جهينة نيوز:
إن المراقب لسياسية واشنطن و المسار الذي تتبناه تُجاه القضة الفلسطينية خاصة و الشرق الأوسط عامة ، يجد أن هذه السياسية بتفرعاتها منحازة إلى الطرف الاسرائيلي ، هذا التحيز جاء نتيجة عوامل عدة تتعلق بالدور الجيوستراتيجي الذي تتمتع به اسرائيل ، و انطلاقا من هذا المُعطى ، حاولت الولايات المتحدة و بالتشاور مع أدواتها في المنطقة من تشكيل رؤية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية ، عبر صفقة سميت إعلاميا " صفقة القرن " ، و حتى الآن لا يبدو أن هنالك رؤية واضحة عن مضمون و شكل و طريقة التنفيذ ، لكن في مقابل ذلك تسعى واشنطن و أدواتها إلى تهيئة الأرضية المناسبة لإطلاق هذه الصفقة ، هذه الأرضية التي تعمل واشنطن على تنفيذها تعتمد على تطورات الشرق الأوسط ، بالإضافة إلى توحيد الأطر السياسية و الميدانية و المالية لوضع هذه الصفقة في التنفيذ ، لكن دائما ما تفشل واشنطن في خططها و خياراتها ، و رغم ذلك تستمر تداعيات الخطة الامريكية لتنعكس توترات في الشرق الأوسط كاملا .
" مضمون و أهداف الصفقة المزعومة "
يمكننا القول بأن عراب هذه الصفقة هو الجانب السعودي ، حيث أن التقارير المسربة أكدت بأن السعودية هي من أبلغت الفلسطينيين بالمقترحات الأميركية بشأن " صفقة القرن " ، وأن الصفقة تقوم على تصفية القضية الفلسطينية مقابل إنشاء حلف إقليمي ضد إيران تشارك فيه إسرائيل ، و بالتالي ما يمكن استنباطه أن هناك مسارات اتخذتها الإدارة الأمريكية و بتنسيق مع الأطراف المعنية بتنفيذ الصفقة و على رأسهم الرياض و تل أبيب ، و يمكن القول بأن أولى هذه المسارات هي إعلان ترامب أن القدس عاصمة لإسرائيل ، و بالتالي نسف أي مفاوضات مستقبلية تكون برعاية أمريكية ، فضلا عن تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإنهاء عمل وكالة الأونروا ، و هذا حقيقة ما أعلنه جيسون جرينبلات المبعوث الأميركي " لعملية السلام " ، حيث أبلغ القناصل الأوروبيين المعتمدين في القدس أن واشنطن تريد أن تنهي عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين أونروا ، إذ " لا يُعقل أن تظل الوكالة تعمل إلى أبد الدهر " ، معتبراً أن الأجيال الجديدة من اللاجئين ليست لاجئة لأنها ولدت في أرض جديدة. وقال: " ندعم الوكالة، لكن ليس إلى الأبد، نريد تاريخَ نهاية محدداً، ومستعدون للالتزام به ".
و نبقى مع جيسون جرينبلات و الذي أعلن أن الهدف الاساسي الذي تعمل عليه الإدارة الأمريكية هو إقامة تحالف إقليمي يضم العرب و إسرائيل لمقاومة " الخطر الإيراني " و الإرهاب ، فواشنطن تعتبر و أدواتها أن المشكلة الحقيقة في الشرق الأوسط تتمثل في الدور الايراني و ما تشكله من تهديد استراتيجي لأدواتها ، و هنا نَصل إلى سوريا و الحرب المفروضة عليها ، حيث أن إخراج سوريا من دائرة التأثير الإقليمي سيشكل فرصة حقيقة لتنفيذ صفقة القرن و تصفية القضية الفلسطينية ، و البعد الأكثر اهمية في مضمون هذه الصفقة هو تقليم أظافر محور المقاومة و ضرب البينة و الركيزة الاساسية لهذا المحور ، عبر استهداف سوريا الدولة و الدور .
" الانتصار السوري سيساهم في تصفية صفقة القرن "
نتيجة تعاظم قوة محور المقاومة و الحليف الروسي ، إضافة لجملة الانتصارات و اتساع مروحة المنجزات في الميدان السوري لصالح الدولة السورية و حلفاؤها ، فقد قُلبت الموازين بالكامل ، و يمكننا القول بأن الضربة القاضية لمشروع صفقة القرن يتمثل في انهيار أركان العدوان على سوريا ، حيث أن انتصار محور المقاومة في سورية أجهض مشروع تقسيم المنطقة ومنع تركيبها على أساس طائفي ومذهبي، وحال بالتالي دون تمرير أي من مشاريع التصفية لقضية فلسطين ، بمعنى أوضح ، الحرب على سوريا لم تكن موجهة للقضاء على الدور السوري المؤثر اقليميا و الداعم لحركات المقاومة فحسب ، بل إن التسلل إلى سوريا عبر الارهاب الدولي و الإقليمي سيسمح بإنهاء منظومة المقاومة و تحييد الدور الروسي في المنطقة ، و بالتالي فرض الخيارات و الرؤى الأمريكية الاسرائيلية حيال صفقة القرن .
" في الخلاصة .. "
يمكننا القول بأن المطلوب الأن تعزيز الثقة بانتصار محور المقاومة ، لنتمكن من تفعيل هذا الانتصار و وضعة في مساره الصحيح ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أدوات واشنطن في المنطقة لا تزال تحاول العبث بمستقبل هذه الأمة ، و تنفيذ المستقبل الأمريكي المرسوم بعناية و دقة لتقسيم الشرق الأوسط ، لكن و انطلاقا مما تحقق ، نعتقد بأن الأمريكي سيعيد حساباته بشأن صفقة القرن ، خاصة مع فشل المشروع الأمريكي في سوريا ، و القادم من الأيام سيكون جوابا لهذا الاعتقاد .