جهينة نيوز:
ما الذي يفعله "حزب المستقبل" ضد جمهورية لبنان اليوم؟ يعتقد على نطاق واسع أن المواطنين يطرحون هذا السؤال تعقيبا على سلوك هذه المجموعة السياسية التي يمكن وصفها "بالفريدة" ـ فرادة سلبية طبعا وليست ايجابية ـ والتي يرجح أن أي مجموعة سياسية مرت على الحلبة اللبنانية لم تفعل فعلتها ولم يسجل في دفترها من المساوئ ما سجل لهذا الحزب في هذه الفترة القياسية من ممارسته "للسياسة".
فهل ما يفعله هؤلاء هو جراء قصر نظر وسوء تقدير أم بكامل وعيهم وإصرارهم؟ وهل هو لمصلحة أجندة خارجية أم أجندة خاصة بهم تفتقت عنها عقول عباقرة "المستقبل"؟
لا مكان لحسن الظن هنا، بل إن سوء الظن هو من حسن الفطن. والا كيف يمكن تفسير هذه الحرب المفتوحة على أسس البناء الوطني الجديد الذي أرسي بعد اتفاق الطائف وتبلور لاحقا في ما بات يعرف بثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة"، والمدعمة بعلاقات سورية ـ لبنانية مميزة، التي استهلك الكلام الكثير فيها مشفوعا بالوقائع عن كيفية قيادة سعد الحريري لتدمير هذه العلاقات عن بكرة أبيها، ولا يزال حاليا باسم التضامن مع حق الشعب السوري في الديمقراطية، فيما شعبه السعودي ينعم بديمقراطية لا نظير لها على وجه الكرة الأرضية؟
فاللبنانيون اليوم باتوا على موعد جديد مع إحدى حلقات استهداف هذا المثلث الذهبي دشنها النائب خالد الضاهر بهجوم عنيف على الجيش اللبناني، قيادة ومخابرات، ووصل به الأمر إلى حد دعوة ضباط وجنود في الجيش إلى التمرد وشطر المؤسسة العسكرية إلى شطرين وربما أكثر لحماية ما أسماها "مناطقهم". هجوم الضاهر صعق اللبنانيين وظنوا للوهلة الأولى انه عمل ارتجالي ينم عن مشكلة شخصية بينه وبين الجيش اللبناني تعود جذورها إلى أحداث الضنية ثم أحداث شارع المئتين في طرابلس ثم المعركة مع "فتح الإسلام" في مخيم نهر البارد، والتي تبين من كلام مصادر عسكرية رفيعة في الجيش اللبناني أن للضاهر ضلعا كبيرا ورئيسا فيها، وان تاريخه مسجل وموثق في ملف امني كبير كان سيتم توقيفه على أساسه وإحالته إلى المحكمة العسكرية لولا أن سارع تيار المستقبل إلى توفير الحصانة النيابية له.
لكن الصعقة الكبرى كانت عندما شاهد اللبنانيون حشدا نيابيا وقياديا من حزب المستقبل يقصد الضاهر في دارته ويتبنى خطابه وينزع عنه أي صفة شخصية، ليتبين انه موقف لحزب المستقبل، قيادة وقاعدة، من دون أي وجل من مخاطر سلوك كهذا. طبعا كانت تلك صورة فريدة التي جمعت بطل حفلة الشاي في مرجعيون، وصاحب شعار " طرابلس عاصمة السنة في لبنان"، والرأس الحامي جداً مصطفى علوش، ممن شكلوا حاضنة المستقبل لخالد الضاهر، ليتأكد اللبنانيون بالعين المجردة أن مجموعة الموتورين هذه لا تعبر عن توتر ذاتي بل تعبر عن قناعات قيادية ستساعد اللبنانيين في تفسير مقولة سعد الحريري "أنا أو بشار الأسد، ولن أعود إلى بيروت إلا من دمشق بعد سقوط رئيسها"، كما ستساعدهم على تفسير الكثير من حوادث إطلاق النار الذي أصاب فيها تيار المستقبل عسكريي الجيش اللبناني في محيط جامعة بيروت العربية شتاء العام 2007 وغيرها من الأحداث المتنقلة.
خلاصة هذه الوقائع تبين أن الحملة الآن انطلقت ضد ضلع الجيش في محور مكون القوة اللبنانية (الجيش والشعب والمقاومة)، ضمن خطة مدروسة يشترك فيها الإسرائيلي بالضغط على ما أمكنه من دول لعدم تزويد الجيش اللبناني بالسلاح بحجة إمكانية وصوله إلى يد المقاومة، فيما يتولى الاميركي مراقبة تنفيذ هذا البند وممارسة ما أمكنه من سلوكيات ابتزازية للجيش بالذريعة نفسها.
طبعا فضح المستقبل نفسه بإطلاق هذه الحملة بعد أيام قليلة جدا لا تتجاوز أصابع اليد من التشريح اللافت الذي قدمه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وبيّن فيه كيف يقود حزب المستقبل وفريق 14 آذار عملية ضرب النسيج الاجتماعي اللبناني ومحاولة زرع الفتنة والشقاق بين الطائفة الشيعية اللبنانية وبقية الطوائف اللبنانية الكريمة، من خلال محاولة إعطاء أي حادث امني بُعدا مذهبيا شيعيا، وربطه بمذهب لبناني آخر. وقد ساق السيد نصر الله الأمثلة الكثيرة عن توظيف أحداث فردية لا علاقة لها البتة بأي بعد طائفي أو مذهبي، وكيف اشتغل إعلام المستقبل و14 آذار على إعطاء خلفيات مذهبية وطائفية لها ليتبين لاحقا كذب ادعاءات "المستقبليين" وجماعتهم، مع الإشارة إلى أن هذا السلوك المستقبلي يأتي بعدما استعصى على هؤلاء إنبات بذور الفتنة السنية ـ الشيعية ولم يعد يمكن الحرث فيها، فانتقلوا إلى حقول مذهبية أخرى.
طبعا تزامنُ حملة حزب المستقبل على الجيش اللبناني مع اشتغالهم على ضرب النسيج اللبناني الاجتماعي يأتي في وقت لم ينسَ اللبنانيون بعد كيف دشن سعد الحريري حملته على سلاح المقاومة عندما خلع سترته في حركة بهلوانية أثارت سخرية جمهوره، قبل جمهور المعارضة في حينه. وقد كانت تلك الخطوة الإعلانية الأولى ـ التي بينت الوقائع ان لها جذورا سابقة كما فضحتهم وثائق وييكليكس في حرب تموز عام 2006 وفي حربهم على شبكة اتصالات المقاومة في أيار عام 2008 ـ في حملتهم لنزع الشرعية الشعبية عن المقاومة وتحويلها إلى " عصابة إجرامية" من خلال إلباسها ما أمكن من جرائم اغتيال وغيرها وقعت في لبنان ـ وربما في "إسرائيل" إذا ارتأوا ذلك! ـ لينالوا باسم "المحكمة الدولية" و"عدالتها" التي يترأسها قاضٍ هو صديق كبير لإسرائيل ـ اكبر كائن إجرامي عرفته البشرية مع الكائن الوحشي الاميركي ـ من صورة هؤلاء المجاهدين الشرفاء.
طبعا هذا العمل الذي يستهدف المس بصورة المقاومة يكشف عن خطة موضوعة وموصوفة تبين أنها ممولة اميركيا بخمسمئة مليون دولار وافق الكونغرس على صرفها، ويتولى فريق خاص في الخارجية الاميركية و"السي آي إيه" الإشراف على تنفيذها بأدوات لبنانية باتت معروفة يترأسها سعد الحريري وحزبه وما يلحق به من قوى 14 آذار، مع الاستعانة بأدوات إعلامية وسياسية عربية وأجنبية لهذه الغاية.
وهكذا تكون الحملة على ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة قد اكتملت، فهل هذا هو بسبب الخروج من السلطة؟ إذا كان هؤلاء يفكرون بهذه الطريقة، فأقل شيء يمكن وصفه به هو الجنون، لأن محاولة تدمير البلد عن بكرة أبيه تستدعي سؤالا للمبتدئين في علم السياسة وحتى الأميين فيه عن المكان الذي سيمارس فيه هؤلاء "الحزبيون المتحضرون المتعلمون" السياسة فيما لو لم يبق من لبنان شيء كما تقود إليه سلوكياتهم؟ وعليه يبقى السؤال عما اذا كان الجواب يكمن في جملة قصيرة تقول إن سياسة هؤلاء هي تدمير لبنان وإنهاء صيغته الراهنة استجابة لمشروع اميركي ـ إسرائيلي طالما نُشرت أوراقه البحثية والاستخبارية التي تتحدث عن خريطة جديدة للشرق الأوسط تعاد فيها صياغة الدول على أسس مذهبية وليس وطنية؟
المصدر: الانتقاد