جهينة نيوز-خاص
احتل الإسرائيليون الجولان عام 1967 بموجب مخططات المنظمة الصهيونية العالمية منذ بدايات القرن العشرين، فالحدود التي رسمها "بن غوريون" للكيان الصهيوني عام 1918 تضم –كما قال- "النقب ويهودا والسامرة والجليل وسنجق حوران وسنجق الكرك (معان والعقبة) وجزءاً من سنجق دمشق أي أقضية القنيطرة ووادي عنجر وحاصبيا"...وفي مذكرة للمنظمة الصهيونية العالمية عام 1919 ورد أن الكيان الصهيوني يجب أن يضم جبل الشيخ الملاصق للجولان بسبب غناه بالمصادر المائية، وكذلك وصف "حاييم وايزمان" –زعيم الحركة الصهيونية آنذاك- مناطق في الجولان وحوران بأنها "أجود حقول الاستيطان التي يعتمد عليها المشروع الصهيوني"...[1]
وفي عام 1950 شرع الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ مشروع تجفيف بحيرة الحولة، فقام بمصادرة الأراضي من أصحابها وطردهم منها، وكل ذلك من أجل "جعل سورية بلا حدود آمنة" حسبما صرح بذلك مسؤولو الكيان الإسرائيلي[2]، لذا فقد كان احتلال الجولان عام 1967 هدفاً رئيسياً للحرب التي شنّها الكيان الإسرائيلي.
وبتاريخ14/12/1981 صوّت "الكنيست" الإسرائيلي على مشروع قانون ضم الجولان -الذي جوبه برفض سكان الجولان ومقاومتهم- وورد في مادته الأولى ما يلي: "يسري قانون الدولة وقضاؤها وإدارتها على منطقة مرتفعات الجولان"...
وقد جاء في خطاب "مناحيم بيغن" لدى تقديمه لمشروع القانون ما يلي: "لن نجد في بلدنا أو خارجه رجلاً جادّاً درس تاريخ أرض "إسرائيل" في وسعه أن يحاول إنكار أن هضبة الجولان كانت على مر أجيال كثيرة جزءاً لا يتجزّأ من أرض "إسرائيل"...مضيفاً أن "السوريين رفضوا يدنا الممدودة، منكرين إنكاراً تاماً حقنا في الوجود كدولة يهودية"...[3]
ولعل تزوير "بيغن" للحقائق بخصوص هوية الجولان يعد مدخلاً للحديث عن موضوع أن ما يؤمن به "بيغن" –أي كتاب التوراة نفسه- يدحض أقواله، بل ويدحض كل ادعاء إسرائيلي بملكية أي شبر من أرض فلسطين والجولان.
بطلان الادعاءات الإسرائيلية،"تل القاضي" نموذجاً:
في إطار سعيهم لاحتلال التاريخ بعد احتلال الأرض، أشرف المؤرخون الإسرائيليون والتوراتيون على "دراسات" جعلت من بعض المدن الكنعانية مدناً في دائرة التهويد مستغلّين بعض الروايات التوراتية المختلقة، ومبتعدين تماماً عن روايات من التوراة نفسها تنقض وتفنّد مزاعمهم، ومن الأمثلة مدينة "لايش" أو "لشم" (تل القاضي في الجولان) فهي مدينة كنعانية باعتراف التوراة حسب شاهد سفر القضاة7:18: {فمضى الرجال الخمسة حتى وصلوا إلى لايش، فوجدوا أهلها الصيدونيين (أي الكنعانيين نسبة إلى صيدا) مقيمين فيها مطمئنين كعادة الصيدونيين، آمنين لا يؤذيهم أحد في أرضهم، أثرياء ويتمتعون بالاكتفاء الذاتي}... وتقع "لايش" غربي مدينة بانياس بالقرب من شمال فلسطين بجانب جبل الشيخ المطلّ على دمشق، ويطلق المحتلّون الإسرائيليون عليها زوراً اسم "تل دان" استناداً إلى رواية توراتية تتعلق بحديث عن غزو مزعوم قام به "بنو إسرائيل" للمدينة فأطلقوا عليها اسم "دان" -الابن التاسع ليعقوب- حسب شاهد سفر يشوع47:19:{...فهاجموا مدينة لشم واستولوا عليها وقضوا عليها بحد السيف، ثم أقاموا فيها ودعوها دان كاسم دان أبيهم}
كما جاء حول المدينة في شاهدين من سفر القضاة29،28:18:{وكانت المدينة تقع في الوادي الذي فيه بيت رحوب (وهو اسم لإمارة آرامية سورية)...ودعوها دان باسم دان أبيهم، أما اسمها القديم فكان لايش...}
وهذا الغزو التوراتي محض خرافة إذْ لا أدلّة أثرية عليه، وينفي حدوثه كبار المؤرخين في العالم، ولكن من خلال هذه الخرافة فإننا نثبّت المعلومة الأهم وهي أن "لايش" كنعانية باعتراف التوراة، فالكاتب التوراتي لم يكن يقصد تعريفنا بكنعانية المدينة، و إنما استعراض القوة الزائفة والحدث المزيّف الذي يعطيه مبرراً لامتلاك المدينة حسب عقليـته...وتجدر الإشارة هنا إلى أننا نحن أصحابَ الأرض لا نحتاج إلى شهادة الكاتب التوراتي في كنعانية مدننا، لكننا نحتاج إلى هذه الشهادة لإبرازها للعالم الذي يؤمن بالتوراة ورواياتها، ولمواجهة من يواجهنا بها على غير وجه حق.
وقد عمّم الإسرائيليون اسم "دان" كاسمٍ للمدينةـ على أنها إسرائيلية وطلبوا تسجيلها في لائحة التراث العالمي باسمهم على غرار مدن محتلة أخرى...أفلا تحتاج المنظمة الدولية إلى شرح هذه الملابسات لمنع تهويد هذه المدن؟! فحال "لايش" هو حال عشرات المدن والمناطق الفلسطينية والسورية المتعرّضة للتهويد بنفس الطريقة... ويلجأ الإسرائيليون في أحيان كثيرة إلى التزوير لدعم الروايات التوراتية المختلقة، وما حدث في تل القاضي (لايش الكنعانية السورية) مثال على ذلك حين دسّ الإسرائيليون نقشاً مزوّراً في التل وادّعوا أنه آرامي يذكر "إسرائيل" و"داود" ! وقد كشف زيف هذا النقش عدة باحثين...
حقيقة نقش تل القاضي
في عام 1993 أثارت "مجلة الآثار التوراتية" ضجة مفتعلة حول النقش زاعمةً أن الإسرائيلي "أبراهام بيران" قد اكتشفه في تل القاضي عام 1993، وقد تم تأريخه في القرن التاسع ق.م، كما زعمت المجلة أن النقش يذكر الإله الآرامي "هدد" وعبارة "ملك إسرائيل" وعبارة "بيت دود" [4]...وانقسم الباحثون بين مؤيد ومعارض لتفسير عبارة "بيت دود" بــ "سلالة داود"، بينما رأى "مكتشف" النقش المزعوم أنه لا يقدم معلومات قاطعة بانتظار العثور على قطع ضائعة منه[5]، كما اعترض الباحث "ديفيز" على ترجمة عبارة "بيت دود" إلى سلالة داود [6]...إلا أن كلاًّ من الباحثين "ريني" و"لومير" ترجم العبارة السابقة إلى "سلالة داود"[7] زاعميْن أن عبارة "بيت دود" كانت قد ظهرت في نُصب "ميشع" –أحد ملوك الموآبيين في القرن التاسع ق.م- أو ما يسمى "حجر موآب" الذي اكتشف في الأردن عام 1868م [8]...وبالرغم من أنه لم ترد في نقش "ميشع" عبارة "بيت دود" وذلك استناداً إلى كل الدراسات الخاصة به منذ اكتشافه عام 1868 وحتى عام 2015، فقد أعلن "لومير" عن اكتشافه لعبارة "بيت دود" في نقش ميشع، في السطر الواحد والثلاثين منه، وقد جاء إعلانه هذا بُعيْدَ ضجة "اكتشاف" نقش تل القاضي، معرباً عن عدم دهشته لصحة ما جاء في نقش تل القاضي لأن ما جاء فيه –وخاصة عبارة "بيت دود" يؤكده نقش "ميشع" -حسب تعبير لومير- الذي يقول إنه انكبّ على دراسته سبع سنوات...ويقارب لومير بين النقشين فيرى أنهما من نفس نوع الحجر ونفس الطول والعرض، وكلاهما يخلّد نصراً على "الإسرائيليين"-حسب تعبيره- ويضيف أن النقشين مسطوران بالحروف "السامية" التي استعملها "الإسرائيليون"-حسب زعمه (الآرامية بالنسبة إلى نقش تل القاضي والموآبية بالنسبة إلى نقش ميشع)- ويضيف لومير أن النقشين يعودان إلى القرن التاسع ق.م وكلاهما يذكر "ملك إسرائيل" و"بيت دود" –على حد تعبيره -[9]
وبالعودة إلى السطر الواحد والثلاثين من نقش "ميشع" –الذي درسه الباحث د.محمد بهجت قبيسي-فإننا نجد تلاعباً خطيراً من قبل "لومير" بقراءته وتفسيره من خلال اقتطاع حروف من كلمات وضمّها لحروف أخرى لتُشكّل كلمات جديدة...! فلا صحة لوجود عبارة "بيت دود" في نقش ميشع.[10]
وهكذا نجد أن إعلان لومير عن وجود عبارة "بيت دود" في نقش ميشع مثير للاستغراب بعد اكتشاف النقش بمئة وخمسة وعشرين عاماً، وبشكل متزامن مع الظهور المزعوم لـ"بيت دود" في نقش تل القاضي...فأي النقشين يدعم حظوظ الآخر لاحتواء عبارة "بيت دود"؟ لا سيما وأن "لومير" مزوِّر ويبحث في هذه المسألة من منطلق معلومات توراتية وردت في سفريْ الملوك الأول والثاني تزعم وجود علاقات بين ما سُمي المملكة المنفصلة (إسرائيل ويهوذا) والآراميين في القرن التاسع ق.م –الزمن المفترض للنقشين المذكورين-رغم أنه لا مستند لهذه المعلومات على الأرض.
إذاً فنقش تل القاضي (لايش) مثير للشكوك أكثر من الاستنتاجات التي خلص إليها البعض والتي كان الهدف منها إثبات تاريخية "داود" وتأكيد الروايات التوراتية حوله وحول "سلالته الحاكمة"، وإعطاء تلك السلالة المزعومة دوراً أساسياً في تاريخ الشرق القديم إلى جانب القوى الكبرى –خارج أسفار التوراة-.
وهكذا فدراسة المدينة الكنعانية "لايش" تجعل من النقش المذكور أمراً غريباً وصعب التصديق، ذلك أنهم يتحدثون عن نقش مهشّم وفاقد لأجزاء كثيرة منه، فكيف جمع الجزء المتبقي منه عبارات "هدد" و"ملك إسرائيل" و"بيت دود" مع بعضها؟!...إن ما سبق من ضجة يشير إلى سيناريو مكشوف تم بناؤه بالاعتماد على روايات غير مثبتة من التوراة، وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الإسرائيليون إلى هذا النوع من الفبركات...وهنا تجدر الإشارة إلى أن الباحث "توماس طومسن" اعترض على موضوع نقش تل القاضي من حيث قراءته وتأريخه وتفسيره، بل وتحدث عن كونه مزوّراً...[11]... وكذلك الباحث محمد علي مادون و د.محمد بهجت قبيسي الذي يرى أن النقش مزوّر حيث أن شكل الخط شمالي وليس جنوبياً بالإضافة إلى وجود فواصل بين الكلمات لم تكن مألوفة في زمن النقش المزعوم... [12]
يتبع...(الحلقة الثالثة: الجولان والقرارات الدولية)
__________________________
الحواشي:
1-الموسوعة الفلسطينية، المجلد الثاني، ط4، دمشق 1984، ص105
2-نفس المرجع، ص106
3- نفس المرجع، ص107
Summer in the Sand,(BAR)20,1994 P574-
Biran and Naveh: An Aramaic Stele Fragment from "Tell Dan",Israel Exploration Journal 43,1993p.985-
Davies P.R: House of David built on sand,the sin of the Biblical Maximizers.(BAR)20,1994,P.546-
Lemaire.A: House of David, restored in Moabite inscription.(BAR)20,1994,p.317-
Rainey.Anson: The House of David and the house of the deconstrutionists (BAR)20,1994P.328-
Lemaire: House of David, restored in Moabite inscription.(BAR)20,1994, p.579-
ونشير إلى أنه لا صحة لمصطلح "اللغات السامية".
10- أنظر ترجمة نقش ميشع في: قبيسي، محمد بهجت: "القدس في الآثار والكتابات المصرية والكنعانية والآرامية وتفنيد المزاعم الصهيونية، مقال في مجلة "زهرة المدائن"، عدد 58-59-60-2015، ص9-15
Thompson.Thomas.l: The Bible in History. How Writers Creat a Past? London 1999,pp.203-20511-
12- قبيسي، المرجع السابق ص8...وتجدر الإشارة إلى أن سلسلة كبيرة من الردود على التوراة والتوراتيين والباحثين الإسرائيليين–ومنها الرد على موضوع تهويد تل القاضي- قد وردت في أطروحة الدكتوراة للباحث ابراهيم خلايلي عام 2002 وهي بعنوان: "الحياة المدنية والدينية في المدينة الكنعانية الفينيقية في ضوء العهد القديم والحوليات الآشورية"-جامعة تونس.
23:48
23:56
00:05
00:23
00:28
00:29
16:16
16:19
16:21
16:25
16:31
16:48
16:53
03:31
15:53
15:57
02:29
02:33
02:49
02:08
02:19
02:21
02:23
02:42
23:29
01:25