جهينة نيوز
مفاوضات عديدة فرضتها واشنطن خلال السنوات الثمان للحرب على سوريا، إن كان في مفاوضات جنيف أو في مفاوضات أستانا وسوتشي، ومع الجهود المبذولة من القيادة السورية والحلفاء روسيا وإيران، ورغم المحاولات العديدة من ما يُسمى بالمعارضة السورية، لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم ومصالحهم، فقد كان خيارهم خاطئ ليسبحوا عكس التيار، و ما حدث خلال هذه السنوات جعل من واشنطن تعيد ترتيب اولوياتها في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا، فتجربة العراق وأفغانستان لم تزل شاهدا على الهزيمة التي تكبدوها.
إعلان الرئيس ترامب تغيير استراتيجيته في المنطقة في خطاب أمام إدارته في وقت سابق، تتمحور حول ان حماية الأراضي الأمريكية من تهديدات أسلحة الدمار الشامل ومن الايديولوجيات المتطرفة والأنظمة المعادية، وهذا ما يفسر إلحاحه لبناء الجدار الإسمنتي عند الحدود مع المكسيك ونشر أنظمة دفاع صاروخي متطورة، و الكل يعلم بأن ترامب كان تاجرا قبل ان يتولى الرئاسة، فمسألة الازدهار الاقتصادي الاميركي تحظى بالأهمية الكبرى، خاصة وأن نظرية القطب الأوحد قد أزهقت مع وجود روسيا والصين، فالقلق من ازدهار الاقتصاد الصيني يحتم تعزيز الاقتصاد الامريكي، بما يعيد لها موقعها القيادي في سوق الاقتصاد العالمي مع التنامي السريع للتكنلوجيا الصينية.
سياسة ترامب الجديدة تقتضي تحقيق "السلام عبر القوة" ، فالشبح الإيراني وانظمتها الصاروخية النووية والعسكرية تشكل مصدر قلق لواشنطن، ناهيك عن الترسانة العسكرية لكوريا الشمالية، بالإضافة إلى القطب الروسي، فالتنافس في ظل الفضاء السيبيري يزيد حدة المنافسة، لذلك لابد من زيادة النفوذ الامريكي دوليا عبر شركائها الإقليميين في المنطقة العربية، ليكونوا صوتها في اتخاذ مواقف اكثر حزما، عبر فرض رؤاها التي تخدع بها أتباعها تحت شعارات الديمقراطية والحرية لعيش أفضل.
تغيير الاستراتيجية الامريكية لا تعني أنها ستتخلى عن إسرائيل، ولكن التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم، ناهيك عن تغير العهود للحكام، فالنظريات تتغير بحسب ما يرتضيه الواقع الديموغرافي، لذلك نجد خلال الحرب السورية قد انكشفت كثير من التحركات العربية، لم تكن لتعلن لولا الوهم الامريكي بتقديم الدعم، و وصول بعض الحكام إلى مستوى لا يليق بهم في التعاطي مع المسالة السورية، لذلك ستعمد على تعزيز العلاقات الإسرائيلية العربية قدر استطاعتها، وهذا ما شهدناه في الإمارات وسلطنة عمان وقطر والاردن ومصر، باعتبارهم شركاء اقليميين.
عسكريا اراد ترامب تعزيز قواعده في المنطقة ليأمن حماية اسرائيل، ومقولة انسحابه من سوريا هو حتمي لان واشنطن هزمت في سوريا ومسالة تواجد لقواعد أجنبية على الأرض السورية غير مقبول، بالتالي و ضمن ما سبق من معطيات نجد أن الاستراتيجية الأمريكية المتجددة، تتخذ من سوريا منطلقا لتعميم الكثير من النظريات الأمريكية، من روسيا إلى الصين و إيران، مرورا بقضايا الدرع الصاروخية و الأمن السيبراني، و وصولا لقضايا الاقتصاد و أمريكا أولا، كل هذا يجعل من ترامب يبحث عن استراتيجية تمكنه من خلط أوراق العالم بأسره، و بالتالي فإن مسألة انسحابه من سوريا، ما هي إلا استراتيجية يُراد منها الالتفاف و تحجيم مفاعيل الانتصار السوري، لأن ترامب يدرك تماما بأن انتصار الدولة السورية و جيشها، سيكون مؤسسا لنظام اقليمي و دولي جديد، و مدمرا لنظرية القطب الواحد، و ها هي سوريا، تسير قدما في طريق الانتصار، و مسألة إعلان انتصارها، بات قريبا، و الأيام ستشهد.
03:50