جهينة نيوز:
"تدخل تركيا الحرب مباشرة من أجل شيء واحد فقط هو الاحتفاظ بإدلب، يبدو خطاب تركيا دفاعاً عن هذا التدخل والتصعيد العسكري متناقضاً ويفتقد للتماسك، لكنه مصحوب بدعاية قوية يتولى تسويقها في العالم العربي التيار الإخواني بآلة إعلامية متطورة ومنتشرة"، يقول كمال خلف في مقالته المنشورة بصحيفة "رأي اليوم"، ويضيف: هو خطاب اعتمد ابتداء على مقولة إلزام الحكومة السورية باتفاق سوتشي، لكن المؤكد أن أنقرة لم تف بأي التزام من هذا الاتفاق سوى نشر نقاط مراقبة لها في أماكن مختلفة من إدلب وريفها وريف حلب، وعملت على تقوية الجماعات المسلحة داخل منطقة سوتشي.. هي ذاتها طلبت أكثر من مهلة من موسكو لتطبيق بنود الاتفاق المتعلق منها بسحب الجماعات المسلحة من المسافة المتفق عليها في سوتشي وفصل الجماعات المصنفة إرهابية عن تلك التي أصبحت تابعة لها مباشرة في الشمال وقد حصلت على مهلة لمدة عام ونصف.
ويتابع الكاتب: لكن النتيجة هي المواجهة الراهنة وقتال الجيش التركي مع الجماعات الإرهابية كتفاً لكتف، وهذا كشف عدم صدقية أردوغان فيما تعهد به للروس في إطار اتفاق وقع عليه بنفسه، يتجاهل الأتراك اليوم هذه الحقائق ويطرحون رواية معاكسة تماماً، أما الجانب المتعلق باللاجئين فهو جانب تجعله تركيا أحد أسباب تدخلها العسكري، وتقول إنها لا تحتمل المزيد من اللاجئين، لذلك عليها منع ذلك عبر عملية عسكرية تعرقل تقدم القوات السورية، في حين أن وقائع الميدان تؤكد أن الروس والحكومة السورية حاولا فتح معابر إنسانية في ريف ادلب لاستقبال اللاجئين إلى مناطق آمنة داخل سورية، لكنّ تركيا منعت ذلك بشكل مشدد، وبالمناسبة هنا فإنه من المفيد تذكر هذا الخطاب ذاته فيما يخص المدنيين في مدن سيطر عليها الجيش السوري خلال السنوات الماضية، مثل مضايا وداريا والغوطة الشرقية ووادي بردى في ريف دمشق ومناطق ومدن أخرى، حينها كان الخطاب يقول إن الجيش السوري والحكومة السورية تقوم بعملية تهجير ممنهج وتغيير ديمغرافي، والزائر لهذه المناطق اليوم يدرك بشكل ملموس عودة معظم أهل تلك المدن إلى بيوتهم، وعودة الحياة الطبيعة لها.
ويوضّح الكاتب: بالمقابل أجرى الأتراك عملية تهجير وتغيير ديمغرافي ممنهج للمدن التي سيطروا عليها خلال عملتي درع الفرات وغصن الزيتون، ومنعت كل سكان تلك المناطق من العودة، وأسكنت بدلاً عنهم عائلات الجماعات المسلحة المحلية التي رفضت المصالحات والتسويات مع الحكومة السورية في المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري، وفضلت الانتقال شمالاً عبر حافلات أمّنتها الحكومة السورية لهم، مضيفاً: الخطاب التركي الذي تسوقه للرأي العام العربي بصيغة إنسانية في ملف اللاجئين، تستخدمه في الخطاب السياسي من باب الابتزاز لأوروبا، وتتعامل معه كورقة ضغط لجر الأوربيين لدعم التحركات العسكرية التركية شمال سورية، والوقوف معهم في وجه روسيا، هي جملة مواقف وسياسات تسوق شعبوياً على أنها أخلاقية ومبدئية، أما سياسياً فإنها تستخدم السوريين المدنيين والمسلحين وقوداً لتحقيق أهداف الرئيس أردوغان وأحلامه وأحلام مجموعة من حوله يغلب عليها الفكر الطائفي والرغبة في المغامرة، لذلك لا ضير لديها في دفع أردوغان إلى المستنقع السوري ولو على حساب الدم التركي والسوري، وهو أصبح أسيراً لأهواء هذه المجموعة لا يستمع إلا لهم.
ويتابع الكاتب: شعبوياً أيضاً يتمّ التسويق الدعائي لمصطلح يوصف فيه الجيش التركي بأنّه "الجيش المحمدي"، الرئيس أردوغان نفسه أطلق هذا الوصف على جيشه لكسب تأييد المسلمين حول العالم، أما في الحقائق فإن "الجيش المحمدي" يستنجد بالولايات المتحدة والناتو لدعم هذا الجيش في الشمال السوري، فكيف يكون جيشاً محمدياً يخوض حربه بدعم من الحلف الأطلسي وإدارة دونالد ترامب؟
وييؤكد الكاتب: هي صورة تعكس انفصام خطاب في اعتماد خطابين الأول شعبوي يداعب عواطف الحالمين بتركية العثمانية وريثة خلافة إسلامية، والثاني سياسي مصلحي يجعل من الأطراف المحلية أوراق لعب لتحقيق أهداف سياسية تقوم على التناقضات بين روسيا والولايات المتحدة ويقترب من إيران للتعاون والتنسيق، بينما ينحو في الشق الشعبوي نحو وصفها بـ"المجوسية"، أمّا إرسال تركية للمقاتلين السوريين من إدلب إلى ليبيا بشكل علني للقتال الى جانب حكومة السراج، ما جعل هذه القوات التي يصفها الخطاب التركي ومن حوله بأنهم "ثوار حرية" يقاتلون ضد ظلم النظام ودفاعاً عن مناطقهم، جعلها مجموعات مرتزقة تقاتل لحساب تركية في كل مكان، ولم يجد الخطاب التركي المسوق للرأي العام العربي رداً على هذا الأمر سوى تكرار السؤال التالي: لماذا تدعم الإمارات ومصر والسعودية خليفة حفتر؟ ولماذا ترسل روسيا مجموعات "فاغنر" إلى ليبيا؟
سؤال دفاعي يكرره أردوغان في خطابه كل مرة، لماذا تتدخل روسيا وإيران؟ بينما حرام ذلك على تركيا؟ يقول الكاتب: الحقيقة هو أن تدخل تركيا بالسلاح والعتاد وإدخال المقاتلين عبر حدودها والحملة المشتركة بينها وبين الولايات المتحدة ودول عدّة لإسقاط النظام في سورية هي من فتحت باب التدخل لإيران وروسيا، عدا عن أن هذا الخطاب يناقض نفسه في الحالتين الليبية والسورية، ففي الوقت الذي يعتمد فيه على دعوة حكومة الوفاق للتدخل لإصباغ شرعية على انخراطه مباشرة في الحرب الليبية، يرفض ذات المنطق في سورية بالنسبة لإيران وروسيا، مع أنّ في كلا الحالتين هناك حكومة معترف بها دولياً، ويبقى الخطاب تجاه فلسطين والقدس قائماً في كل وقت على المستوى الشعبوي، بينما يسعى الرئيس أردوغان للحصول على مساعدة إدارة ترامب عرابة صفقة القرن في تحقيق أهدافه في الشمال السوري، وبتزامن قصفه للجيش السوري شمالاً مع قصف "إسرائيل" للجيش ذاته جنوباً.
ويختم الكاتب مقالته بالقول: إن لغة التهديد هي ما يغلب على سياسيات الرئيس أردوغان أقله خلال السنوات الثلاث الماضية، تهديد لكل من يختلف مع تركيا في السياسيات.. تهديد سورية ومصر والعراق وقبرص واليونان وتهديد أوروبا والجيش الليبي في الشرق والأكراد في الشرق السوري وحتى المعارضة التركية في الداخل ورفاق دربه ممن يخالفون سياساته، أما الذرائع التركية حيال الملف السوري وربما ملفات في المنطقة فهي غير مقنعة وتدفع إلى مواجهة تركيا ومنعها من الاستمرار في نهجها ووقفها عند حدها