الأشجار .. معاندة الموت واختراع الحياة

الثلاثاء, 21 حزيران 2016 الساعة 18:38 | مجتمع, تحقيقات

الأشجار .. معاندة الموت واختراع الحياة

جهينة نيوز:.. أحمد علي هلال

تحت جسر السيد الرئيس ومقابل المتحف الوطني، وبالقرب من مجمع الفنادق، وفي حديقة المنشية بالذات، تجمع نفر من الفنانين الشباب لينطلقوا بمشروعهم المفتوح، سيأخذ عنواناً أولياً هو «ترميم الأشجار اليابسة» مشروع تشرف عليه وزارة التربية ومحافظة مدينة دمشق، لكن هذا المشروع سيكون جامعاً لغير هدف، انطلاقاً من تربية الذائقة الفنية في مجال النحت وصولاً إلى توظيف أهداف ورسالة جوهرها صوغ الهوية السورية بالمعنى الحضاري والثقافي الشامل، ويمكن لمن ينظر من علٍ على ما يصنعه أولئك الفنانين الذين اختاروا أشجار الكينا المعمرة أن يأخذه الفضول لبعض الوقت ليدرك انفتاح المشروع على الناس وفي وسط جلساتهم التي اختاروها في الحديقة العامة، ليقترب منهم أكثر ويقفوا على حقيقة ما تصنعه أيديهم من نحتٍ ورسومات تقرّب مفهوم الفن للناس وبرسالة مباشرة وغير مباشرة، تقول إن السوريين هم صنّاع الحياة.

*موفق مخول: الفن التشكيلي هو هويتنا الحضارية والثقافية... والروح السورية تعود

في موقع العمل بالذات التقت جهينة الفنانين المشاركين وحاورتهم في دلالات ومعاني مشروعهم النوعي، في قلب العاصمة دمشق، ومدى ما يحمله من رسائل واضحة وعميقة للناس فقد تحدث الأستاذ الفنان موفق مخول المشرف على المشروع الذي أكد أن المشروع طويل الأمد وخاضع للتطوير، والأهداف من وراءه هي أهداف وطنية وتربوية وإنسانية، فالأشجار هي رمز وطني ومن خلالها اخترنا أن نحييها وبطريقة فنية، من خلال النحت والتنفيذ أمام الناس العاديين، وحقيقة الأمر أن هذا الملتقى «ملتقى الشجرة» هو امتداد طبيعي لملتقيات عدة، فالثقافة تكمل بعضها، وانطلقنا لنغذي فضول الناس الذين يحاولون معرفة كيف يعمل الفنان، فكان هذا المرسم التشكيلي الحر، واحتراماً لحكاية الشجرة حافظنا عليها وعلى مكوناتها الطبيعية وأسرارها الإلهية، بالمحافظة على قشورها أيضاً، فهي حكاية وروح، وبطريقة خلاقة وجمالية وبمحبة، ولابد من شكر وزارة التربية ممثلة بالسيد الوزير هوزان الوز، الذي دعم هذا المشروع منذ انطلاقته في المزة، ومن خلال فريق عملنا الذي هو فريق غنيتس الذي سبق له العمل في مشروع المرايا في المزة، هو فريق إيقاع الحياة، ولفت الفنان مخول إلى أن هدف وزارة التربية كان «التربية خارج الصف» فنحن نهدف إلى خلق ذاكرة جديدة وربط التربية بالحياة والفن، فالفن هو في خدمة التربية والأخلاق، وأضاف: إن هدفنا الآخر هو رسم الابتسامة للشارع، لخلق الأمل فصراعنا مع الآخر لم يكن واضحاً لا سيما وأن –الآخر- الغازي جاء ليلغي هويتنا الوطنية التي ندافع عنها الآن، أنا أدافع عن هويتي كفنان، وشعبنا السوري يمتلك جينات ثقافية عمرها آلاف السنين، لذا فنحن كفريق عمل نرسم منحوتات آشورية وتدمرية، لنذكّر الناس بتاريخنا الفني من خلال النحت وهو ليس جديداً علينا لكننا نذكّر الناس بتقاليده، وللفن التشكيلي دور في الأزمة واستحقاقه هو هويتنا الثقافية والحضارية، فقد حررنا الفن من أمكنته الضيقة في الصالات والبيوتات الخاصة، لنستعيد جماهيرية الفن.

وهذه الشجرة رآها أكثر من مليون إنسان، وهي موضوع عملنا لنربح التحدي، فللوطن دين علينا لندفع فاتورة حبنا له، هذه هي روحنا السورية.

*الفنانة التشكيلية صفاء وبّي: من مرحلة الموت إلى مرحلة الحياة

في المقابل تحدثت الفنانة التشكيلية الأستاذة صفاء وبّي، التي أكدت أن مشاركتها بعمل نحت الأشجار اليابسة يهدف إلى نقل الشجر اليابس من مرحلة الموت إلى مرحلة الحياة، لكن بشكل فني من أجل إدراج الثقافة الفنية التشكيلية للشارع وللعموم، فقد أدخلنا بعض الرموز التاريخية لنربط تاريخ سورية من قبل الميلاد، من العصور الآرامية الفينيقية إلى العصور الحديثة، رموز إنسانية تحكي عن تاريخ سورية والأسطورة السورية، ولفتت إلى أن التعامل مع الشجرة بوصفها مادة صعبة، جعلهم يحافظون على الألياف بروح المحبة والتعاون وبالأدوات البسيطة، ومن خلال استخدام المواد الحافظة التي اقتضت معالجة معينة وإخراجاً جميلاً، ونوهت إلى أن العمل بدأ منذ أواخر كانون وفي ظل الأجواء الطبيعية القاسية، وستعمم هذه التجربة في المحافظات السورية بعد أن أُستقبلت بحفاوة بالغة.

*الفنان التشكيلي هشام المليح: النحت مباشر من أجل الحوار ومن أجل الارتقاء بالذائقة البشرية للمجتمع

فيما أشار الفنان التشكيلي هشام المليح، إلى أن جوهر المشروع هو العمل على موضوع الهوية السورية والأسطورة السورية ومن خلال مراجع متخصصة لها علاقة بالأسطورة والهوية والتاريخ، لذا آلينا على أنفسنا وبشكل جمعي أن نُعيد صوغ الهوية السورية، وبمفردات تشكيلية تقوم على استلهام الرموز والوجوه والأسماك والمنحوتات الآشورية والكتابة المسمارية، لنؤكد أن الإنسان السوري هو إنسان مقاوم، ومنذ آلاف السنين إلى نهاية الحضارة وخصوصاً الآن في وجه الاستهداف الكبير للوطن بتاريخيه وهويته وإنسانه، فقبل مئة سنة كان نهر بردى يمر من هنا، وفيه أسماك نهرية ولعل المشاهد سوف يرى تلك الأسماك منحوتة لندلل من خلالها على عمق حضارتنا، من خلال العمل في هذا الموقع الاستراتيجي المهم، وعلى مرآى من العامة أو كافة شرائح المجتمع، من الفنان إلى الخباز إلى المخرج إلى الناقد إلى المثقف إلى الإنسان العادي، فغايتنا إذن هي أن ينشأ حوار فريد بين مشروعنا ومختلف الشرائح الاجتماعية، فنحن لا نقدم عملنا إلى الغالوري لتراه النخبة، بل نقدم عملاً فكرياً وتاريخياً وتربوياً بحضانة شعبية، لنرفع من الذائقة البشرية للمجتمع.

*ثقافة النحت مباشر

الفنان التشكيلي هشام المليح أعاد إلى الأذهان مفهوم ثقافة النحت, وبوصف النحت بالطريقة المباشرة أمام الجمهور سيخلق تفاعلاً مع الذائقة العامة، وبذلك ترتقي أفعال الفن بوجوهها التربوية في مسار الأزمة، والأدل هي أشكال الدفاع الذكي عن الوطن من خلال الفن، بوصفه رسالة دائمة، رسالة الحوار المفتوح مع الشرائح المجتمعية، واستعادة لأدوار حضارية.

*الفنانة التشكلية رجاء وبّي: الشجرة ذاكرة وطن

وفي سؤال لجهينة حول سبب اختيار أشجار الكينا لتنفيذ المشروع، وأين يرتقي هذا العمل بما يستهدف الهوية الثقافية السورية؟، قالت الفنانة التشكيلية الأستاذة رجاء وبّي: اخترنا هذا المكان وسط العاصمة السورية دمشق، وهاتان الشجرتان المعمرتان مازالتا شاهدتان على مراحل زمنية مرّ بها الشعب السوري، وفيهما ذاكرة وطن، تلك الذاكرة الجمعية التي أحببنا أن نجسدها فناً ورؤية، ومن خلال المفردات التشكيلية، فالشجرة رمز العطاء، لذلك اخترنا هذه الطريقة البصرية للإنسان السوري، ثقافة حية مباشرة، ولعل الانعكاس الإيجابي لهذا المشروع ما أعطى للعمل دافعاً فكان بالنسبة لهم جرعة إنعاش، فهو موجه لكافة أفراد المجتمع، يلامس الروح السورية، ويدعو إلى تذوق الجمال، وبذلك نكون قد وصلنا إلى الهدف الذي أردناه، واستعادت الفنانة ذكريات طفولتها حينما كانت تأتي إلى معرض دمشق الدولي، وتقف في ذات المكان لتتحسس من خلال الشجرة جذورها التاريخية والحضارية، فكانت مساهمتها الفنية-التشكيلية، عودة لإحياء رموز دمشق.

*ملتقى الشجرة وأصداء النقد التشكيلي

نحن نحاور النقاد والنحاتين والفنانين بهذا العمل، وكثير منهم يمرون بصمت دون أن ينشغلوا به، فهم مدعوون للعمل وهذا العمل ليس حكراً لنا، هذا ما أكده الفنان هشام المليح الذي دعا إلى الحوار بين فريق مشروع «إيقاع الحياة» والفنانين والنقاد، لكنه أشار إلى القليل منهم الذين مروا ولفتوا إلى أهمية العمل، ولطالما كانت الحرب على الهوية والتاريخ والذاكرة، كان مشروع فريق إيقاع الحياة بوصفه دفاعاً راقياً وبأدوات الفن، عن الحقيقة السورية، التي لا يستطيع الظلاميين إنكارها أو النيل منها، فالجسم يفنى والرسم يبقى.

وهكذا تنهض سورية بإرادة فنانين اختاروا طواعية وبمفرداتهم التشكيلية وتنوع أعمالهم، على الأشجار أن يحيوا ذاكرة الوطن، وأن يستعيدوا ألقاً حضارياً لا يخبو، ومازال في الأبجدية يجذر حضور السوريين هوية وتاريخاً وامتداداً.

http://jouhina.com/magazine/article.php?id=3706


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا