جهينة نيوز:
يجمع كتاب "عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990-2000" لمؤلفته الدكتورة بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية، والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بين رواية المذكّرات وتوثيق المادة التاريخية لمرحلة شديدة الحساسيّة في الحياة العربية المعاصرة، وهي مرحلة محادثات السلام العربية- الإسرائيلية في العقد الأخير من القرن الماضي، ويعدّ هذا الكتاب الرواية الأولى عن محادثات السلام التي تكتبها شخصية سورية من الداخل، حيث تقدم د. شعبان وثائق تنشر للمرة الأولى تساعد حتماً على مزيد من تعميق فهم أسباب الصراع المستمرّ في الشرق الأوسط.
يقول الكاتب والباحث المغربي عبد الإله بلقزيز في تقديمه للكتاب: إن كتاب الدكتورة بثينة شعبان يشكل وثيقة تاريخية- سياسية في موضوع الصراع العربي- الإسرائيلي ومفاوضات التسوية السياسية، واقعها ومجرياتها، وخاصة في الدائرة التفاوضية السورية- الإسرائيلية، ويزيد من أهمية هذه الوثيقة وقيمتها أن التي كتبتها كانت شاهدة على ما جرى في فصول عملية التفاوض كافة، ومشارِكةً المشاركة المباشرة فيها.
ويضيف بلقزيز: إن هذا الكتاب سيسدّ نقصاً فادحاً نعانيه في هذا النوع من الكتابات التي تنتمي إلى ميدان التأريخ السياسي، والتي تقع الشهادة موقع القلب منها، وفي مُكني، متجرداً من أي اعتبارات المجاملة، أن أعترف لصاحبة النص بتفوق أدبي في مسائل ثلاث أتى الكتاب يميط عنها حجاب السرد، الأولى أن الشهادة لم تُغرق في السرد الكرونولوجي وإن هي حافظت للوقائع المروية على نظامها التسلسلي. والثانية أن تدوين الوقائع في الكتاب تحرّى مبدأ الإسناد ولاذ به في الأغلب الأعم. أما الثالثة فيقول بلقزيز: إن عضوية الباحثة في الوفود السورية المفاوضة في مدريد وواشنطن وسواهما لم تفرض عليها، في الكتاب، أن تلتزم موقع الشاهد، وهي ما فرضت عليها –قطعاً- موقع المبرِّر والتبريري (إلا في ما ندر)، بل هي لم تمنعها –وهذا هو الأهم- من إبداء رأي نقدي صريح في خيار التسوية والتفاوض، وكم هي كثيرة المناسبات التي تبرّمت فيها وتأففت من تلاعبات التفاوض وترهاته، فتساءلت عما إذا كان من الحكمة أن يشارك السوريون فيها.
في مقدمة الكتاب تروي د. شعبان حكاية أول مقابلة لها مع الرئيس الراحل حافظ الأسد صيف عام 1971، وكانت حينئذٍ طالبة نجحت في امتحانات الشهادة الثانوية، وكيف استقبلها القائد الخالد وحقّق لها أمنية المتفوقين من الطلاب السوريين الأوائل في المحافظات السورية كافة. ثم تروي قصة تكليفها عام 1991 بالعمل مترجمة بين السيد الرئيس وضيوفه والوفود التي تزور سورية واستمرارها في هذه المهمة حتى رحيل القائد الخالد في العاشر من حزيران عام 2000.
تقسّم د. شعبان كتابها إلى أحد عشر فصلاً كانت على التوالي: (الطريق إلى مدريد- طوبى لصانعي السلام- صعود بيل كلينتون- شهر عسل سورية وأمريكا في عهد كلينتون- الوديعة التي لم تكن قط- جوهر الصراع: الأرض- إرث يوسف العظمة- تفاهم نيسان- محادثات لاودر غير السرية- كارثة شبردستاون- الرجل الذي لم يوقع)، وفيها تروي بالتفصيل بالتاريخ والوثيقة مجريات المفاوضات التي جرت لإحلال السلام في الشرق الأوسط وموقف الرئيس الراحل حافظ الأسد منها ولاسيما خلال محادثاته ولقاءاته مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، فيما تعرض في باب ملاحق الكتاب رسالة جورج بوش الأب، ومن ثم رسائل بيل كلينتون إلى الرئيس حافظ الأسد ومحضر المحادثة الهاتفية بين بيل كلينتون وحافظ الأسد، إضافة إلى الأحداث المهمة التي رافقت عملية التفاوض بالتسلسل الزمني.
تقول د. شعبان: لقد عملت في إعداد هذا الكتاب عن عملية السلام السورية- الإسرائيلية أثناء أسوأ سنة في تاريخ سورية الحديث، فما سمّاه الغرب "الربيع العربي" بدأ في تونس، وبعد أن اجتاح مصر وليبيا، وصل إلى سورية في الخامس عشر من آذار عام 2011. والآن وبعد انقضاء ما تجاوز ثلاثة أعوام، فقدنا ما يزيد على 200 ألف شخص بين قتيل ومخطوف، وأكثر من ثلاثة ملايين شخص شُردوا داخل سورية وفي الدول المجاورة، وما تعلمته من هذه الأوقات الرهيبة هو أن أهم الأشياء لنا هو أن نعيش في سلام وانسجام، وقد أظهرت هذه السنة على نحو لا يقبل الشك أن الافتقار إلى السلام في الشرق الأوسط ذو تأثير لا يمكن التنبؤ به ليس في الصراع العربي- الإسرائيلي فقط، بل في السياسات الداخلية للبلدان العربية أيضاً.
وتضيف د. شعبان: لم يكن هناك شك في ذهني في أن تحقيق السلام هو قضية قيّمة، لكنني أشعر اليوم بذلك أكثر من أي وقت مضى على الإطلاق. البديل الوحيد للسلام هو الحرب، أو حروب صغيرة كثيرة تسبب الموت والتشريد لأعداد كبيرة من الأشخاص، ولكن العمل على أرشيف هذا الكتاب في القصر الجمهوري والخارجية ساعدني على التعايش مع الأزمة، فقد كانت قراءة أوراق حافظ الأسد ومحاضر جلساته تزيدني قوة وصلابة وتحملاً لما نمرّ به على صعوبته.
أخيراً.. يمكن القول: إن كتاب "عشرة أعوام مع حافظ الأسد 1990-2000" لمؤلفته الدكتورة بثينة شعبان يعدّ إضافة مهمة ونوعية للمكتبة العربية، ومعيناً ثراً بمعلوماته ووثائقه سيقصده الباحثون عن المعرفة والدارسون للتاريخ السياسي للمنطقة ولاسيما قضية الصراع العربي- الإسرائيلي الذي كانت سورية دائماً وأبداً محوره والرقم الأصعب فيه.
17:46
17:46
15:50
17:47
17:34
16:21
06:32
00:17
00:31