جهينة نيوز:
يدرك الجميع أن لقاء الرئيسين السوري بشار الأسد و الروسي فلاديمير بوتين يحمل الكثير من الرسائل القوية و الواضحة لجهة التوقيت و الاستراتيجية ، لقاء حمل الكثير من المعاني و الأهداف التي تؤسس لمرحلة سياسية دقيقة ، كل هذا في سوتشي التي شهدت الاتفاق على المرحلة المقبلة بين الأسد المنتصر و بوتين الحليف القوي .
في تفاصيل الميدان تكمن مفاتيح السياسة و فرض الحلول ، من هنا ما كان يحضر للمنطقة من قبل امريكا و ادواتها أبعد بكثير من تقسيم للمنطقة و اشعال حروب هنا و هناك ، فضلا عن حرب طائفية بين أبناء الوطن الواحد ، فالمشروع الامريكي لسوريا تحديدا و للشرق الاوسط بالعموم كان يحمل من الخطط ما يجعل المنطقة بأبنائها و ثرواتها في خدمة امريكا و اسرائيل لعقود طويلة ، كل ذلك عَبر خلق داعش التي تعتبر العمود الفقري للمخطط الامريكي ، و عَبر داعش أيضا تم رسم خطوط واشنطن الحمراء و التلويح في حال تجاوزها بحرب عسكرية واسعة ، لكن العمود الفقري لواشنطن تم كسره من قبل الجيش السوري و حلفاؤه ، و على هذا الاساس تم رسم جديد لمعالم المنطقة ، و التأسيس لمرحلة ما بعد المشروع الامريكي المهزوم في سوريا ، و تم تتويج انهاء المشروع المرحلي لواشنطن في سوريا بلقاء جمع الاسد و بوتين .
في تفاصيل اللقاء لجهة الاستراتيجية ، فقد تم اسقاط استثمار واشنطن في ظاهرة الارهاب العالمي في المنطقة ، و اسقاط مشروع التقسيم القائم على اساس طائفي و عرقي ، وأيضاً اسقاط مشروع تغيير الحكومة الشرعية في سورية بالقوة ، و الأهم اسقاط مشروع واشنطن بإسقاط الأنظمة التي لا تنصاع لإرادتها بالقوة لتعميم الفوضى الأمريكية في الشرق الأوسط ، كما سقط مشروع تحويل الحرب في سورية الى بؤرة استنزاف لروسيا وسورية والمقاومة اللبنانية وايران والعراق ، فكانت هذه المعطيات السبب في كسر واشنطن ، و من البديهي القول بأن واشنطن بصدد التحضير و التأسيس للمرحلة المقبلة ، عبر خطط جديدة من شأنها و بحسب اعتقادها خلط الاوراق من جديد ، لكن ما نتج عن مخرجات الميدان السوري لناحية الانتصار ، كفيل بأن يتم التعامل مع أي خطط مقبلة تكتبها واشنطن ، لأنه في النهاية سيتم دفنها في الميدان السوري .
إن خروج نتائج الميدان السوري عن المُتوقع، و عن الخطط التي رسمتها واشنطن ، جعل من خياراتها في المنطقة محدودة إلى درجة غياب الدور و التسليم بالأمر الواقع ، فضلا عن شعور أدواتها بالعزلة و القلق المترتب على نتائج الميدان و الانعكاسات في السياسة ، و هذا ما كرسه لقاء الرجلين في سوتشي ، ففي مضامين اللقاء لجهة التوقيت ، فإن هذه الزيارة جاءت في مرحلة جديدة تمر بها المنقطة هي ما بعد نهاية داعش كتنظيم ، و بالتالي العبور إلى مرحلة سياسية أدق ، تقتضي التنسيق الاستراتيجي و السياسي العميق ، و ليتم الإعلان عبر الرسائل التي تلقفتها واشنطن و أدواتها ، أن مروحة الانتصارات تتسارع و تزداد اتساعا ، و بالتالي من سيفرض الحلول هو المنتصر ، و هذا ايضا تم فرضه بدليل صمت كل الأطراف الداعمة للإرهاب في سوريا ، و في هذا الصمت إقرارا بالانتصارات و ضرورة اعادة الحسابات و التوجه من جديد إلى ابواب دمشق ، لأن كل ما كان يحاك للدولة السورية من محاولات اسقاطها و النيل من موقع دمشق التاريخي و السياسي في المنطقة سقط ، و بالتالي كان في لقاء الرجلين إشارة إلى عودة سوريا لأخذ الموقع الاقليمي و الدولي الجديرة به و بقيادة الأسد .
خلاصة القول ، ما جرى في سوتشي هو التأسيس للحل السياسي على ايقاع المنتصرين، وعلى ايقاع انعكاسات الانتصارات الميدانية للجيش السوري و حلفاؤه ، و كل طرح جديد سواء من الدول الغربية او من الأطراف السورية المعارضة لبقاء الدولة السورية بمؤسساتها و بقيادة الأسد ، يجب أن يحظى بموافقة المنتصر ، لأن أسس الحل لن تكون إلا كما يريدها الرابح في هذه الحرب السياسية والعسكرية بآن واحد .