جهينة نيوز-خاص
بدأ الاجتياح التركي لمدن وقرى في الشمال الشرقي السوري في التاسع من الشهر الجاري، أي قبل أيام من الذكرى السنوية الواحدة والعشرين لتوقيع اتفاق "أضنة" بين الدولتين السورية والتركية، ذلك الاتفاق الأمني الذي أنهى حالة توتر سياسي بين البلدين خلال ثمانينات القرن الماضي واستمرت حتى نهاية التسعينات، وقد بلغ هذا التوتر أوجه في شهر تشرين الأول من عام 1998، فحشدت تركيا عشرة آلاف من قواتها على الحدود السورية، مهددةً من بلدة "الريحانية" بالاجتياح في حال استمر الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني وتأمين حماية لزعيمه "عبد الله أوجلان"... وآنذاك تدخلّت جامعة الدول العربية وكل من مصر وإيران لوقف التوتر، فتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة بين البلدين، متمثلاً باتفاق أضنة في 20/10/1998.
ملخص اتفاق أضنة
تلخّصت بنود الاتفاق وآليات تنفيذه وملحقاته في إبعاد رئيس حزب العمال الكردستاني "عبد الله أوجلان" عن دمشق ووقف نشاط معسكراته في سوريا ولبنان، والالتزام بمنع أعضاء حزبه من العبور إلى سوريا أو الإضرار بأمن تركيا واستقرارها، وعدم تزويدهم بالأسلحة والأموال ووثائق الهوية، أو تسهيل مرورهم عبر دول أخرى إلى شمال العراق وتركيا، واعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية، أما خلاف ذلك فيُعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم.
اتفاق أضنة وما سمي بـ"الربيع العربي"
في شهر آب 2012 نشر معهد واشنطن دراسة بعنوان "نهاية اتفاق أضنة للسلام"، جاء فيها أن من بين النتائج غير المقصودة لـ"الربيع العربي" ظهور حزب العمال الكردستاني مرة أخرى كطرف فاعل في العلاقات بين إيران وسوريا وتركيا، بمبرر أن "الانفجار الداخلي في سوريا جعل إيران وتركيا في وضع معادٍ، حيث تقود تركيا المعسكر المناهض للرئيس الأسد فيما تلتزم إيران بدعمه..."...وبناءً عليه، حسب الدراسة، "فإن لدى طهران حافزاً لإعادة حزب العمال الكردستاني إلى الساحة بغية دفع تركيا للتعامل مع مخاوفها بجدية"... وقد أشارت الدراسة إلى أنه في عام 2012 "ادّعى سفير الولايات المتحدة في تركيا أن دمشق تزوّد حزب العمال الكردستاني بالأسلحة الإيرانية"، وأنه "مع هذا الاحتكاك الجديد في سوريا وإيران شن حزب العمال الكردستاني عام 2012 حملة عنف جديدة ضد تركيا"...!
اتفاق أضنة واستغلاله من قبل الأتراك والمعارضة المسلحة
بتاريخ 11/أيار/ 2016 رأى رئيس ما سمي بـ"الائتلاف الوطني السوري" "أنس العبدة" في مؤتمر صحفي بتركيا أن اتفاق أضنة يهيئ الأرضية اللازمة لأنقرة لإقامة "منطقة آمنة" في سوريا، وفي حال تحقق ذلك وأُقيمت المنطقة المذكورة فإن أنقرة ستكون قد أمنت حدودها، وعندئذ يمكن للسوريين أن يعودوا إلى بلادهم بأمان –حسب "العبدة"-...
وقد رأى مراقبون أن عملية "درع الفرات" العسكرية التي أطلقتها أنقرة في 24/آب 2016، جاءت "تطبيقا تركياً لبنود اتفاق أضنة"... ولكن ما حدث هو احتلال مدينة "جرابلس" السورية بحجة تأمين الحدود التركية من خطر تنظيم "داعش"، كما تم في العملية إبعاد المسلحين الأكراد إلى منطقة الجزيرة السورية...
وفي 24/آذار/2018 سيطر الجيش التركي والقوات المساندة له على مدينة عفرين السورية ضمن العملية التي سميت "غصن الزيتون"، والتي انتهكت السيادة السورية...
أما في مطلع عام 2019 فقد قال الرئيس أردوغان "إن ما يجري في حدودنا مع سوريا وراءه حسابات تتعلق بتركيا وليس بسوريا"، وأضاف "لسنا بحاجة لدعوة أحد، نحن ضمنا بالفعل حق التدخل ضد الإرهاب في سوريا عبر اتفاق أضنة 1998"، كما شدّد أردوغان على "ضرورة طرح "اتفاق أضنة" المبرم بين تركيا وسوريا عام 1998، للنقاش مجدداً، قائلاً "إن تركيا ليست لديها مطامع احتلالية في سوريا، وأنها الدولة الوحيدة التي تتواجد فيها لغايات إنسانية بحتة، وأن من أهم أهداف العمليات التي تقوم بها تركيا داخل الأراضي السورية، هو تحقيق الأمن للسكان الذين يعيشون هناك، وأشار إلى أنه بحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المنطقة الآمنة في سوريا، وسلامة الأراضي السورية، ولفت إلى أن زيارته لموسكو، أظهرت ضرورة إعادة تطبيق اتفاق أضنة 1998 الموقع مع سوريا مجدداً، مشيراً إلى أنه بحث ذلك الأمر مع الرئيس بوتين"...
أما الرئيس بوتين فيريد حلاً للمشكلات العالقة بين دمشق وأنقرة وعودة التعامل بين الدولتين كما كان سابقاً بتفعيل اتفاق أضنة، وهو ما تراه أيضاً الجمهورية الاسلامية من خلال إعادة إحياء اتفاق أضنة، كبديل لمطلب أردوغان في "منطقة آمنة"...
ومن جهته، عبّر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية مطلع سنة 2019 عن أن "سوريا تؤكد أنها مازالت ملتزمة باتفاق أضنة والاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الاٍرهاب بأشكاله كافة من قبل الدولتين، إلا أن النظام التركي ومنذ عام 2011، كان ولا يزال يخرق هذا الاتفاق عبر دعم الاٍرهاب وتمويله وتدريبه وتسهيل مروره إلى سوريا، أو عبر احتلال أراضٍ سورية من خلال المنظمات الإرهابية التابعة له، أو عبر القوات المسلحة العسكرية التركية بشكل مباشر، وبالتالي فإن الجمهورية العربية السورية تؤكد أن أي تفعيل لهذا الاتفاق يتم عبر إعادة الأمور على الحدود بين البلدين كما كانت، وأن يلتزم النظام التركي بالاتفاق ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين، وأن يسحب قواته العسكرية من المناطق السورية التي يحتلها، وذلك حتى يتمكن البلدان من تفعيل هذا الاتفاق الذي يضمن أمن وسلامة الحدود لكليهما".
وأخيراً وقبل أيام، برر الرئيس أردوغان الاجتياح التركي لشمال شرق سوريا بأنه استند لاتفاق أضنة 1998...
اتفاق "أضنة" ما بين 1998 و2019
مما سبق ذكره نلاحظ أن الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري، لم تأخذ بالحسبان الصياغات التركية الجديدة لاتفاق أضنة –على الأقل- منذ انطلاق عملية "درع الفرات" في صيف عام 2016، فما برّره الأتراك والمراقبون من ارتباط تلك العملية –وبعدها "غصن الزيتون" 2018 ثم "نبع السلام" 2019- باتفاق أضنة، غير منطقي ضمن سياق تطبيق الاتفاقات، ذلك أن عمق الـ 5 كم المسموح بدخوله من قبل القوات التركية في حال وجود تهديد كردي حسب اتفاق أضنة، أضحى طي النسيان، ويضاف إلى ذلك أن كل الاتفاقيات السورية التركية من عام 1998 وحتى عام 2011، قد باتت في حكم الميتة منطقياً نظراً للدور التركي في نشوب الأحداث الدموية في سوريا، ذلك الدور الذي حلّ محل دور حزب العمال الكردستاني في بنود اتفاق أضنة وملحقاته عام 1998، فما طُلب تطبيقه من سوريا آنذاك ضد حزب العمال الكردستاني، خالفته تركيا وقامت بأكثر منه ضد سوريا منذ عام 2011 وحتى تاريخه، بالإضافة إلى أن أعضاء حزب العمال الكردستاني في الأراضي السورية بعد عام 2011 قد أضحوا عناصر انفصال كردي يهددون سوريا أكثر من تهديدهم لتركيا، لا سيما وأنهم –واستغلالاً لظروف الدولة السورية- قد سلّموا مفاتيح المناطق السورية التي يعيشون وينشطون فيها للقوات الأميركية ولمؤسسات ومنظمات غربية دخيلة وخارجة عن القانون السوري، دعمت حركة انفصالهم عن الدولة السورية واستئثارهم بالأرض...فأي استخدام جديد هذا لاتفاق أضنة؟ وهل يمكن تطبيقه في ظل الاحتلال الأميركي ووجود قواعد عسكرية له ولبعض القوى الأوروبية –وأخرى نائمة وغير نائمة لداعش- في مناطق غرب الفرات وشرقه؟
الشروط السورية المناسبة لاستمرار العمل باتفاق أضنة 1998
بالإضافة إلى ما أورده مصدر من الخارجية السورية مطلع سنة 2019 حول شروط الالتزام باتفاق أضنة مجدداً، فإن ما يندرج ايضاً ضمن الشروط السورية بعد الاجتياحات التركية للأراضي السورية، وخرق تركيا لشروط السلم والأمن على الحدود، هو تعديل بند اتفاق أضنة الذي يعتبر "الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية"، والانسحاب الفوري للقوات التركية الغازية من المناطق التي اجتاحتها منذ عام 2016 وحتى تاريخه، وكذلك الانسحاب الكامل والفعلي للقوات الأميركية والغربية الأخرى من مناطق غرب الفرات وشرقه، وإتاحة المجال لدخول قوات الجيش العربي السوري إلى تلك المناطق وإعادة عمل المؤسسات السورية الرسمية إلى العمل هناك، على أن يتم علاج موضوع الانفصال والتهديد الكردي لكلا البلدين –أي سوريا وتركيا- داخلياً، وبموجب عمليات التسوية التي يشارك الطرفان الروسي والايراني الدولة السورية برعايتها، وذلك على غرار التسويات التي تمت في مناطق عدة من سوريا، بينما يتكفّل الجيش العربي السوري وحلفاؤه بقتال من يرفض التسوية ويصر على مواصلة حمل السلاح ضد الدولة السورية...
وبعدم تحقيق تلك الشروط، فإن الطرف التركي يؤكد مجدداً أنه شريك للولايات المتحدة وقوى غربية أخرى في محاولة وضع خريطة جديدة لسوريا تقتص منها أجزاء كانت محتلة من قبل الأتراك العثمانيين حتى الحرب العالمية الأولى، بالإضافة إلى محاولة خلق حالة كردية قسرية في المنطقة، مخالفة لوضع الأكراد السوريين قبل عام 2011، وللواقع التاريخي السوري...ولعل جزءاً من مسؤولية عدم تحقيق تلك الشروط، يقع أيضاً على عاتق الدولتين الروسية والإيرانية، استناداً إلى نتائج قمة أنقرة الروسية الايرانية التركية المنعقدة في أيلول 2019 حول سوريا.
19:16
19:20
19:21
19:23
19:27
19:33