جهينة نيوز:
مااسهل ان نغضب ونحزن وننفعل ونلوم ونتحامل .. وماأصعب ان نتمنى ونعاتب وان نكتب عن خيبات الامل ونحن لانعلم ان كان دعاؤنا للسماء مستجابا وأن أمنياتنا ستتحقق .. ولكن ماهو أصعب من كل شيء هو عندما لانفهم الاشياء .. وعدم فهم الاشياء له سبب واحد فقط هو الأسئلة التي لاأجوبة لها .. ان سؤالا لاجواب له كفيل بأن يغير رحلة الحياة و جهتها وكفيل بأن يشعل العقل باللاأدرية والحيرة ويجعل بوصلة الدماغ لاقطب لها كي تشير اليه .. فالسؤال في البوصلة والجواب هو القطب .. وبوصلة دماغنا اليوم لم تعد تعرف الشمال والقطب .. لأن هناك من أزاح القطب والشمال باخفائه الجواب عنا ..
هل لي ان أقول ان فهمنا لكل الحرب السورية كان في منتهى الدقة وتحليلنا لكل تفاصيلها كان في منتهى الصواب .. ولكن الخصوم الان وضعونا في أصعب نقطة على الاطلاق وأصعب مفترق طرق وأصعب سؤال بلا جواب .. خصمنا ترك معنا البوصلة .. وكل ادوات الرصد والملاحة وسرق القطب الشمالي .. فصرنا كلما أبحرنا في البحار ضعنا وصارت سفننا تصل الى القطب الجنوبي او ترتطم بالجروف القارية ..
اننا نريد ان نعرف على وجه التحديد .. ماالذي تغيرحتى تصمت روسيا؟ هل تغيرت روسيا ام نحن تغيرنا؟؟ ام ان روسيا لم تتغير ولكن الخصم غيّر نوع المواجهة وانتقل الى نوع آخر منها حيث لا قبل لروسيا بمواجهته؟؟ هل لثقب أوكرانيا دور في ثقب اللاذقية والغطاء الجوي؟؟
المنطق يقول ان روسيا حاربت معنا وتعرضت لضغط هائل غير مسبوق ولم تبع ولم تخن .. وان روسيا بذلت دما ورفضت الرشوات الخليجية بمئات مليارات الدولارات كي تتغير فلم تتغير .. ونحن قابلناها بالعرفان والاعتراف بالجميل وفرشنا لها ماءنا وأرضنا بالسجاد الأحمر وغسلنا وجهها بماء الورد ..
والمنطق يقول ان من مصلحة روسيا ان تنصح اسرائيل بالكف عن العبث والمغامرة حماية لهيبة روسيا العسكرية .. والمنطق يقول ان من واجب روسيا كدولة دخلت في تحالف في سورية ان تدرك ان اسرائيل هي من كان يوجه ويستفيد من الارهاب الاسلامي .. وأن حماية سورية من الارهاب الاسلامي وتركها للارهاب الامريكي والاسرائيلي يمثل مقولة (كأنك ياأبو زيد ما غزيت) .. فالارهاب كانت غايته وطريقته هي في اهانة الدولة السورية وجيشها والحاق الاهانة بهيبة الدولة السورية لينفض عنها الناس اما خوفا او لضياع الهيبة .. واليوم تقصد اسرائيل بهذا القصف الحاق الاهانة بالدولة السورية وضرب هيبتها وهو مايجعل التمرد عليها نتيجة ممكنة طالما انها تفشل في حماية مواطنيها بتحالفاتها .. فالرسالة التي تريد اسرائيل توجيهها للداخل السوري هي ان خيار سورية في التحالف مع روسيا خيار غير موفق .. فما هو الكسب اذا هزم الارهاب بيد روسيا ولكن سورية هزمت على يد اسرائيل وامريكا بالحصار واضعاف هيبة الدولة والجيش في سورية؟؟ النتيجة واحدة حتما .. وهي خسارة لسورية ولروسيا ..
والمنطق يقول ان روسيا معنية جدا بحماية سمعتها كقوة يعتمد عليها لأنها أخرجت سابقا من مصر عندما تغيرت القيادة السياسية وكان اخراجها بذريعة انها لاتفعل مايكفي لردع اسرائيل وحماية مصر كما ردد السادات وخسرت روسيا مصر بسبب مازعم السادات عن ترددها في مساعدته وهي التي كانت تحس بالريبة منه ومن معلومات عن ميوله الغربية .. وروسيا أيضا خسرت العراق عندما تردد يلتسين في مساعدة الرئيس صدام حسين .. وكانت ضربة حرب الخليج ضربة تردد صداها في المؤسسة العسكرية الروسية التي اهتزت والتي غضبت جدا من خذلان العراقيين وتدمير الجيش العراقي الذي كان يحمل السلاح الروسي .. وخسرت روسيا سمعتها في العراق من جديد .. وهذا ماجعل عصر الجنرالات يعود عبر عودة ضابط المخابرات الى السلطة فلاديمير بوتين الذي مثل رغبة المؤسسة العسكرية في ألا يترك الشأن السياسي والقرار بيد مدنيين لايعرفون أهمية الحفاظ على سمعة وهيبة الجيش الروسي بعد هزيمة أفغانستان .. وكان تردد ميدفيديف في حماية ليبيا هو الذي أسقطها بيد الغرب وأخرجها نهائيا من تلك المنطقة وسماها الروس الطعنة في الظهر .. ولذلك فان المؤسسة العسكرية الروسية وكبار الجنرالات الروس مهتمون جدا بألا يتكرر هذا التردد ثانية في سورية .. وهذا هو سبب الاقدام الروسي في الملف السوري عام 2015 لأن هذا هو المنطق الطبيعي لتسلسل الاحداث وتعلم الدروس ..
ولكن المنطق يقول أيضا ان اسرائيل لاتفعل ذلك الا بعد يقينها ان هناك قرارا روسيا بالنأي بالنفس أو عدم الرد او بمنع الرد او لجم الرد .. وكل هذا يأخذنا نحو روسيا التي تحولت قاعدتها الى تمثال صامت مثل تمثال أبي الهول لايتكلم ولاينطق ولايلتفت يمنة ولايسرة وينظر فقط نحو طائرات بدائية مسيرة يطلقها مراهقون من ادلب ..
والمنطق يقول أيضا بأن اسرائيل تتحرك في لحظة دقيقة جدا ومربكة لنا وهي تدرك اننا نفضل ألا نرد الآن .. لأننا نواجه تركيا شمالا .. وقسد واميريكا شرقا .. والخلايا النائمة الداعشية في الصحراء وفي الجنوب السوري .. وتأتي اولوية الازمة الاقتصادية لتقلل حركتنا .. ولذلك فان أي رد انفعالي هو نوع من سوء التقدير عندما تكون كل جبهاتك ساخنة ..
والمنطق يقول ان اسرائيل تبحث عن نقطة تفجير لتخلط الأوراق وترغم اميريكا على خوض نزال معها ضد ايران وحلفائها .. وفي كل مرة تزيد الضرب .. ولذلك فانها تقوم بهذا النوع من العمليات الجوية ضد أهداف سورية .. وكأنها تستدعي ردا عسكريا لخلط الاوراق .. هل هو لاستدراج ايران وحزب الله الى معركة لمساعدة سورية التي ستثور غضبا وهذا سينسف المفاوضات للاتفاق النووي وسيجعل حتى روسيا حائرة في موقفها اذا وقعت مواجهة؟؟ أو هل تدرك اسرائيل ان ايران وسورية قررا التهدئة كي تنتهي مفاوضات الاتفاق النووي .. ؟؟
لكن الضربة الاسرائيلية الثانية بددت اي احتمال للصدفة .. لأنها المرة الثالثة التي تضرب فيها تلك المنطقة .. فكلنا يذكر ان طائرة ايل الروسية سقطت في احدى المواجهات .. ويبدو ان الضربة قد توحي بوجود خلاف في وجهات النظر حول قضايا مطروحة بين روسيا وسورية .. فالتنصل السابق من ضربات اسرائيل في العمق السوري بذريعة انه استهداف لاهداف ايرانية لاتجد روسيا انها معنية بحمايتها سقط كله في ضربات اللاذقية لأن ايران ليست في مرفأ اللاذقية وحاويات التجار وبضائع التصدير ومعلبات الأغذية .. وضرب ميناء اللاذقية لايبدو انه موجه للصين لتنزاح نحو ميناء حيفا بعد غياب ميناء بيروت .. لأن الصين حتى هذه اللحظة ليست في سورية ولم تظهر نشاطا تجاريا كبيرا ولم ترسل مساعدات عسكرية او اقتصادية او شحنات من اي نوع الى ذلك الميناء ولم توجد فيه حتى الان .. واكتفت بأنها تراقب وترفع الفيتو مرتين ثم جلست خلف أسوارها تعالج شيئا آخر ..
ليست لدي معلومات ولكن كل الدفوع والتبريرات التي سمعتها لاتبدو مقنعة لي .. وحكاية الطائرة الروسية التي تظهر في الاجواء فجأة قبل كل ضربة وكأنها طائرة المشير عبد الحكيم عامر في سيناء في نفس ساعة ضرب المطارات المصرية وخوف المصريين من اسقاط اي طائرة لانها قد تكون طائرة المشير .. لم تعد مستساغة .. والا فان على روسيا ان تشد اسرائيل من أذنها بصاروخ يجعلها لاتقترب على الاطلاق من تلك المنطقة لأن اي خطأ في الحسابات قد يسقط الطائرة الروسية التي تتنزه فقط عندما تغير الطائرات الاسرائيلية .. ولذلك فانني أزعم ان هذا الاستهداف اللاذقية تحت عين وبصر روسيا هو اما انه قرار بعدم استخدام صواريخ روسيا النوعية حفاظا على عدم كشف أسرار هذه التقنية في معارك صغيرة لأن هذه الصواريخ لم تطلق بعد في اي معركة وقد ترغب أميريكا باختبار قدرات أسلحتها على التعامل معها في حقل تجارب حقيقي .. أو ان ماحدث هو تعبير عن قرار روسي بالاعتكاف والنأي بالنفس .. في نوع من الاحتجاج السلبي ..
ولكن هل هذا الاعتكاف والنأي بالنفس لأن لروسيا طلبا استراتيجيا ما لم تجد القيادة السورية انها مستعدة لتلبيته حتى من باب الصداقة والتحالف واعتذرت بلباقة عن هذا الطلب .. ووجدت أنه قرار سيادي لاترغب ان يشاركها فيه أحد .. وهذا يدل على ان القرار السيادي السوري لايزال ملكنا ولم نسلمه لأية قوة او حليف .. فوجد الروس ان من باب اللباقة النأي بالنفس والاحتجاج بالصمت الصاروخي؟
أما هذا الطلب اللغز فانه لغز الالغاز والذي لايعرفه أحد .. وهو غالبا متعلق برغبة روسيا ان تظهر امام الغرب انها أكثر كفاءة من الاتحاد السوفييتي وهي قادرة على المساعدة في معادلات الصراع في الشرق الاوسط دون ان تكون طرفا فيها ..
وكما قلت فان هذا الافتراض ليست فيه اية معلومات بل هو نظري .. ولذلك فان أقرب الافتراضات هو طلب روسيا تقديم عرض مغر لتهدئة بال اسرائيل خاصة ان روسيا متضايقة جدا من اقتراب الناتو من الاستيلاء على اوكرانيا ونشر صواريخ قريبة من موسكو .. وان الطلب الامريكي من روسيا هو ابعاد ايران من سورية لابعاد اوكرانيا عن الناتو خاصة ان الاسرائيليين يتحركون بقوة في اوكرانيا عبر الرئيس الاوكراني اليهودي الاصول .. وقد تجد روسيا ان لها الحق بالحصول على ثمن يخصها من الحلفاء الذين حاربت معهم ووقفت معهم وخاطرت بجيشها معهم .. وقد يكون هذا الطلب يتعلق برغبة روسية في القبول بعرض امريكي سابق عرض على السوريين يقضي بالعودة الى خطوط عام 2011 أي باخراج ايران وحزب الله من سورية مقابل ان تخرج اميريكا من الجزيرة والتنف .. وربما سيكون هذا الانجاز محسوبا لروسيا التي ترى انه غير مكلف للحلفاء السوريين والايرانيين على الاطلاق وأن مكاسبه لها ولهم كبيرة ..
ولكن لماذا يخاف السوريون من العرض الامريكي ؟؟
السوريون والايرانيون يرون ان اعادة الساعة الى الوراء خطر جدا .. ليس لأن ايران ترى ان ابعادها عن اسرائيل سيفقدها أوراقها الثمينة التي تضغط بها من على مسافة صفر من الحدود في الجولان وجنوب لبنان .. بل لأن ذلك هو تفكيك لأول خط متواصل استراتيجي ممتد من طهران الى بيروت عبر بغداد .. والسوريون بدورهم يرون ان ايران التي ستخرج من سورية ستخرج بعدها من العراق بشكل واضح .. لان تقهقر ايران في سورية سيتلوه تقهقر في العراق تحت الضغط في العراق لاعادتها الى ماوراء شط العرب .. ويبدو ان التلاعب بالانتخابات العراقية هو أول الخطوات لتحقيق ذلك .. وتقهقر ايران يعني انه سينقطع خط المواجهة الطويل الذي كلف انشاؤه وانجازه الكثير في لحظة تاريخية لن تتكرر أبدا كانت قد ضاعت قبل هذه المرة عندما عطل الرئيس صدام حسين الوحدة السورية العراقية .. ولأن التواصل بين طهران ودمشق وبغداد وبيروت كان مستحيلا عندما سقطت بغداد وكادت تلحق بها بيروت بتفجير الحريري وحرب 2006 .. وكانت المعجزة ان ايران وسورية فتحتا خط بغداد وبيروت عبر دمشق بحرب عنيفة وقاسية قادتهما الى مواجهة خطرة مع الاميريكيين في العراق وفي لبنان .. وبني الخط بشكل يشبه فلتة تاريخية لم يتوقعها الاميريكيون والاسرائيليون .. وهذا مااستدعى من الاميريكيين تفجير المنطقة بما سمي الثورة السورية وداعش والنصرة التي قررت قطع الخط في قلب سورية .. ولكن الخط صمد في أقسى حرب وأعنف مواجهات .. وبقي تواصل طهران بغداد دمشق بيروت .. الذي تحاول اميريكا قطعه عبر التنف وعيبر خلق كيان وريث لداعش هو قسد .. حيث نقل سلاح داعش ومركباتها الى قسد وتم تغيير لون الراية من أسود الى أصفر .. ولكن السر هو أن الاميريكيين لايقدرون على البقاء والسوريون يعلمون ذلك والايرانيون يعلمون ذلك .. وهم ينتظرون وقوع الثمرة الناضجة .. فيما الاميريكون يلعبون أوراقهم ويريدون اخراج الايرانيين وسلاحهم قبل ان يخرجوا .. هذا الخط هو أهم خط سيجعل وجود اسرائيل كله على كف عفريت اذا خرجت اميريكا كما خرجت من أفغانستان .. وليس من الحكمة اننا كلما أنشأنا خط مواجهة ان نخسره .. كما خسرنا خط دمشق القاهرة قبل ذلك .. وخط دمشق بغداد .. ونحن نرى ان لاشيء سيهدد اسرائيل اذا قطعت كل الخطوط الاستراتيجية المحيطة بها .. انه فعلا آخر الخطوط الخطرة على وجود اسرائيل .. وهو يقترب من تحقيق هدفه بكسر عظم اسرائيل .. ولن نسمح بتفكيكه ..
هنا وجهتا نظر مختلفتان .. متباينتان .. وحليفان غير مختلفين .. ولكن الاول يرى ان السوريين والايرانيين يفرطون في قلقهم .. فيما الثاني يرى ان الروس لايدركون جذور القلق لديهم .. ولكن في حال تبين ان هناك نأيا روسيا بالنفس عن معادلة الصراع مع اسرائيل .. فان الحل السوري يجب ان يفرز معادلة تقضي بتنحية الحليف الروسي نهائيا عن الصراع .. وخلط الاوراق على الطريقة السورية .. وبالذات مع اسرائيل .. اي رفع التحدي مع اسرائيل باطلاق مقاومة الجولان وهي الكابوس الذي تخشاه اسرائيل ..
كل ماذكرت في الاعلى لاتزال محاولة لفك طلاسم صمت ابي الهول الروسي .. دون معلومات .. ولذلك لاتزال هذه الفرضية تعاني من ثغرات وتطرح ألغازا أخرى .. من مثل ان ايران القوية مهمة لروسيا وهي تساندها في ملفها النووي .. وان اضعاف ايران وتقوية اسرائيل ليس من مصلحة روسيا .. وان روسيا ليست بالقوة الهينة الساذجة التي تعرف انها تخسر الرأي العام السوري الذي قد يرتد على وجودها .. ولاأزال اظن رغم كل ماذكرت ان روسيا اليوم ليست روسيا الامس .. فهي اكثر دهاء وأكثر حنكة .. ولن تكرر أخطاء الامس وتخسر مواقعها .. وربما ستكشف الايام أن أبا الهول السيبيري .. لديه مايقوله .. وأنه لم يخض حربا خطرة كي يخسرها بنقلة ساذجة في شطرنج الحرب .. وأن تحالفه متين جدا مع أصدقائه .. وان عام 2022 ليس مثل عام 2021 الذي كان عاما هادئا عموما وكان استراحة عابرة .. من يدري ؟؟
21:08