جهينة نيوز:
كشفت صحيفة ذا هيل أمريكية في تقرير لها أن نتائج العقوبات الغربية ضد روسيا قد ترتد على الولايات المتحدة نفسها والنظام المالي العالمي الذي يحكمه الدولار.
وفي حين يتخوف الغرب من الصدام العسكري المباشر مع روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، لم يجد سبيلا للرد على موسكو سوى فرض عقوبات انتقائية آملا أن يؤدي ذلك إلى تقويض إرادتها أو على الأقل إرباكها.
ومع ذلك، فإن القيود المالية واسعة النطاق على روسيا لا يبدو أنا ستؤتي أكلها بالنسبة للغرب، فعلى العكس تماما، قد يترتب عليها نتائج كارثية بما في ذلك فقدان سلاح "العقوبات" نفسه لأي تأثير مستقبلي وبداية لانحسار نفوذ واشنطن العالمي.
صحيح أن قرار استبعاد العديد من البنوك الروسية من شبكة "سويفت" للرسائل المالية، وفرض عقوبات على البنك المركزي وصندوق الاستثمار ومؤسسات مالية أخرى- أثار اهتمام عامة الناس حول العالم، لكنه أثار مخاوف عميقة لدى المستثمرين، خاصة في وول ستريت، بحسب تقرير لصحيفة "ّذا هيل" الأمريكية.
قد تؤدي المزيد من العقوبات على صادرات السلع الروسية إلى اضطراب السوق العالمي، وتغذي العوامل التضخمية التي تسببت بالفعل في ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة في الأشهر الأخيرة، ولا يمكن استبعاد العواقب المزعزعة للاستقرار المحتملة على الدول الناشئة والنامية.
وقالت الصحيفة إنه نظرا للبيئة السياسية العالمية الساخنة، يجب التحذير من "تسليح" القطاع المالي العالمي القائم على الدولار، مشيرة إلى أنه منذ حل الدولار محل الجنيه الإسترليني كعملة احتياطية عالمية، أصبحت أمريكا تعتمد على هذا "الامتياز الباهظ" بشكل كبير.
المكانة البارزة لعملة الاحتياط العالمية تضمن للدولة المصدرة (أمريكا) وجود طلب قوي ومستمر على الأصول المقومة بالدولار في جميع أنحاء العالم، كما يمكن واشنطن من إدارة العجز المستمر في التجارة والحساب الجاري.
كما أن رغبة بين البنوك المركزية الأجنبية والأطراف الخاصة في حيازة سندات الخزانة الأمريكية تعتمد إلى حد كبير على الدور الحاسم للدولار في النظام المالي الدولي.
وأيضا سمح هذا النفوذ المالي الذي تتمتع به الولايات المتحدة، لصانعي السياسة الأمريكيين باتباع "سياسات مالية فاسدة" لعقود من الزمن دون الاضطرار إلى مواجهة انضباط كبير في السوق، على حد تعبير الصحيفة.
في عام 1960، سلط الخبير الاقتصادي البلجيكي المولد روبرت تريفين، الضوء على معضلة متأصلة نشأت من وجود نظام نقدي دولي كان يركز على عملة سيادية وطنية (الدولار الأمريكي).
نظرية الخبير التي أطلق عليها لاحقا "معضلة تريفين"، تشير إلى أن الولايات المتحدة تحتاج، بصفتها الدولة المصدرة للاحتياطيات، إلى التعامل مع عجز مستمر في ميزان المدفوعات من أجل تلبية الطلب المتزايد باستمرار على السيولة التي يحتاجها الاقتصاد العالمي المتنامي.
لكن في النهاية، سيؤدي هذا العجز مستمر في ميزان المدفوعات إلى تقويض الثقة العالمية بالدولار الأمريكي. واليوم، أثارت الصدمة الوبائية بالفعل مخاوف بشأن مستقبل النظام النقدي العالمي المرتكز على الدولار الأمريكي.
السيناريو الأسوأ لأمريكا
أدى التوسع الهائل في الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) والنمو الهائل في مستويات الدين العام إلى تخوف البعض من "الهيمنة المالية" المحتملة على "السياسة النقدية" في السنوات المقبلة.
علاوة على ذلك، ومع تحول أنماط الإنفاق المدعوم بالحوافز من الخدمات إلى السلع، واجهت الولايات المتحدة عجزا تجاريا كبيرا مع الصين على مدار العامين الماضيين.
والآن، في مواجهة الاحتمال الواضح لظهور شراكة اقتصادية واستراتيجية بين الصين وروسيا، ربما تشهد الساحة الدولية مرحلة جديدة تتضمن منافسة جيوسياسية على النفوذ العالمي عبر مجالات متعددة.
قالت مجموعة بحثية تقدم المشورة للرئيس الصيني شي جين بينغ، إن العقوبات الغربية على روسيا ستؤدي في النهاية إلى مزيد من الضرر للولايات المتحدة وحلفائها.
وكتب ما شيويه، الباحث المشارك في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، في مقال نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي اليوم الثلاثاء، إن روسيا تكيفت إلى حد كبير للتعامل مع الإجراءات المالية العقابية منذ عام 2014.
وأضاف ما، الذي ترتبط مؤسسته البحثية بوزارة أمن الدولة التي تعد بمثابة وكالة للاستخبارات المدنية الصينية، أن الحلفاء الأمريكيين والأوروبيين سينتهي بهم الأمر بالمعاناة بسبب دعمهم لأوكرانيا، وفقا لما نقلته "بلومبيرغ".
وأوضح ما أن فصل البنوك الروسية من نظام "سويفت" للرسائل المالية سينتهي به الأمر إلى إلحاق الضرر بأوروبا بنفس القدر، مضيفا أن واشنطن قد تتكبد أيضا تكاليف كبيرة في المستقبل من خلال تقديم مساعدات اقتصادية وإنسانية للحلفاء، وأن أوروبا يمكن يتزعزع استقرارها بسبب النازحين الكثر.
كانت الصين منفتحة بشأن رغبتها طويلة المدى في استبدال النظام النقدي العالمي المرتكز على الدولار الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبالنظر إلى التطورات الجيوسياسية الأخيرة، من المرجح أن تستعيد أجندة تدويل اليوان المزيد من الزخم، بحسب تقرير "ذا هيل".
إن دفع الصين لإطلاق اليوان الرقمي وإنشاء نظام دفع بديل هو جزء من هذه الخطة، وقطعت بكين بالفعل شوطا طويلا في هذا الصدد، كما ستساعدها مبادرة الحزام والطريق الضخمة في محاولات توسيع نطاق القبول والاستخدام الدوليين لعملتها.
بالعودة إلى عام 2020، ونظرا للتوترات الجيوسياسية المتزايدة بالفعل، اتفقت الصين وروسيا على التخلي عن الدولار الأمريكي من أجل التسويات التجارية الثنائية.
من المنظور الأمريكي، لا يزال هناك أمل في أن سياسات الزعيم الصيني شي جين بينغ التي تتطلع إلى الداخل بشكل متزايد قد تحد من جاذبية العملة والأصول الصينية، وتبطئ وتيرة تدويل اليوان.
تتطلب التحركات الحقيقية لزيادة القبول العالمي لليوان، من الصين أن تفتح أسواق رأس المال بالكامل للأجانب. لكن مثل هذه الخطوة قد لا تتماشى مع استراتيجية بكين الاقتصادية ذات الدورة المزدوجة.
الغرب أوجد البديل بنفسه
مع ذلك، فإن التحركات الأخيرة من قبل الغرب لتسليح القطاع المالي العالمي القائم على الدولار، يوفر الحافز الضروري للصين لتسريع الإجراءات لتقليل اعتمادها على العملة الأمريكية وإنشاء نظام مدفوعات مالية عالمي بديل.
والأكثر من هذا، وبالنظر إلى موقف الصين المتصاعد تجاه تايوان، لا يمكن استبعاد اندلاع اشتعال في المستقبل مع الولايات المتحدة. إذا تخلت الولايات المتحدة عن سياسة "الغموض الاستراتيجي" فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان، فمن المرجح أن "ترد الصين عسكريا"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وبعد ملاحظة رد فعل الغرب على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ستستنتج الصين بشكل منطقي أن أي تعامل كبير من خلال شبكة "سويفت" والنظام القائم على الدولار يحد من خياراتها.
وختمت الصحيفة: "نظرا لظهور التحالف الصيني الروسي، وبالنظر إلى الصعود المستمر للصين كقوة اقتصادية وعسكرية، لا يمكننا التقليل من المخاطر المستقبلية على الوضع العالمي للدولار الأمريكي".
في نفس السياق، قالت "بلومبيرغ" إنه يمكن للصين أن تقدم بعض الدعم لروسيا لمنع العقوبات القاسية، حيث من المتوقع أن تحصل الشركات الصينية على النفط الروسي بسعر مخفض إذا ردعت العقوبات مشترين آخرين.
ويمكن أن توفر أيضا شريان حياة ماليا لأن بنك الشعب لصيني لديه مقايضة عملات بمليارات الدولارات مع نظيره في موسكو، مما يسمح للدولتين بتوفير السيولة للشركات حتى تتمكن من مواصلة التداول.
عملت روسيا أيضا على منع سيطرة الدولار على نظامها المالي في السنوات الأخيرة، وباعت معظم سندات الخزانة الأمريكية في عام 2018، في الوقت الذي تستعد فيه لعقوبات محتملة