جهينة نيوز-خاص
العدو الأول، الكيان الإسرائيلي:
"ليس ثمة ما يمس كرامة سورية وعزتها أكثر من وضع (إسرائيل) يدها على أرض سورية هي مرتفعات الجولان، فسورية تريد استعادتها"...
بهذا الحديث افتتح المراسل الأميركي "مايك والاس" حلقته الإذاعية في 8/12/1984 والتي تحمل عنوان "ستون دقيقة" كانت تبثُّها شبكة "سي. بي. إس" الأميركية، مما أثار ردود فعل غاضبة عليه من قبل أعضاء منظمة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية "إيباك"[1] ، ويشير هذا الموضوع إلى الدعم الأميركي غير المحدود لمخططات الكيان الإسرائيلي وتطلعاته، فهو يحتل فلسطين والجولان بغطاء ودعم منظمات صهيونية عديدة في الولايات المتحدة، ولعل تصريح الإرهابي "أرييل شارون" لوفد أميركي ذات يوم يعكس إحدى صور هذا الدعم حيث قال: "عندما يسألني الناس كيف يمكنهم أن يساعدوا (إسرائيل) أجيبهم ساعدوا الإيباك...[2]... ولا يقتصر الدعم على المنظمات ذات الطابع الديني السياسي، بل ثمة –على سبيل المثال مؤسسات لها طابع ثقافي ديني سياسي معاً مثل المدرسة التوراتيةBiblical School ومؤسسة الأبحاث الصهيونية Zion Research Foundation والمدرسة الأميركية لبحوث الشرق القديم American School of Oriental Research ...وكلها مؤسسات داعمة على الأرض لتوجهات المؤسسات الاسرائيلية الرامية إلى خلق وجود قسري للكيان الاسرائيلي في الأراضي السورية والفلسطينية المحتلة، وفي تاريخ الشرق القديم ككل بموجب "الوعد الإلهي" المزعوم.
وكما نعرف فقد نشأت في الغرب الأوروبي والأميركي منظمات برعاية "الصهيونية العالمية" تزعم أن ثمة وعداً "إلهياً" لليهود في الأراضي المحتلة، وأهم هذه المنظمات تجسّد بجسم سياسي وإداري هو لجنة الشؤون العامة الأميركية الاسرائيلية (الإيباك)، وذلك لتحويل فكرة الوعد المزعوم إلى واقع معاش، وأضحت مورداً مالياً مهماً للكيان الاسرائيلي ومستقلاً عن الإدارة الأميركية، وقد بسطت هذه المنظمة –كعصابة-سيطرتها على القرار الأميركي في جل مواقعه كالكونغرس –الذي يبدو وكأنه "الكنيست الاسرائيلي"، ومجلس الشيوخ-...كما امتدت سيطرة هذه المنظمة إلى أوروبا ومارست نفس المهمة وعملت على إقناع عشرات الملايين أن يعيشوا الوعد المذكور ويعملوا على تحقيقه...
ولن نوغل بعيداً في تاريخ النظام الأميركي كنظام سياسي اقتصادي اجتماعي شمولي... كما لن نذهب في تاريخ هذا النظام إلى أكثر من الحقب التي اتّضحت فيها دكتاتوريته داخل الولايات المتحدة وخارجها، وخاصةً فيما يتعلق بقضايا "الشرق الأوسط" ودعم الكيان الاسرائيلي-الحليف الاستراتيجي و"الروحي" للنظام الأميركي-...فالباحثون في هذا المجال لا يمكنهم اعتبار الكيان الاسرائيلي سوى "فلذّة كبد" الادارة الأميركية، أما من يديرون هذا الكيان المصطنع فيبدون كفئة صغيرة تتبع فئة أكبر ضمن المجتمع الأميركي، تتحكم بثرواته وتسخّرها لمصالحها وتدير دفة البلاد السياسية والإعلامية، وتصنع الرأي العام وتجيّشه حسب المصلحة...أما حُماة هذا الرأي العام وصانعوه فجيشٌ من المنظمات والتنظيمات والمجموعات والمنتديات واللجان، لم نعد نسمع عنها فحسب بل بتنا نرى ممارساتها على الأرض بإمضاء اللوبي الاسرائيلي...{المنظمة الصهيونية في أميركا، المنتدى السياسي الاسرائيلي، لجنة الشؤون العامة الأميركية الاسرائيلية(الإيباك)، المحافظون الجدد...}...وهي غيض من فيض لعناوين وتسميات دعت المؤرخين ومنهم "ملفن آي أورفسكي" إلى القول "ليس لأية مجموعة إثنية أخرى في التاريخ الأميركي مثل هذا الانخراط مع دولة أجنبية"[3]...كما قال "ستيفن ت روزنتال": "لم توجد أية دولة أخرى يلتزم مواطنوها بنجاح دولة أخرى مثلما هم اليهود الأميركيون حيال الكيان الاسرائيلي"[4] ويصف عالم السياسة "روبرت ترايس" اللوبي الموالي للكيان الاسرائيلي بأنه "مؤلف من حوالي 75 منظمة منفصلة معظمها يهودية تدعم بنشاط كل ممارسات الحكومة الاسرائيلية ومواقفها السياسية"...[5]
العدو الثاني، التنظيمات الإرهابية:
ما كان احتلال الكيان الإسرائيلي للأراضي السورية –والفلسطينية- ليحدث ويستمر لولا هذا الدعم الآتي من منظمات تدعمها دول كبرى وتحسب لها حساباً من منطلق ديني خاص، وقد رأينا في حلقتين سابقتين من هذه المقالة هما "احتلال الأرض والتاريخ" و"الجولان والقرارات الدولية" كيف أن عمليات الاحتلال الإسرائيلي للجولان وتاريخه ثم ضمّه، هي عمليات أوصت بها المنظمة الصهيونية العالمية ودعمتها دولياً الولايات المتحدة الأميركية...لكن المتغيرات على ساحة "الشرق الأوسط" دفعت الكيان الإسرائيلي لبناء استراتيجيات حماية جديدة له غير تلك التي تعتمد على دعم الولايات المتحدة و"اللوبيات" في العالم، فالمنطقة السورية اللبنانية الفلسطينية شهدت بعد النصف الثاني من القرن العشرين ولادة حركات المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي (التحالف السوري الفلسطيني اللبناني)، فانطلقت الثورة الفلسطينية عام 1965، وكانت أهم مقراتها ومعسكرات تدريبها في سورية، وعنها انبثقت سلسلة الانتفاضات الفلسطينية –وأحدثها الانتفاضة الأخيرة 2015- كما انطلقت المقاومة اللبنانية في مطلع ثمانينات القرن الماضي بدعمٍ سوري وحققت انتصارات كبيرة في بيروت وسائر الربوع اللبنانية ثم في الجنوب اللبناني، إلى أن تطورت بعد التحرير إلى نوع مقاومة تستطيع أن تعلن حرباً على العدو الإسرائيلي وتخوضها بكل اقتدار معتمدةً على أدبياتها الحزبية ومستفيدةً من الدعم السوري والإيراني...لذا –وحذراً من مستقبل المقاومة كمُحدِّدٍ لمستقبل المنطقة وموحّد جديد لها، بل ومقرر لمستقبل الصراع العربي الإسرائيلي- فبرك الصهاينة "الربيع الإسرائيلي" بعد ارتدادات حرب تموز 2006 وخسارتهم فيها، وألبسوه –منذ عام 2010- ثوباً عربياً على أنه "عاصفة ثورية تحررية" ستقتلع الأنظمة العربية الأهم في المنطقة وتستبدلها بـ"ديمقراطيات" جديدة تتناسب وتطلعات الشعوب العربية!...وهذا الثوب العربي الذي اكتسى به "ربيع الصهاينة" إنما اختيرت له تفصيلةٌ دينيةٌ طائفيةٌ تغطّي عورة المجتمع الدولي بينما تكشف عورة بعض الأنظمة العربية المتواطئة مع "الربيع" ليظهر هذا الأخير على مبدأٍ منحولٍ هو "ربيع العرب للعرب"، وبالتالي تظهر "الأمة العربية" بذلك بين الأمم أمةً متناحرةً لا يليق بها تاريخها المضيء فيُسلَخ عنها ويُقتَلع مع جذور هويتها لتفقد توازنها ويتضاعف عدد دولها بعد آخر اتفاقيات التقسيم في القرن الماضي ومطلع هذا القرن، لتتخذ شكل دول الطوائف والملل والاثنيات والعشائر، بل ودول المدن والأرياف...
التنظيمات الإرهابية حزام أمان للكيان الإسرائيلي:
بناءً على ما سبق استطاع العدو الإسرائيلي تشكيل حزام أمانٍ له يفصل الجولان عن وطنه الأم سورية ويحمي هذا الكيان من الجيش العربي السوري وهجمات المقاومة، وذلك بواسطة مجموعات إرهابية يقودها على الأرض كَفَرةٌ تكفيريون ومجرمون يدّعون الإسلام ديناً لهم بشفاعةٍ ومباركةٍ من السعودية وقطر وتركيا، "فخلال الأزمة الحالية في سورية أضاف الكيان الإسرائيلي فصلاً جديداً إلى سجل انتهاكاته ألا وهو دعم إرهابيي "جبهة النصرة" في منطقة الفصل في الجولان السوري وتمكينها من احتلال القسم غير المحتل من الجولان وإطلاق يدها ضد سكانه وقتل 21 مواطناً سورياً في بلدة حضر وذلك بهدف ابتزازهم ودفعهم إلى التخلي عن دعمهم للدولة السورية، بالإضافة إلى ذلك تم علاج مصابي هؤلاء الإرهابيين في المشافي الإسرائيلية... وكل ذلك في انتهاك لاتفاق فصل القوات لعام 1974 وبشكل عرض حياة قوات "الأندوف" للخطر وكذلك في خرق لاتفاق الهدنة لعام 1948."[6]...
وكان تقرير أممي في مطلع عام 2015 قد أقرّ بوجود علاقة بين الكيان الإسرائيلي والتنظيمات الإرهابية في الجولان في عدة مستويات منها –إلى جانب الدعم العسكري واللوجستي- علاج جرحى الإرهابيين في المشافي الإسرائيلية[7]...حيث انطلقت تلك العملية منذ مطلع عام 2013 ووصل عدد الجرحى من تلك التنظيمات إلى الآلاف وكل ذلك تحت إشراف وتمويل وزارات الحرب والمالية والصحة الإسرائيلية، حيث تعتبر تلك الوزرات عناصر التنظيمات الإرهابية جنوداً في جيش الاحتلال الإسرائيلي.[8]...
ممر الموت للكيان الإسرائيلي:
بما أن الجولان يشكّل ممر دمشق إلى القدس تاريخياً وعلى المستوى الجغرافي ثم الرمزي السياسي، فمن هذا البعد الاستراتيجي الذي يُخيف العدو الإسرائيلي –وخاصةً مع تشكُّل كتائب مقاومة لشن عمليات في الجولان انطلاقاً من دمشق- نجد العدو يزج بكل قدراته -بما فيها اغتيال قادة المقاومة- منعاً لانهيار التنظيمات المتطرفة التي يُقتَل أفرادها ويُصابون بالآلاف على يد الجيش العربي السوري حسبما تفيد به –على الأقل- إحصائيات مشافي الكيان الإسرائيلي، وهذا يتكامل مع أداء "الجناح السياسي" لتلك التنظيمات –إن لم نقل تنفيذه للإملاءات- إذ يتسابق من سماهم الغرب "معارضة" للحج إلى "تل أبيب" وتقديم أوراق اعتمادهم من زاوية "التطبيع الكامل "مع الكيان الإسرائيلي والتفريط بالجولان الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى تصفية القضية الفلسطينية وضياعها.
موقع حركة "الأخوان المسلمين" في الأحداث الجارية:
لعل الحديث عما سبق يقودنا إلى إبداء ملاحظة هامة وهي أن ما يتخذ شكل التحالف بين الكيان الإسرائيلي والتنظيمات الإرهابية المتطرفة الرافعة زوراً وبهتاناً لراية الإسلام، إنما يعكس في أهم صُوَرِه تحالفاً بين الكيان المذكور وحركة "الأخوان المسلمين" العالمية التي أعلنت خلال أحداث ما سُمي "الربيع العربي" –أكثر من أي وقت مضى- "عدم نيّتها قتال الكيان الإسرائيلي" بل أعلن مرشدها العام الرئيسي في مصر "استمرار العمل باتفاقية كامب ديفيد"...وكما هو معروف فقد تأسست الحركة المذكورة عام 1928 في مصر على يد "حسن البنّا" ثم انتشرت في كل البلدان العربية وبعض دول العالم، وقد تم تصنيفها من قبل جل الدول كحركة إرهابية باستثناء الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين رفضتا هذا التصنيف، الأمر الذي انعكس في استمرار الحرب على سورية بواسطة الدعم اللامحدود للمجموعات الإرهابية انطلاقاً من الحدود وخاصة الحدود مع فلسطين المحتلة وتركيا والأردن، بما يتماشى مع أهداف الكيان الإسرائيلي في تقسيم المنطقة إلى دويلات دينية وطائفية تتيح له تكريس يهوديته، فشهدنا خلال السنوات الماضية وإلى وقت قريب الاستثمار الإسرائيلي التدريجي للحرب على سورية من خلال محاولة إضعاف المقاومة ومحور صمودها ثم دعم فكرة إنشاء ما سمي بـ"الفدرالية الكردية" واتخاذ حكومة الكيان الإسرائيلي لإجراءات لم تحدث سابقاً في الجولان المحتل من خلال الشروع بسرقة نفط الجولان المحتل والسماح للعصابات الإرهابية حتى بتداول السلاح الكيماوي وتجريبه في الجولان، ثم عقد أول اجتماع للحكومة المذكورة في الجولان في 17/4/2016 وإطلاق تصريحات مخالفة للقوانين الدولية بخصوص هوية الجولان، وكل ذلك تحت حراسة التنظيمات الإرهابية وضمن تغييبٍ كامل لدور قوات الفصل الدولية ودور "جناحها السياسي القانوني" المتمثل في الأمم المتحدة، وهو دورٌ لا يمكن أصلاً الاعتماد عليه والثقة به بخصوص ما يحدث في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1948،حيث يندرج هذا الدور –وبكل بساطة- تحت عنوان "النفاق الدولي".
حرب المقاومة القادمة ضد الاحتلال:
ختاماً، فإن الحملة المسعورة التي يقودها الكيان الإسرائيلي لتصفية كوادر المقاومة وضرب مصادر تسليحها بالتنسيق مع التنظيمات الإرهابية في سورية، إنما يشير إلى حرب المقاومة القادمة ضد الاحتلال والمستمرة منذ عقود بنجاحات هائلة، وما بدأ به المقاومون وينوون الاستمرار فيه لا يمكن أن ينتهي بالإجراءات الإسرائيلية أو التوقيت الذي يختاره هذا الكيان.
____________________
الحواشي:
[1]: أنظر كتاب عضو الكونغرس الأميركي فندلي.بول: "من يجرؤ على الكلام"، ط16، بيروت 2003، ص497-499
[2]: من مقدمة كتاب ستيفن والت وميرك شتايمر: "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"...
[3]: نفس المرجع
[4]: نفس المرجع
[5]: نفس المرجع
[6]: من كلمة للمندوب السوري الدائم لدى الأمم المتحدة د. بشار الجعفري خلال جلسة لمجلس الأمن حول "الحالة في الشرق الأوسط".. صيف 2015 تلك الجلسة التي تجاهل فيها المنسق الخاص للعملية السلمية في الشرق الأوسط الحديث بكلمة واحدة عن الجولان السوري المحتل... كما ذكّر الجعفري في هذه الجلسة بما قاله نائب رئيس الولايات المتحدة "جو بايدن" من أن "مشكلة الولايات المتحدة في سورية تكمن في رعاية حلفائها في المنطقة للإرهاب في سورية".
[7]: من تقرير إعلامي لرهام فاخوري في موقع JO24
[8]: أنظر نشرة سانا: 7/12/2014 والأخبار اللبنانية: 18 /11/ 2014
01:30
01:37
01:41
01:46
01:46
01:54
02:31
02:34
02:43
16:19
04:05