جهينة نيوز:
"عام جديد دخلناه في عمر الحرب المفروضة على سورية، وسط إنجازات كبيرة حققت على المستوى العسكري والسياسي، الحرب التي وصفت بالحرب المفتوحة، بدأت حدةُ العمليات الإرهابية فيها تنحدر تدريجياً، بعد السيطرة على معظم مناطق وجود المسلحين، سنوات تسع وفق تقويم الحرب على الإرهاب انتهت، كانت مليئة بالظلم والهلع والدم، حيث الوقت يضبط بحسب رغبة الدول الداعمة للإرهاب، والتي لا تريد لهذه الحرب أن تتوقف"، يبدأ حسام زيدان مقالته المنشورة اليوم في موقع "العالم"، ويضيف: منتصف آذار من كل عام يأتي ليفتتح عاماً آخر من عمر الحرب، بالرغم من انحسار جغرافيا الاشتباكات، لكن جوهر الحياة في سورية هو يوميات حرب في الرقة ودير الزور والحسكة وريف اللاذقية وبعض من ريف حلب وإدلب، وما يميّز محافظة عن آخر هو طبيعة الداعم للمجموعات المسلحة، وطبيعة الهدف في تلك المنطقة، لكن الاتفاق بالرغم من تفاوت نسب الألم، أن القسوة ماتزال تعشش في بعض المناطق، وإن كانت بفعل الضائقة الاقتصادية والحصار الذي يفرض على البلاد، والتي تشكل موجة جديدة من الحرب، يراد منها إطالة أمد الصراع، لكن ذلك كلّه لم يغير في تصميم السوريين على وضع آلية تسير بشكل منتظم لإيقاف الحرب، وهذا ما نلاحظه بين مطالب الدول الداعمة للمسلحين بين عامي 2011 و2020، والاختلال في موازين القوى، فمطالب تركيا في بداية الحرب تقلصت لتصل إلى حجة ضمان أمن الدولة التركية، أمام "خطر الأكراد" كما يدّعي رجب طيب أردوغان، أو حتى خوفاً من عودة الإرهابيين إلى الداخل التركي.
ويشدد الكاتب: هذا يؤكد أنّ الشعب والقيادة السورية، يدرك منذ بداية الحرب أنّ ما تتعرض له البلاد يأتي كجزء من محاولة تغير الجغرافية السياسية في المنطقة ككل، وما قدمه الجيش السوري والحلفاء من تضحيات هو ما أوصل الدولة اليوم للسيطرة على أغلب الجغرافية الوطنية، والجميع يعلم كيف أنّ المعارك الاخيرة في إدلب، والإنجازات العسكرية والصمود هناك، دفعت تركيا الطلب من روسيا التوصل إلى اتفاق في تلك المنطقة.
ويتابع الكاتب: مع دخولنا العام العاشر من الحرب، يتأكد الهدف الرئيس منها والتدخل الكبير لدول إقليمية وأطراف دولية، والذرائع التي شنت من أجلها الحرب ما هي إلا غطاء لهدف جوهري وهو إخراج سورية من الدور المركزي في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي، وهذا ما لم يحقق، فالمراوحة في مطالب تلك الدول التي دعمت الإرهاب، تؤكد أنّ معضلة ملف إدلب الذي تحاول تركيا تحويله إلى شبيه بقبرص الشمالية، دخل في حسابات سياسية وعسكرية جديدة، وأن التصريحات الأخيرة للرئيس التركي حول تقاسم آبار النفط في الداخل السوري، ما هو إلّا دليل واضح على أنّ أكبر المكاسب التي تنظر إليها تركيا في الوقت الحالي هو السعي للفوائد الاقتصادية، وحفاظها على دور فعال في الحل السياسي النهائي، عبر أساليب متعددة منها إعادة ترتيب الأوراق العسكرية في إدلب، من خلال أفكار لدمج المجموعات المسلحة تحت مسميات مختلف، للوصول إلى جسم يستطيع أن يكون رافعة سياسية لحمل التأثير التركي إلى المستقبل السوري، واستمرار العبث في الجزيرة السورية، وأرياف الحسكة والرقة ودير الزور، ضمن فكرة تعقيد الملف هناك، لتشتيت جهود الدولة السورية بين إدلب وشرق الفرات، وتحويله إلى ملف إقليمي معقد لا يمكن حله، ما يدفع التركي إلى مساعدة الأمريكي للبقاء في تلك المنطقة، وتجاوز ما يجري في الولايات المتحدة من تجاذبات حول انسحاب القوات الأمريكية من سورية، وتقديم كل المساعدة لتحويل الجنود الأمريكيين إلى ضباط استخبارات يديرون بعض المجموعات على الأرض، واستمرار التوتر ومنع الاستقرار.
ويبين الكاتب: المتابع الدقيق لتعقيدات المشهد في محافظة إدلب، يدرك تماماً أنّ الدولة التركية التي سعت إلى تحويل المجموعات المسلحة المشرذمة، إلى قوة مؤسساتية عبر مسميات عديدة، وفتحت لهم الكليات العسكرية، وشكلت لهم إدارة تتجاوز الصورة المأخوذة عن الجماعات المسلحة، ودعمتهم بتنظيم شرطة وقوى أمن داخلي، تقف اليوم كما تتدعي عاجزة أمام منع تلك الجماعات من التعدي على منفذي اتفاق موسكو، وهم الدوريات المشتركة التي انطلقت على الطريق الدولي السريع بين حلب واللاذقية، فكان الأوتستراد مسرحاً للمظاهرات المدعومة من قبل الجانب التركي، حيث استغل هؤلاء المسلحون النساء والأطفال والمدنيين كدروع بشرية، ومنعوا تحرّك الدوريات لتثبيت تنفيذ اتّفاق موسكو وفتح الطريق وإخلاء منطقة تقدر بـ 6 كيلومترات شمال الطريق وجنوبه، ما يعني عودة مدن كبرى في ريف إدلب خالية من الإرهاب كجسر الشغور وأريحا، فمن يصدق أنّ تركيا لا تستطيع إجبار تلك المجموعات على الالتزام، ومن لا يعرف أنّ هذا التصعيد هو جزء من المخطط التركي ـ الأمريكي لتفجير أي اتفاق يضمن سلامة وأمن المدنيين في سورية أولاً، وعودة الدولة لمناطق عانت إرهاب تلك المجموعات لسنوات، ليعاد تأهيلها ومساهمتها في دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.