المناهج التربوية وديمقراطية التطوير والتصويت... إنتخبوا مناهجكم المفضّلة!

الأحد, 10 آذار 2019 الساعة 19:32 | تقارير خاصة, خاص جهينة نيوز

المناهج التربوية وديمقراطية التطوير والتصويت...  إنتخبوا مناهجكم المفضّلة!

جهينة نيوز- خاص

في مطلع عام 2013 تم تأسيس مركز تطوير المناهج السورية، وفي السنوات التي تلت تأسيسه كانت عمليات عدة وُصفت بالتربوية والعلمية، تجري بالتنسيق مع منظمة اليونسكو لتطوير العملية التعليمية والتربوية في سوريا إبان الحرب التي ما زالت مستمرّة...وما أن حل عام 2017 حتى كان مركز تطوير المناهج قد قام بتغيير قرابة خمسين كتاباً مدرسياً، أثارت ضجة هائلة بين أوساط الشعب ووسائل الاعلام السورية، فقررت وزارة التربية آنذاك تشكيل لجنة خاصة لدراسة الملاحظات والمقترحات الواردة إلى الوزارة من قبل المواطنين حول المناهج المطورة.

وكانت مهمة اللجنة دراسة تلك الملاحظات والمقترحات واتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوصها، فرأينا قراراً باستبدال قصيدة منشورة في كتاب التربية الموسيقية للصف الأول، وقراراً باستبدال خريطة لسوريا منشورة في كتاب مادة علم الأحياء والبيئة للصف الأول الثانوي، وذلك لحذفها الجولان ولواء اسكندرون المحتلين.

وكانت اعتراضاتٌ لمواطنين قد أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص ظهور صور على الكتب المدرسية اعتبروها مخيفة ومثيرة للرعب ومفبركة، مثل صورة ملك مدينة ماري الموجودة على غلاف كتاب التاريخ لطلاب الأول الثانوي، بينما دافع وزير التربية آنذاك عن الصورة، معتبراً أن "على كل مواطن أن يعرف تاريخ بلده".

إلا أن الأمر لم يقف عند الصور والأغلفة، بل طال تلك المناهج من خلال ما عكسته من تخبُّطٍ وسوء تصرُّف وأداء وأخطاء استراتيجية بلغت حد التضليل المعرفي وحرف البوصلة الوطنية نحو اتجاهات غامضة، بما يمثّل حالات فساد غير موصوف يعكس -وينوِّه إلى - وجود منظومة إدارية وعلمية حكومية لا تراعي ثوابت الوطن السوري وما تعرّض ويتعرّض له من أخطار وخسائر زادتها أخطاء العمل الحكومي فداحةً، الأمر الذي نوّهنا إليه بالتفصيل في مجلة جهينة وموقع جهينة نيوز، حيث تحدثنا عن إساءات لمفهوم الوطن والهوية في المناهج الجديدة، كما ألقينا الضوء على الحملات الإعلانية التربوية المدرسية ذات الصلة، والتي خلقت هُوَّة بين أبناء البيئة السورية الواحدة، بالإضافة إلى حديثنا عن عدم جدوى وصول الموضوع إلى مجلس الشعب آنذاك، والذي لم يرَ في المناهج مشكلة، لذا لم يقدّم حلاً لما أثير حولها...وكذلك فعل بعض الاعلاميين المتأرجحين حين اتبع أسلوب اللفلفة مع التربية وعدم الخوض بما هو هام...

وبكل الأحوال فالخطأ مستمر حتى تاريخه، بالرغم من محاولات المعنيين غض نظر الآخرين عن وجود أخطاء، وذلك بالأسلوب الذي اتّبعوه، والمتلخّص في تحويل موضوع المناهج الجديدة إلى ما يشبه الحدث الانتخابي في دوائر الاقتراع والتصويت، ولكن ذات التحكُّم المسبق، فكل يوم نرى على موقع مركز تطوير المناهج إعلاناً بنشر مسودة كتاب مدرسي جديد مطروحة للتصويت الجماهيري وآراء القراء...!...فتعج فضاءات التعليق بما هب ودب من التعليقات التي يقول مدير المركز إنه يحوّلها إلى "لجان مختصة"، بما يعني فرض سياسته التطويرية، ذلك أن "اللجان المختصة" ليست إلا لجاناً لتثبيت ما يذهب إليه مدير المركز...وهذا بات معروفاً ومألوفاً، فاللجان شبه ثابتة وتعتمد على شخصيات معينة، ولا يمكن قبول ملاحظات خارجة عن نطاق تلك اللجان، حتى ولو كانت الملاحظات ذات مستوى استراتيجي، فأين المتخصصون من خارج دائرة فريق مركز الوزارة، وكيف يستقبلهم مدير مركز التطوير؟!...

وقد دعم الإعلام الموازي –مع الأسف-هذا التوجه، فقبل أيام بثت قناة سما المحلية حلقةً استضافت مجموعة من الموجهين والمدرّسين وأولياء الأمور والطلاب على أساس أن تصبح الأمور "شورى" بينهم، كما أعلن مذيع الحلقة الذي اقترح التصويت على المناهج، وخاصةً بين أولياء الأمور والطلاب...!...ولعل ذلك من المضحك المبكي المحسوب على وزارة تربية تنتمي إلى دولة مؤسسات...ذلك أنه من غير المنطقي أن يقوم جمهور من غير المتخصصين بمقارنة المناهج الجديدة بمعايير المناهج الوطنية السورية أو المعايير العالمية من حيث علميتها وأكاديميتها...!

هذا ويُعَدّ تأهيل كوادر التدريس في المدارس الحكومية وتدريبها على استخدام المناهج الجديدة من مسؤوليات وزارة التربية، لكن مدير مركز تطوير المناهج، كان قد صرّح سابقاً أن المركز أراد "أن يكون المنهاج تفاعلياً وأن نخرج من موضوع التلقين، لذلك قمنا بإلغاء دليل المعلم ودربنا مئات المعلمين خلال الصيف على المنهاج الجديد وطرق تدريسه بحيث يصبح التعليم أكثر فعالية"...فأين وزارة التربية ومهامها المنصوص عليها في القانون؟ وهل يكفي "التكرُّم" بتدريب "مئات المعلمين" فقط؟ وهل يمكن القبول بإلغاء دليل المعلم؟...هل هنالك بلد في العالم يلغي دليل المعلم في مدارسه؟

أما قدرة المدارس السورية على تطبيق المناهج الجديدة، فهل تمت بخصوصها مراعاة الوقت اللازم المطلوب لإتمام المقرر التعليمي، مع اكتظاظ الصفوف بالتلاميذ وضعف قدرة معظم المعلمين على استيعاب المطلوب من المناهج ليمكّنوا تلاميذهم من استيعابه؟ وهل جُهّزت هذه المدارس بالتقنيات اللازمة من وسائل إيضاح ومختبرات لتطبيق الجوانب العملية من المناهج الجديدة؟

إن العملية التعليمية والتربوية برمّتها في سوريا تحتاج إلى عملية إصلاح، يأخذ بعين الاعتبار الوضع الإداري والعلمي في وزارة التربية ومراجعة قوائم مختصيها وإمكانياتهم المتوفرة، بالإضافة إلى الحالة الفنية العامة للمدارس ومؤهلات كوادر التدريس وأهليتهم في مختلف المواد، إلى جانب النظام التعليمي التربوي والمناهج...

وختاماً نعتقد أن الوقت الذي أُثيرت فيه عدة أسئلة وملاحظات عبر قرابة ستّ سنوات مضت على تأسيس مركز تطوير المناهج، كان يكفي ويزيد لإعادة النظر بجدوى هذا المركز، والعودة إلى نموذج نظام وزارة التربية القديم الذي تكلل بنجاحات سابقة مشهود لها عربياً ودولياً عبر عقود مضت، مع معالجة الخلل الجديد الناجم عن عدم القدرة على استثمار المختصين والكفاءات، ومع ملاحظة أنه لم يسبق أن أثارت العملية التربوية والتعليمية في سوريا كل هذا الرفض والاعتراض قبل تأسيس مركز تطوير المناهج.


أخبار ذات صلة


أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا