جهينة نيوز
"التاريخ يكرر نفسه أو لا يكرر نفسه"، هو الخلاف والتضاد بين توكيدوس وابن خلدون، ولعنا اليوم بصدد الإنحياز إلى أحدهما دون الاّخر، بعد العودة إلى قصة الحماقة التي بدأت قبل قرنٍ كامل واستمرت حلما ً وحُرقة ً مخفية في عقل ونوايا "السلطان" إلى أن عاد به الزمان إلى نفس المكان.
ثمان سنوات من العدوان والإحتلال والتآمر والإرهاب، والوقاحة ووعيد "السلطان" بدخول البلاد وإمامة العباد في أهم وأقدم مساجد حلب والعالم، سنواتٌ تلوّن فيها الواهم-الحالم "رجب طيب أردوغان"، بألوان البلطجي، السارق، المحتل، الداعم الرئيس والمشغل للإرهاب والإرهابيين، الضامن للحل ولوقف إطلاق النار.... أدوارٌ وتجليات عديدة ولعبٌ على جميع الحبال، فيقترب من موسكو ويبتعد عنها، يمتدح ترامب ويجافيه ويعاديه، يدافع عن وحدة سورية ويحتل الشمال السوري ومحافظة إدلب!.
وحضر القمة الثلاثية في طهران حيث رُفضت الهدنة، فطالب بقمةٍ ثنائية مع بوتين، فاجئت العالم بولادة الإتفاق حيال إدلب وبوقف الهجوم عليها وبمنحه وكالةَ عزل إرهابييها عن "معتدليها"، وأُتفق على إقامة المنطقة العازلة – مطلبه الدائم -، ثم عاد ليطلب لقاءا ً ثلاثيا ًعاجلا ًعلى هامش اجتماعات نيورك، وهو مرتبك وخائف ويقول "ليس عدلا ً أن أقف وحدي".. وبدا كمن واجه ذئبا ً أو ثعبانا ً في غرفة!، مالذي حدث وجعله يطلب النجدة وربما الإسعاف. !! هيا بنا نستطلع ماذا يجري ونرى الثعبان الذي أخاف "السلطان".
ففي قمة طهران قدم رئيس النظام التركي نفسه ممثلا ًعن كل من النتظيمات الإرهابية والسيد الأمريكي والدول الأوروبية التي تقاتل غالبا ً من وراء الستار، وذلك عندما دعا إلى وقف إطلاق النار في إدلب , محذرًا من أن يؤدي هجوم قوات الدولة السورية على الإرهابيين هناك إلى "مذبحة", بما سيدفع بموجة نزوحٍ جديدة نحو الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا , وأزعجه – بالوكالة - كلام الرئيس روحاني عن إقتراب معارك الشرق السوري ما بعد إنتهاء معركة إدلب , بما يشي بإقتراب إحراج القوات الأمريكية وإجبارها على الخروج من سورية...
لكنه استفاد من تأكيد إيران بعدم مشاركتها في معركة إدلب , فطالب بعقد قمة ثنائية مع الرئيس بوتين , مستفيدا ً من تقاربه معه ومع الدولة الروسية , سعى فيها لإقناع زعيمها بمخاطر عملية الهجوم على إدلب من جهة , ومن جهةٍ أخرى بما يتعلق بالدور التركي الضامن والأهم بالتداعيات الخطيرة والمتوقع حدوثها في الداخل التركي المنقسم والمحتقن بفعل السياسات الاقتصادية والقمعية ومحاصرة الحريات , وإرتفاع أصوات أحزاب المعارضة الداعية للحوار مع سورية ووقف التدخل السافر في شؤونها , وإلى رحيل أردوغان, ناهيك عن أعداد الإرهابيين اللذين تعج بهم المدن التركية واللذين يتجولون بأسلحتهم وبكامل حريتهم في أماكن عديدة, من الواضح أن أردوغان يلعب على حافة الهاوية بين أحلامه وأطماعه بالحفاظ على تقدم مشروعه الذي يعتمد على حماية الإرهابيين وتموضعهم على الأرض, وما بين إنفجار الوضع في تركيا.
أمورٌ كثيرة دفعته لتقديم التنازلات، لكن يبقى أهمها الهمس الأمريكي ليس لإطالة مدة الشد والجذب حيال بدء معركة إدلب , بل بما يليها وهو الأهم أمريكيا ً, فكان همسٌ خفي لضمان وقف إطلاق النار في إدلب بدايةً "ومن ثم التأسيس لوقفٍ كاملٍ لإطلاق النار في سورية والتركيز على الحل السياسي" – بحسب الوزير جاويش أوغلو-, بما يشبه تجميد الوضع وإحالته برمته إلى الحل السياسي , وبما يضمن للأمريكيين مدة ً مفتوحة يمكنهم المراهنة عليها لإستمرار تواجدهم في سورية دون منغصات, وكم كان تمويها ًغبيا ً وفاشلا ً ذاك الذي قام به الرئيس ترامب حينما أكد أن "صمود الإتفاق يساعد على سرعة مغادرة قواته لسورية"... كلها أمورٌ وجد فيها بوتين مصالح حقيقية للدور الروسي وللدولة السورية وللمدنيين السوريين في إدلب وللحل السياسي وإنهاء الحرب على سورية , فكانت المفاجئة في إعلانه الموافقة على بنود الاتفاق التي أحكم الجانب الروسي حبكها واصطيادها.
ومما يؤكد هذه القناعة، التعهدات التركية التي قدمها أردوغان إلى الرئيس بوتين، بحسب نص الإتفاق والتي تتعارض مع مصلحة المشروع الأردوغاني العصملي، الذي سيفقد من فرصه بمجرد محاولة عزل النصرة ومن يتبعها , وإخراج كافة المسلحين من المنطقة – منزوعة السلاح –بما فيها الجيش الحر، والسماح لدخول مؤسسات الدولة إليها, الأمر الذي سيخرج هذه الجغرافيا من حسابات الميدان ويحيلها مباشرة إلى كنف الدولة بغياب السلاح الإرهابي , فالناس ضاقت ذرعا ً بالإرهاب وتتوق لعودة مناطقها إلى حضن الوطن.
وما بين الأوامر الأمريكية والموافقة الروسية، بدا أردوغان سعيدا ً بما حققه تلك الليلة، واعتقد أنه أوقع بوتين بالفخ، فإدلب ملعبه واستخباراته تهيمن على كل شيء، والمخطط التقسيمي أصبح جاهزا ً, ومهلة الاتفاق سيتم خرقها وتمديدها وألاعيب السياسة ودهاليزها كثيرة ,... لكنه وجد نفسه في ورطة بعد إحتفالية منعه معركة إدلب, واستعراض عضلاته أمام بعض الأغبياء والخونة , واحتاج إلى 24 ساعة ليعرف مدى تورطه في الاتفاق الذي بدا بمثابة هدية قدمها الروس للجيش والدولة والشعب السوري.
لكن شيئا ً ما حدث فجأةً ولم يكن بالحسبان , فقد وقعت حادثة إسقاط الطائرة الروسية أثناء العدوان الإسرائيلي على بعض الأهداف في مدينة اللاذقية , ووجهت موسكو اللوم والمسؤولية إلى قادة سلاح الجو الإسرائيلي , وتوترت العلاقات بينهما, وأعادت الذاكرة أردوغان لذاك الغضب الروسي يوم إسقاط تركيا المقاتلة الروسية , فقد رأى يومها النار تتطاير من أعين بوتين , وعرف أنه سيكون الضحية لتأديب إسرائيل وواشنطن إن أخلّ بإتفاق إدلب هذا من جهة , ومن جهةٍ أخرى أراد أن يشاركه أسياده في واشنطن ودول الناتو الحمل الثقيل , فالساحة تعج بأجهزة الإستخبارات , في وقتٍ تبدو فيه الفصائل المسلحة بمتناول الجميع ومن يدفع وليس كما كان يعتقد , بأن الساحة الأدلبية ملكه وحده , خصوصا ً مع بدء ملامح مرحلة تصفياتٍ إرهابية – إرهابية قد تحرق الحلم الأردوغاني وإلى الأبد , وعرف أنه قد أوقع نفسه وسط مستنقعٍ بمحاصرة إيران وروسيا , فالمهلة قصيرة والفصائل غدارة وولاءاتها غير محدودة وقد تحمل له المفاجئات , خصوصا ً بعدما اكتشف في شوارع إدلب وجود الإستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية والبريطانية والسعودية والإماراتية والتي اعتقد أنهم غادروا الساحة بعد هزيمتهم في حلب والقابون والغوطة وأماكن أخرى , فأراد إيصال الرسالة وبنفس الإسلوب وأن يكون اللعب على المكشوف , فأصدر بخبثٍ قائمةً أعدتها الإستخبارات التركية وتضم 400 شخص في إدلب وقد ثبت ضلوعهم في أعمال إرهابية - بحسب صحيفة يني شفق التركية -, وادعت أنهم ينتمون إلى المخابرات السورية وتنظيمي “ب ك ك” و”داعش”, وأغفل عن عمد ذكر المقصودين الحقيقيين بالرسالة, وسارع للجوء مجددا ً إلى إيران وروسيا , وأراد أن يتقاسم مع الأمريكان وشركائه الأطلسيين والخليجيين الفاتورة , فطالب بعقد قمة ثلاثية في نيورك على هامش إجتماعات الجمعية العمومية ... ياله من مشهد فأرودغان في ورطة ويطلب النجدة ة وربما سيحتاج الإسعاف !, إذ قال المتحدث باسم الرئاسة التركية : أنه "ليس من العدل أن تتحمل تركيا عبئ إدلب ومحاربة الإرهاب وحدها"... مع وجود 3 ملايين مدني في إدلب وتواجد منظمات وفصائل إرهابية لا يعلم بها سوى الله تعالى , مع إجتمالية أن تضطر القوات التركية للتصادم والمواجهة معها,,, خصوصا ً مع وجود الغرباء اللذين لا تنوي الدول إعادتهم , وعليه تجد تركيا صعوبة ومرارة ً في تطبيق ما تعهدت به , مع انحسار مساحة المرواغة التي طالما راهن عليها "السلطان"...