جهينة نيوز:
... ولأن الفيلم الذي أفلحت الآلة الدعائية الغربية في فرضه على المهرجانات الرسمية منها والشعبية صادف اهتماماً ومتابعة من متخصصين وعامة، واستثمرت دور العرض إشارة هنا أو هناك إلى حذق المصورين، ومهارة السيناريست، ونجومية المخرج، وأضحى الزحام على شباك التذاكر حيناً من الدهر دليلاً على نجاح الفيلم وصانعيه، لأن الأمر كذلك تفكر هذه العصابة المهنية في إعادة إنتاجه، ولا يهم أبداً أن المشاهدين قد حفظوه عن ظهر قلب، فعادة عربية ربما صنعتها أسواق الرفاهية النفطية لا تحول دون إعادة المشاهدة عشرات المرات بل التباري في التنبؤ بالحدث بعد الآخر، ولمَ لا والسيناريو هو هو، ولا تحول مطلقاً اختلافات ملامح الأبطال في كل نسخة من دون متابعة الأحداث بالشغف نفسه، والثقة في الأداء المحكوم بآليات الصناعة الهوليوودية.
هذا ما يمكنك عزيزي القارئ، الذي نراهن على قراءته الناقدة، أن تلحظه للوهلة الأولى، في متابعة فيلم الأسلحة الكيميائية الذي يصر المخرج الهوليوودي به على إعادة مشاهد فيلم أسلحة الدمار الشامل الذي أخرجته الآلة الدعائية الأمريكية (البوشوية البليرية) لإسقاط العراق وسط تصفيق المشاهدين الرسميين ومن تابعهم من عامة الجماهير المصفقة دائماً لـ«جيمس بوند» و«رامبو».
ها هو ذا «ترامب» البطل الهوليوودي الجديد ، في المشهد المكرر، استجلاباً لتصفيق جماهيره المعهودة في دور العرض العربية، يتحدث صفيقاً خشن الروح كراعي بقر في أفلام «الويسترن الأمريكي» عن الأسلحة الكيميائية التي «تستخدمها» الدولة السورية في مواجهة معارضيها، الأمر الذي يدفع البطل الهووليودي إلى القفز على كل الحواجز الأممية، واختراق كل الموانع الأخلاقية، والدوس بحذائه القذر على رقاب القوانين الدولية من أجل إنقاذ «المعارضة» المسكينة التي لا ترفع في وجه النظام غير لافتة بيضاء تطالب بالسلام والحياة الهانئة، وإن كانت الأحداث قد أثبتت أو أشارت إلى أنها مسؤولة عن هذه الأسلحة، فالأمر لا يحتاج إلا إلى إعادة تدوير الفيلم القديم.
ذاكرة السمكة، ذاكرة عربية نواجهها يومياً لدى قيادات سياسية وشعبية وكتّاب من مختلف الاتجاهات، فالتبلد أمام شاشات العرض ومشاهدة الأفلام ذاتها من دون أن نتذكر مآلات الأحداث ونتائج المواقف المؤيدة لبطل الفيلم القاهر، فما حدث مع العراق حدث مع ليبيا، وها هو المخرج ذاته يعتمد السيناريو نفسه وإن استبدل بـ «بوش» و «بلير» «ترامب» و«أولاند» وإن حلّ «أبو الغيط» محل «موسى»، فشباك التذاكر ينتظر إقبالاً لا يقلّ عن سابقه، والمتفرجون سعداء -كالعادة ـ بحفظ الأحداث، وفخاخ البطل النصّاب لإيقاع ضحاياه.
الكارثة الكبرى أن لا أحد من عرب «الأنفاط» أصحاب «التماويل» والإنتاج الرأسمالي في استديوهاتهم الملكية الضخمة يفكر ولو في لحظة مراجعة عابرة في إنتاج مضاد للتراويج الأمريكية الغربية للأكاذيب الممنهجة لخداع المجتمع الدولي المهيأ دائماً للخداع ربما برضاه أو عدمه بفيلم جديد عن أسلحة التضليل الشامل، وكيف أصبحت سلعة رائجة في سوق الإعلام المتواطئ أو المتخاذل بحسابات التمصلح البنكنوتي، فهل نستطيع نحن بإمكاناتنا اجتذاب مشاهدينا بعيداً عن شاشات الكذب هذه بالإصرار على ما نملكه من الإيمان بحقيقة معنى الوطن، واجتناب الوقوع الطوعي في مزالق التآويل المتسرعة، والانجرافات اللامحسوبة وراء ما قد يتسرب من دون وعي حتى في صحفنا ومحطاتنا التلفزيونية من ترديد لهذه الأضاليل، مجرد الترديد؟! هل يمكن أن نتوقف عن إذاعة ونشر أفلام هؤلاء الأجلاف حتى لا تتحول الخرافة بفعل الإلحاح «الميديائي» إلى حقيقة أو ما يختلط على الناس أنه الحقيقة؟
المصدر : مجلة جهينة