جهينة نيوز-خاص
ضمن فقرة حملت عنوان ("أردوغان" ووديعة "ملي ميساك"، درعٌ للفرات" و"درعٌ لدجلة"!!)، وذلك في المقالة التي نشرناها بتاريخ 20/10/2016 على الرابط: http://www.jpnews-sy.com/ar/news.php?id=111030 بعنوان: (العراق يقاتل وتركيا تستقتل... من سيرفع إشارة النصر في الموصل؟!)...كنا قد أشرنا إلى أن رجب طيب أردوغان قد صرّح بتاريخ 13 أيلول 2016-خلال ندوة في اسطنبول- بأن "العراق بحاجة إلى عمل عسكري مشابه لـ"درع الفرات"، فحل مشكلة الموصل –حسب رأيه- يمر من خلال الإصغاء إلى منطق تركيا، ونحن نفكر في إطلاق عملية مماثلة في العراق، ونطلب من كافة القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم لفكرتنا"، فالمسألة –والكلام لأردوغان آنذاك-لم تعد متعلقة بسورية والعراق، بل أصبحت مسألة بقاء للمنطقة برمتها، ولذا فإن تركيا اتخذت قراراً بزيادة فعاليتها ووجودها بشكل أكبر في الميدان"...
وبالفعل فقد أصرّ أردوغان على المشاركة في معارك الموصل ضد تنظيم داعش الذي احتل المدينة في حزيران 2014، ذلك الإصرار الذي أثار جدل السياسيين والمراقبين حينها، وكشف بعض خفاياه ما تداولته صحف ومواقع مقرّبة من أردوغان تستنهض الماضي العثماني في مخيلة الأتراك الأتاتوركيين والأصوليين على حد سواء، بنبش وديعة للبرلمان العثماني منذ عام 1920 سُميت بالقسم الوطني (ملي ميساك) وهي عبارة عن "ميثاق" تركي محلي غير شرعي لأنه وليد احتلال سابق لأراضي الغير، يدّعي أن أراضي كركوك والموصل وأربيل واسكندرون وحلب وإدلب والحسكة وأجزاء من بلغاريا وأرمينيا هي أجزاء من تركيا!...
وكان البرلمان العثماني قد انعقد قبل حله عام 1920، بعد الحرب العالمية الأولى واستسلام تركيا، وأصدر خريطة ميثاق "ملي" التي تتضمن المناطق المذكورة لما يعتبره "الحدود القومية لتركيا"...
وكما نلاحظ، يبدو الميثاقٌ وكأنه استدراج عروض تاريخي لاحتلالٍ جديد، فلدى اختباره استناداً إلى علم الوثائق التاريخية، وجدناه -وبكل بساطة- خارجاً عن المنطق التاريخي والواقع الراهن، لأنه يندرج ضمن مذكرات الشعوب لا أكثر...
دروس الجغرافيا التركية الجديدة، لمن؟!
كانت مواقع إعلامية مدعومة من قبل الحكومة التركية قد نفت –بعذر أقبح من ذنب- ما تداولته مواقع إخبارية وصفحات تواصل اجتماعي مؤخراً، حول أن خريطة "الميثاق" تُدَرَّس في المناهج المدرسية التركية، وبررته بالقول إن الصورة التي تظهر فيها خريطة تشمل تركيا الحديثة، بمناطق من شمال سورية والعراقداخلها، هي صورة لخريطة منشورة في كتاب مساعد في الصف الثامن فقط، وغير صادر عن وزارة التربية التركية...!...وبالتالي فعلينا التوجّه بالسؤال إلى الخارجية والاعلام التركيين: لماذا تنتشر الخريطة انتشار النار في الهشيم في هذا الوقت؟ وهل إحاطة العالم علماً بالخريطة جزء من مساعدة طلاب الصف الثامن في دروس "الجيوتاريخ" التركي؟! وللإشارة، ففي اليوم الأول لمعارك الموصل قبل ثلاثة أعوام، نشرت صحيفة "ديليليش" التركية المقربة من أردوغان خريطة للدولة التركية وفيها الموصل وحلب وعدد أخر من المدن السورية والعراقية ضمن الأراضي التركية مع عنوان "هل هذه الأراضي مقتطعة من تركيا؟"...وقد ضمت الخريطة المزعومة مذكرةً بالقسم الوطني سابق الذكر (ملي ميساك)، كما تزامن نشر هذه الخريطة الجديدة مع حديث الرئيس رجب طيب أردوغان عن ضرورة تعديل اتفاقية لوزان1923، التي جرى التوصل اليها بين مصطفى كمال اتاتورك والدول الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى بهزيمة دول المحور، وتضمنت الامبراطورية العثمانية ووضع حدود تركيا الحالية...أما أردوغان فتحدث عن "العقد الوطني" الذي يكرس القومية التركية، ووصف تخلي أتاتورك عن الموصل وحلب بالأمر "غير الواقعي، وانما خيانة وطنية لهذا العقد، وللشعب التركي"...فهل استوعب طلاب الصف الثامن الأتراك –ومعهم العالم- خريطة "ملي ميساك"؟!
مع أردوغان، قرناً إلى الوراء دُر، وقرناً إلى الأمام سر!
وبالطبع فإذا أراد أردوغان تفعيل ميثاق برلمانه العثماني القديم بخريطته حالياً، فليس استناداً إلى أحقيّته التاريخية -وهي باطلة- أو إلزاميته -وهي مزعومة-، ولا لقيمته التاريخية المحلية مهما بلغت، وليس لزيادة استيعاب طلاب الصف الثامن... وإنما استناداً إلى مخطط مرسوم حديثاً تعمّق واضعوه في أحداث الماضي وقاموا بعملية إسقاط دقيقة لمراحل تاريخية قديمة في المنطقة على وضع جديد متصوَّر يصبون إليه مع رصد لكل التناقضات المطلوبة وتفعيلها...وما يبدو في تصرفات الحكومة التركية، فهو أنها تريد العودة بعقارب الساعة قرناً إلى الوراء ليسير العالم معها ومع أحلامها قرناً إلى الأمام!
بين اتفاقية لوزان 1923 وقمة أنقرة 2019، "صفقة قرن" الامبراطورية العثمانية!
أما المراقبون لكل الحراك التركي قبل ثماني سنوات على الأقل، فيجدون أنه تحضير لمرحلة ما بعد مرور مئة عام على اتفاقية لوزان 1923 التي يرى أردوغان نهايتها الوشيكة عام 2023، بحيث يعمل الآن على تسخين مناطق خريطة "ملي ميساك" أكثر، وذلك باستثمار أنفاس ثلاثة ملايين مهجّر سوري وغيرهم، من أجل مطالبتهم باستفتاء حول الانضمام الى تركيا، يحاكي استفتاء الاستعمار الفرنسي (الخديعة) بخصوص لواء اسكندرون عام 1939، ومن ثم اغتصاب ما يستطيع من تلك المناطق... [تابع أحدث مقالاتنا في هذا الموضوع على الرابط: https://www.jpnews-sy.com/ar/news.php?id=169785 (الجزيرة السورية بين "كاهانا" وجيوش الغرب..."نكبة" سوريا على أيدي انفصاليي الأكراد) وعلى الرابط https://www.jpnews-sy.com/ar/news.php?id=171217 (سوريا بين الاستعمار التركي الجديد ودويلة "قسد"... حرب التحرير لم تنتهِ بعد)...]
وكما نعرف، فمنذ عام 2015 تحاول تركيا/أردوغان إنشاء منطقة عازلة (آمنة) على الحدود السورية في الوقت الذي يتظاهر فيه بحربٍ على الانفصاليين الأكراد من أجل حصولهم (الدولي الأوتوماتيكي) على دويلة داخل سورية... كما أن الإرهاب استمر عابراً للحدود التركية باتجاه سورية، بل ما انفكّ مقيماً على أراضيها ببطاقات إقامة مروّسة بأسماء الألوية "الجهادية" المنتمية إلى ما سُمي بـ"النصرة" و"الجيش الحر"، الذي حَرَّر باسمه في آب 2016 أخبار عملية "درع الفرات" المدعومة تركياً، والتي رأى فيها الجانب الروسي –المُطالب في قمة أنقرة/أيلول 2019 بوحدة الأراضي السورية- "معقولة وعادلة"... فمنذ إسقاط الأتراك للمقاتلة الروسية في 24/11/2015، يبدو أن الزعيمين المختلفيْن سياسياً وعقائدياً –بوتين وأردوغان- قد سئما الموازنة بين خلافهما الطارئ في الجو وتفاهمهما الملحّ على الأرض... ففي الجو قضى قائد السوخوي نحبه وأجريت له مراسم دفن مهيبة خلال يوم، بينما ما تمّ إلغاؤه من تفاهمات بين الروس والأتراك على الأرض، لم يجد حتى من يقيم له مراسم عزاء شكلي توحي بثأرٍ للطيار الشهيد، أو تكريسٍ للغرض الروسي في سورية، ألا وهو وضع حد للإرهاب العابر للحدود التركية إلى سورية وانكفاء موجة تتريك أجزاء من الشمال السوري مع قاطنيها، بعد معمودية الدم العثماني التي مرّ بها بعض مطلقي نيران "الحرية" هناك على جسد سورية الأم...لكن تتريك أجزاء من الشمال السوري استمر ضمن عمليات تركية خالصة الوفاء والولاء للسلطنة العثمانية الاستعمارية القديمة، مع الأسف الشديد.
فخّ "أنقرة" ومصيدة "لوزان":
وختاماً، فلئن شدّد البيان الختامي المشترك لقمة أنقرة الثلاثية التركية الإيرانية الروسية في 16/9/2019، على سيادة سورية، واستقلالها، ووحدتها، وسلامة أراضيها، إلى جانب تشديده على الالتزام القوي بمبادئ الأمم المتحدة، إلا أن سورية في ضوء تواجد القوى الثلاث -بأهدافها على الأرض السورية، وضمن قمم الحل السياسي لأزمتها- ما زالت تحتاج إلى تعريف جديد، لا سيما وأن القوى الحاضرة الغائبة عن قمة أنقرة الأخيرة –أي الأميركيين وحلفاءهم وأدواتهم- ما زالت فاعلة على الأرض بأجنداتها...فبيان "أنقرة" –كقمة ستتلوها قمم- أكّد على "ضرورة التصدي للأجندات الانفصالية التي تهدف لإضعاف سيادة سورية وسلامة أراضيها، وتهدد الأمن القومي لدول الجوار"، ولعل ذلك يلخّص هدف أردوغان من استضافة الروس والإيرانيين في عاصمته، بما يعني أنه وضعهم في صورة تحضيراته لبلوغ اتفاقية لوزان عمر القرن من الزمان.
19:07
19:10
19:13
19:18
19:19
19:25
19:31
19:35
19:48
08:10