث في مجلة "مهد الحضارات" العدد المزدوج 3-4، دمشق2007، ص58
4- كل الدلائل الأثرية والتاريخية تؤكد الهوية السورية الكنعانية والآرامية للجولان في عصريْ البرونز والحديد، ثم العربية السورية في العصور اللاحقة، وقد سعى الاحتلال الإسرائيلي لطمس معالم هذه الهوية، تماماً كإجراءاته التي اتخذها في مدن فلسطين المحتلة وقراها، وهذا موضوع له تفاصيل سنأتي على ذكر بعضها في الحلقة الثانية.
5-حتي، فيليب: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ج1، بيروت 1958، ص44
6- عبد السلام، المرجع السابق ص60...أنظر أيضاً الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، ط1 1984، دمشق. ص99 وما بعدها...
16:38
16:54
17:00
17:03
17:07
17:10
17:13
17:17
17:21
16:30
16:35
16:36
01:43
18:55
21:04
21:10
02:01