جهينة-وائل حفيان:
«المستحضرات الدوائية المزوّرة» آخر صيحات سوق الأدوية السورية، فتجّار الأدوية لم يعودوا هذه المرّة بأدوية منتهية الصلاحية أو مهرّبة، إنما ابتكروا أصنافا ومستحضرات دوائية مزوّرة – بالاسم والعلامة والفعالية والشكل- بأيدٍ وخبرات محلية صرفة. فالتزوير الذي يتم تحت مسمى «الأدوية الأجنبية» عملاً بمقولة (الفرنجي برنجي) يسهم في تصنيعه ممن أدوا القَسم الطبي المهني – صيادلتنا وأطباؤنا– لا بل يروجونه على أنه البلسم الشافي لجلّ علل وآلام أولئك المرضى الذين أعيتهم الأزمة ومفرزاتها، حتى باتت شكواهم لغير المولى مذلّة.
عملية ترغيب المرضى وذويهم بأصناف محدّدة من الأدوية دون غيرها تكون من باب الخواص والمادة الفعالة وطيف المعالجة الواسع، علما أن الدواء يكون مزوّرا مئة بالمئة وكذلك ثمنه خيالي، قس على ذلك عشرات أصناف أدوية المسكنات والمضادات الحيوية والفيتامينات وبعض الأدوية المخدّرة، بصرف النظر عن تأثيراتها الجانبية وتداخلاتها الدوائية، وذلك على مرأى من جهات الرقابة التي تبادل المزوّرين والمستفيدين «رقصة التانغو».
وقائع
يبدو أن المواطنين قد أصبحوا ضحايا المؤتمنين على حياتهم من صيادلة وأطباء،البعض منهم، همهم الوحيد الكسب المادي غير المشروع، حيث تباع لهم الادوية المزورة على انها أجنبية ذات فعالية مضاعفة مقارنة بالوطنية التي عادة ما تخضع للرقابة ولو بعد حين.
«والد الطفل علي» في حديث مع «جهينة»، ذكر ان ابنه تعرّض لاختلاطات جراء تناول مضاد سعال أجنبي وصفه له طبيب، ما دفعه لإسعافه الى أحد المشافي، فتبين بعد الفحص ان الدواء الذي تناوله هو السبب، حيث تغيرت ملامح الطفل وارتفعت حرارته وأصابه إقياء شديد.
حال «ماري» ليست بأفضل من سابقها، كونها مواظبة على تناول أحد الاصناف الدوائية القلبية منذ خمس سنوات، فحالتها – وفقا لما تقوله- ظلت مستقرة طيلة تلك الفترة الى ان اضطرت لتبديل الدواء بعد مراجعة الطبيب المشرف والذي وصف لها دواء اجنبياً، وحينما ارادت صرف الوصفة أخبرها الصيدلاني انه غير متوفر حالياً وانه يستطيع تأمينه لكن بسعر مرتفع، فقبلت لتتفاجأ بعد يومين من تناوله بسوء حالتها وبعد اسعافها تبين ان الدواء الذي تم صرفه «مزوّر» علما انه يحمل الاسم والتركيب نفسه. وتساءلت «ماري» عن دور وزارة الصحة واجهزة ومديريات الرقابة الدوائية ونقابة الصيادلة التي تغض الطرف عن دخول هذه الأصناف الأسواق وتنتشر في الصيدليات دون مراقبة.
الفرنجي برنجي
لا محال أن فعالية الدواء المديدة تدخل ضمن خطة الترغيب التي يتبعها المرّجون الافتراضيون.
مريم( 45) عاماً تؤكد ان فعالية الدواء الأجنبي أفضل من المحلي، خاصة ما يخصّ الأمراض المزمنة، فالأطباء ينصحون بالدواء الأجنبي كون تأثيره اقوى والمادة الفعالة مركّزة أكثر، فهي غالباً ما توصي الصيدلاني بأن يجلب لها بعض الأدوية الأجنبية من لبنان.
من جانبه يقول علي: « لا أثق بالدواء الأجنبي المهرّب، بعد أن أصيب أحد أقاربي بأزمة صحية إثر تناول صنف دوائي، اذ تبين انه مزوّر، لكن كثيراً من الأطباء المعروفين والمشهورين لا يقبلون بالأدوية المحلية كبديل للدواء الأجنبي ويحملون المريض المسؤولية في حال عدم الشفاء.
رأي المختصين
«جهينة» زارت بعض الصيدليات لتتابع موضوع الأدوية المزورة، فالتقت محمد صاحب صيدلية في احدى ضواحي دمشق ليقول: أنا كصيدلي لا أثق بالأدوية الأجنبية التي تصل الى الصيدليات دون ترخيص وزارة الصحة بشكل عام، لكن الأطباء يصفون دواء أجنبياً ويقنعون المريض بأنه أفضل من الوطني، وأن الصيادلة يضطرون في بعض الأحيان للتعامل بالأدوية المزورة، خاصة عندما يصرّ الأطباء على استخدام الأدوية الأجنبية غير المتوفرة في السوق بشكل نظامي.
فالأدوية المهرّبة –وفق محمد- غالباً ما تكون مزورة خصوصاً في هذه الازمة لأنها لا تحمل ترخيصاً نظامياً، وحتى موزعو الدواء الأجنبي معرفون من قبل الصيادلة، معتبراً أن أكثر الصيدليات تبيع أدوية مزورة تكون في أماكن محددة ولها وضع معين وهم قادرون على تصريف بضاعتهم بسرعة خاصة قرب المشافي أو في المناطق الراقية، حيث الطلب مرتفع على الأدوية الأجنبية.
الرقابة غائبة
ولدى سؤاله عن آليات الرقابة على الصيدليات من قبل النقابة يؤكد: لم يسألني أحد من الجهات الرقابية على وجود أدوية مهربة أو غير مرخصة منذ زمن طويل، غير إذا كانت هناك شكوى بحق صيدلية محددة.
اما الصيدلانية «وفاء» فقالت:ان الدواء غير المرخص بشكل عام يباع على أساس أنه مهرب ويوصى عليه بشكل شخصي. وأردفت: «اعتدنا على وصفات بعض الأطباء التي تحوي بعض الأدوية الأجنبية لذلك نضطر لبيعها في الصيدلية لكي لا تذهب الوصفة لغيرنا، وان أكثر الادوية المطلوبة هي المقويات الجنسية والفيتامينات لنفخ العضلات».
اما الصيدلي ايمن، فعزا أسباب انتشار الأدوية المزورة إلى ظروف الأزمة التي انتجت تجاراً ومزورين، هدفهم الأول والأخير الربح المادي وليس حياة المواطن، بالإضافة إلى إصرار الأطباء على التداوي بالأدوية الأجنبية حصراً ورفض البديل او المنتج الوطني، لافتاً الى ان المخالفات تكون في صيدليات لا يكون فيه الصيدلي.
ورأى ايمن أن الكثير من التجار الذين يروجون لهذه الادوية والمستحضرات يعملون ضمن شبكات، بدءاً من تهريبها من خارج الحدود الى تصريفها، داعياً جميع المسؤولين إلى متابعة الموضوع للوصول إلى رأس الشبكة وعدم الاكتفاء بالقاعدة العاملة بالتزوير.
على عينك يا تاجر
فيما قال الصيدلي علاء: إن الصيدلي نفسه غير قادر على معرفة الدواء المزور عندما يتعامل مع تلك الأدوية المهربة «وهي مسؤولية أجهزة الرقابة، فالصيادلة عادة لا يتعاملون مع الأدوية المهربة لكثرة المشكلات التي تنجم عن بيعها، وما قد تلحقه من أذى على الناس و»هذه مسؤولية كبيرة لأن الصيدلي صلة الوصل بين الجهة المهربة والمريض.
من جهته قال م. ع صاحب شركة لتوزيع الادوية: إن الأدوية المزورة والتي تسمى بالأدوية الاجنبية، لم تعد تدخل عبر التهريب بل أصبحت تصنع في داخل البلد على أساس أنها مهربة، وعلى رأسها الأدوية الجنسية والفيتامينات ومستحضرات التجميل بالإضافة إلى بعض الأدوية غالية الثمن.
وتابع صاحب الشركة إن الرقابة سيئة جدا، فالأدوية المزورة أو المهربة تباع في الصيدليات وبشكل علني»، مبيناً أن نسبة الأرباح تتراوح بين 100و200% مما جعل الصيدلي يعمل على تسويق هذا المستحضرات.
رأي نقابة الصيادلة في سورية بينه امين السر الدكتور طلال العجلاني لـ جهينة قائلا: ان نسبة الأدوية المقلّدة في سورية بحدود 10% وهي تهرب او يتم التلاعب بها من قبل ضعيفي النفوس.
شهادات مؤجرة
وعن الرقابة الدوائية، قال العجلاني إن «الرقابة تتم بعدة طرق فهناك لجان مشتركة مع وزارة الصحة، بالإضافة إلى الرقابة التي تقوم بها فروع النقابة»، مشيراً إلى أن النسبة الأكبر من المخالفات المسجلة تتعلق في غياب الصيدلي عن صيدليته، حيث يؤجر البعض شهاداتهم ليتم ترخيص صيدلية على أساسها، مبيناً أنه في حال عدم وجود الصيدلي يتم إغلاق الصيدلية مدة شهر ويحال الصيدلي إلى مجلس تأديبي وفي حال أحيل الصيدلي ثلاث مرات إلى المجلس يمنع من مزاولة المهنة، فيما يحال المتواجد في الصيدلية إلى القضاء.
وأشار إلى أن الدواء المزور معروف من قبل الصيادلة فهو يباع بشكل غير نظامي إن كان من جهة المستودع أو الموزع، ومعظم الأدوية المزورة هي باهظة الثمن كأدوية الأمراض المزمنة والأدوية النفسية التي يصعب ترخيصها أو لكثرة الطلب عليها كالفيتامينات والمستحضرات الجنسية، بالإضافة إلى بعض مستحضرات الأعشاب الطبيعية حيث تضاف لها مواد كيماوية وتباع على أساس أنها طبيعية بعشرة أمثال سعرها الحقيقي كالمنحفات الطبيعية».
اللصاقة الدوائية لم تلقَ آذاناً صاغية
وأكد العجلاني أن النقابة رفعت إلى الحكومة كتاباً تضمن ضرورة اعتماد اللصاقة على الأدوية منعا للتزوير أو تداول الأدوية المزورة، وخصوصاً من بعض الدول المجاورة التي تشكل خطراً في تهريب الأدوية غير الصالحة إلى داخل البلاد، مشيرا إلى أن اللصاقة أقرّت في المؤتمر العام الذي عقد في عام 2013 ورفعت المقترحات إلى وزارة الصحة لإقرارها إلا أن ذلك لم يلق آذاناً صاغية حتى الآن من دون أن يوضح أسباب تجاهل إقرار اللصاقة على الأدوية.
اللصاقة هي الحل
وأشار العجلاني إلى أن هناك رقابة شديدة بالتعاون مع وزارة الصحة على الصيدليات لمنع بيع أي أدوية مهربة أو مزورة أو نفسية من دون وصفة طبية،مشدداً على ضرورة اعتماد اللصاقة على الأدوية للحد من حالات التهريب بشكل كبير ومنع تداول أدوية مزورة قد تكون سامة.
وبين العجلاني اننا نسحب جميع الادوية المزورة التي تعمم اسماؤها من وزارة الصحة، مثل منتجات زيرا التي تم التعميم بسحبها من جميع الصيدليات وهي من الشركات الرائدة، كذلك الانسولين الذي لا يستطيع كشفه الصيدلي والعائد انتاجه لشركة آسيا.
دراسة ضرورية
وبالنسبة لوجود الدواء المهرب ضمن الصيدليات قال العجلاني: تجب إعادة تنظيم وهيكلة ودراسة جدية تضم جميع الأصناف التي يحتاجها السوق والتي تتم عن طريق سد الحاجة من جميع الأصناف، وتسهيل أمور التصنيع لمعامل الأدوية لكي يصل الدواء لجميع المواطنين بالسعر المناسب وبإشراف جميع المعنيين على عملية التصنيع ، مضيفاً ان الدراسة يجب ان يشترك فيها جميع المعنيين بالملف الدوائي مثل وزارات الاقتصاد والصحة والمالية بالإضافة لكلّ النقابات التي تعنى بهذا الشأن لدراسة النواقص وتأمينها لجميع الصيدليات، مضيفاً انه لا يوجد تعاون بين هذه المؤسسات وعلى رأسها وزارة الصحة التي لا تبدي أي تعاون بهذا الصدد.
تقاذف مسؤوليات
ويقول العجلاني انه لا بد من قول كلمة حق بان الصيدلي لا يهرب الدواء وتجب محاسبة المسؤولين عن عملية التهريب، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى توفير البديل كي لا يجرؤ أي أحد على تهريب الأدوية، عازياً وجود المستحضرات الدوائية غير النظامية وزيادة التقليد الاعمى والتهريب هو نتيجة فتح المراكز الحدودية بسبب الأعمال الإرهابية والتي استغلها بعض التجار للتهريب والتزوير.
كما أشار العجلاني الى ان هناك بعض المستحضرات التجميلية تم سحبها من الأسواق نتيجة عدم تسجيلها في وزارة الصحة تسجيلاً وتصنيعاً وفي حال لم يتم ذلك يمنع بيعه، مبيناً ان الرقابة عليهم من قبل وزارة الصحة في وقت الترخيص وفي الانتاج لا تتم مراقبتهم لانشغال الوزارة بالأدوية.
بالنسبة لمخالفات بعض الصيدليات ببيع الأدوية المزمنة مثل ادوية الكلية والأدوية السرطانية التي ينحصر توزيعها في المشافي والمستودعات الحكومية أكد العجلاني نحن كنقابة صيادلة لا نتدخل فيها الا في حال ضبطها تباع ضمن الصيدلة حينها يحال الصيدلي الى مجلس التأديب ويتم اغلاق الصيدلية من ثلاثة الى ستة اشهر وغرامة مالية تقدر بـ 300 الف ليرة سورية.
وتشير بعض الدراسات إلى أن 20 بالمئة من حوادث تزوير الأدوية تستهدف الدواء السوري، فيما يستهدف 80 بالمئة منها الدواء الأجنبي.
ويأخذ التزوير أشكالاً متعددة منها وضع الدواء المزوّر في عبوة تشبه العبوة الأصلية أو وضع لصاقة لتمديد تاريخ انتهاء الصلاحية أو التلاعب بتركيبة الدواء أو إخفاء رقم التحضير أو وضع الدواء المزوّر في عبوة مغايرة للعبوة الأصلية.
ويعاقب المرسوم الجديد كل من يخالف أحكامه المتعلقة بتجارة الأدوية بغرامة مالية تترواح بين 100 ألف (حوالي 2200 دولار) إلى 300 ألف ليرة سورية (حوالي6600 دولار).
وينص على معاقبة كل من قام أو اشترك عن قصد بتزوير المنتج الطبي أو الاتجار به بالأشغال الشاقة من 5 إلى 10 أعوام وبغرامة تعادل ضعفي قيمة المواد المصنعة.
وفي حال تسبب المنتج الطبي المزوّر بالوفاة أو عاهة دائمة أو أثّر على صحة الأشخاص فيحكم المزوِّر بالأشغال الشاقة مدة 20 عاماً وبغرامة تعادل ضعفي قيمة المواد المصنعة.
نقلا عن مجلة جهينة
http://jouhina.com/magazine/article.php?id=3775