جهينة نيوز:
إن التلاعب بالقوانين والتهرب من تنفيذها موجود منذ وجودها في قديم الزمان , هذا ينطبق على التهرب الضريبي فهو يعتبر من المشاكل الكبيرة والمستعصية في كل دول العالم ولو بنسب متفاوتة , ويعتبر الالتزام بالقوانين والأنظمة بشكل عام , و بالنظام الضريبي بشكل خاص مرتبط إلى حد كبير بقدرة الدولة على تنفيذ القانون وتحقيق العدالة , ففي حين تعتبره أكثر الدول المتقدمة جريمة تستوجب السجن والغرامة المالية المضاعفة , يتم في دول أخرى التعامل معه بشيء من التسامح ويمكن المصالحة على الغرامات المتوجبة على المتهرب ضريبيا, مما لاشك فيه ,أن أبسط تأثيراته ستكون على تحقيق العدالة والتأثير على المنافسة بين اللاعبين الاقتصاديين والقدرة المالية للدولة بما فيها تقليل حجم الإيرادات العامة , وبالتالي عدم إمكانية تمويل مشاريع البنية التحتية , وتقديم الخدمات التعليمية والصحية وغيرها .
في سورية , موضوع التهرب الضريبي قديم جدا ... ويثار هذا الموضوع من قبل الصحافة وشخصيات عامة وخبراء اقتصاديون , وفي كل المرات , يجري تحميل مراقب الدخل بشكل خاص والإدارة الضريبية المسؤولية عن ذلك, وحديثا تحدث عنه وزير المالية الحالي واصفا مساعدة المراقب الضريبي للمكلف بــ " العلاقات غير السليمة" , كذلك الوزراء السابقون ذكروه مرارا وتوعدوا بمكافحته وتم تقدير حجم التهرب الضريبي بمبالغ تصل إلى مئات المليارات من الليرات السورية , بل حولوا معالجة موضوع الفساد في الإدارة الضريبية بأكثر من طريقة , منها الغاء بعض الضرائب النوعية , مثل ضريبة التركات ورسوم المغتربين , واستبدال التقدير للضريبة بنسبة معينة ( تعتبر سلفة على الضريبة ) كما هي الحال في العقود مع الجهات الحكومية والمستوردات , في هذا السياق , ثمة أسئلة كثيرة تطرح ومنها :
1.هل أدت تلك التعديلات في تقاضي نسبة مسبقة كسلفة .... إلى تخفيف التهرب الضريبي ؟؟
2.هل يعتبر التهرب الضريبي جزءا من الفساد المنتشر في وزارات الدولة مؤسساتها ؟؟؟
3.هل تعتبر إدانة واتهام مراقب الدخل والإدارة الضريبية مجدية في مكافحة التهرب الضريبي ؟؟؟؟
4.وهل القوانين الحالية تعكس مفهوم العدالة الضريبية ؟؟؟
5.ما هو حجم التهرب الضريبي وتأثيره السلبي على ايرادات الخزينة العامة للدولة ؟؟؟
6.هل يؤدي تطبيق تكنولوجيا المعلومات إلى الحد من التهرب الضريبي ؟؟؟
7.هل هناك تهرب ضريبي ... لا تطاله يد الدوائر المالية ؟؟؟
لما كانت الإجابات على هذه الأسئلة تشي بوضع التهرب الضريبي في الدوائر المالية التي تعتبر مشاركة للمراقبين من خلال تعيين مراقبي الدخل وتشكيل اللجان المالية التي غالبا ما تحابي المراقب , نتيجة الصلاحيات القانونية الممنوحة له .
وهنا نناقش أهم عناصر التهرب الضريبي المتداخلة فيما بينها والمترابطة ومنها :
1.سلطة تقدير الضريبة والصلاحيات الواسعة التي يمتلكها العامل البشري : حيث يقوم المراقب بتقدير النشاط التجاري للمكلف حسب المادة /49/ من قانون ضريبة الدخل رقم /24/ لعام 2003 , ويعد بعد ذلك تقرير التكليف , فإذا أضفنا الصلاحيات الكبيرة لمراقب الدخل للراتب القليل الذي يتقاضاه , نسبيا لما قد يحصل عليه من المكلفين , وخصوصا في حالة ترتيب أوضاع الملفات
الدسمة , إذا هناك عدم انسجام حجم المسؤولية والصلاحيات مع الراتب , قد يفهم التهرب الضريبي من هذه الزاوية , في هذا السياق , في عام 2003 وعندما انتقل عدد من مراقبي التكليف من أماكن عملهم إلى مواقع إدارية بعيدة عن العلاقة بالمكلف بعد شبهات بالفساد , وبعد ان استنفذ هؤلاء المكلفين المحاولات بعودتهم الى أماكنهم كمراقبي دخل , فقد قدم الكثير منهم استقالاتهم إذ أن رواتبهم الحكومية لا تمثل لهم مصادر دخل مغرية أو كافية , ومعروف , أن بعض مراقبي الدخل يعملون كمستشارين لدى شركات أو أشخاص, على أساس أنهم يقدمون النصيحة الضريبية, في تبرير للرشوة .
2.عدم تطبيق نظام الفوترة ,كيف يكون البائع ملزم بضرائب إذا لم يكن هناك أي وثائق ترصد حجم نشاطه التجاري الفعلي بل تبنى على تقديرات مراقب التكليف , إن البائع لا يصدر فاتورة البيع بل يكتفي بذكر بعض المعلومات عن البضاعة دون ذكر أي معلومات حول طرفي العقد , وبرغم الحملات الكثيرة التي قامت بها وزارة المالية, فشلت في تطبيق نظام الفوترة على أي تاجر , حتى الآن الفاتورة غير مطبقة وليست ملزمة قانونيا , ومن البديهي ,أن التجار لن يتطوعوا بإصدار الفواتير الحقيقية التي قد تكشف حجم نشاطهم وستؤدي إلى زيادة الضرائب عليهم , إذا الموضوع لا يتعلق بالثقافة الضريبية بل بتنفيذ قانون ضريبي صارم , مع العلم بأنه قد تكون سورية من الدول القليلة التي تغض النظر عن الفاتورة النظامية, خصوصا عندما يحل التعامل النقدي( كاش ) في التعاملات التجارية .
3.العقوبات المذكورة في القانون : تكاد تكتفي بالغرامات , وهذه يمكن التعامل معها و المصالحة عليها, أي أنها ليست بالعقوبات الحاسمة والرادعة وغير مرتبطة بالمناصب السياسية , فكم متهرب ضريبي في البرلمان وفي مؤسسات أخرى قائمة على الانتخاب !!!!.
4.استخدام تكنولوجيا المعلومات ووضعه في صلب النظام الضريبي لضبط المعلومات المتعلقة بكل نشاطات المكلف الاقتصادية .
إن استمرار النزيف الحاد والدائم للخزينة العامة للدولة الذي يسببه التهرب الضريبي وكل أنواع التهرب الأخرى , هو السبب الحقيقي للأزمات التي تعانيها أغلبية السكان , حيث الفقر وعدم قدرة الرواتب على تلبية الإحتياجات الأساسية , وزيادة معدلات البطالة وانخفاض مستوى الخدمات بشكل عام .
المشهد اون لاين