جهينة نيوز:_عبد الباري عطوان
نجاح مؤتمر الآستانة الذي اختتم يومه الأول يتمثل في انعقاده أولا، وجلوس الوفدين السوري الرسمي من ناحية، وفصائل المعارضة المسلحة من ناحية أخرى، على الطاولة نفسها، وفي الغرفة نفسها في سابقة لها الكثير من الدلالات المستقبلية، فالجانبان وضعا السلاح جانبا، وبدأوا التفاوض على التفاصيل كمقدمة للتفاوض على الحل السياسي.
تغير اللاعبون، وتغير الحكام، وتغيرت قوانين اللعبة، ولكن لم تتغير النوايا والاهداف النهائية لكل طرف مشارك.. فالحكومة لم تعد ترى في الفصائل المسلحة جماعات إرهابية خارجة عن القانون، في المؤتمر على الاقل، والفصائل هذه لم تعد تتحدث عن “الطغيان” واسقاط النظام كشرط لاي تسوية سياسية نهائية، بل اصبح النظام “الدموي” شريكا اصيلا في المفاوضات لتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار، كخطوة أولى فاتحة للشهية قبل الصحن الرئيسي.
جميع مؤتمرات السلام التي انعقدت حول سورية في السنوات الثلاث الماضية، وبما فيها مؤتمر الآستانة الهدف منها “التطبيع″ وكسر “الحاجز النفسي” بين المعارضة والحكومة والسورية، ولهذا ليس مهما ان يتشاجر الطرفان ويتبادلا الاتهامات او يختلفا على جدول الاعمال، او توزيع المقاعد، فهذه أمور متوقعة تحدث في كل المؤتمرات المماثلة، لكن المهم هو الجلوس وتبادل النظرات، وانخفاض حدة “تغويل” الخصم.
في البداية كان هناك المجلس الوطني السوري (الدوحة)، ثم هيئة الائتلاف الوطني (إسطنبول)، وبعد ذلك الهيئة العليا للمفاوضات (الرياض)، والآن الفصائل المسلحة التي تتواجد على الارض السورية وليس في المنافي الفارهة، وهذا تطور على درجة كبيرة من الأهمية بمعايير السياسة المتبعة، فشرعية المعارضة انتقلت من الخارج الى الداخل السوري، وهذا تطور مفصلي على درجة كبيرة من الأهمية.
***
المعادلة الجديدة تتمثل في بروز قطبين يتقاسمان الأدوار، الأول تركيا التي باتت “المتعهد” الرسمي لفصائل المعارضة المسلحة، وروسيا التي باتت “وكيل” الحكومة السورية، ومن الطبيعي ان تشعر ايران بالغضب من جراء هذه “القسمة”، التي همشت دورها ولو مؤقتا، والشيء نفسه يقال أيضا عن دول عربية لعبت دورا رئيسيا في الازمة السورية مثل السعودية وقطر، علاوة على أخرى غربية.
السيد محمد الشامي عضو وفد المعارضة المشارك في مؤتمر الآستانة، كشف في حديث لوكالة الانباء الألمانية عن “اتفاق” يدور حول عملية انتقال سياسي دون المساس بشخص الرئيس السوري بشار الأسد، أي تشكيل حكومة وطنية في ظل وجوده، أي الرئيس الاسد، وان تركيا وروسيا يقفان خلف هذا الاتفاق الذي يدور الحديث عنه همسا في أروقة الاستانة، ولم يطرح رسميا على الوفود المشاركة، حسب قوله.
نميل الى ترجيح ما تحدث عنه السيد الشامي، وما يجعلنا نصل الى هذا الاستنتاج، هو ما طرحه قبل أيام السيد محمد شميشيك، نائب رئيس الوزراء التركي، في مداخلة له في مؤتمر دافوس السويسري الشهير، التي اعترف فيها، وننقل حرفيا (بعد ان تابعناها بالصوت والصورة) “ان تسوية الازمة السورية بدون الرئيس السوري بشار الأسد تعد في الوقت الراهن أمرا غير واقعي”، وأضاف “الأسد يتحمل مسؤولية معاناة الشعب السوري، لكن يجب ان نكون براغماتيين، وان ننطلق من الواقع، فالوضع تغير جذريا، ولذلك لا يمكن لتركيا ان تواصل الإصرار على تسوية بدون الأسد، وانه امر غير واقعي”.
حديث الطرفين الضامنين لمؤتمر الآستانة (تركيا وروسيا) عن حصره في الجوانب العسكرية فقط، يعكس عملية تضليل متعمدة، للإيحاء بعدم تهميش المعارضة السياسية بشقيها، سواء الهيئة العليا للمفاوضات، او الائتلاف الوطني، كما ان دعوة ستيفان دي ميستورا، المبعوث الدولي الى الآستانة، والحديث عن استئناف مؤتمر جنيف لاعماله يوم الثامن من شباط (فبراير) المقبل، كانت للايحاء بأن ما يجري حاليا من مفاوضات يتم تحت المظلة الدولية وقراراتها، أي ان دوره سيكون دور شاهد الزور، لان من يدير المشهد هو التفاهم الروسي التركي الجديد، وربما ادركت إدارة دونالد ترامب الجديدة هذه الحقيقة، وتغيبت عن المشاركة مدعية انشغالها بترتيب أوضاعها الهيكلية والإدارية.
الدكتور برهان غليون الرئيس الاول للمجلس الوطني السوري، كان مصيبا عندما ابدى مخاوف من امرين أساسيين في تقييمه لمؤتمر الآستانة:
الأول: حدوث انفصال للفصائل المسلحة المشاركة في المؤتمر عن المعارضة السياسية، مما قد يؤدي الى حدوث شرخ في وحدتها ومصداقيتها أيضا.
الثاني: تغيب مرجعية الأمم المتحدة، واستبدالها بمرجعيات أخرى، في إشارة للحلف الروسي السوري الجديد.
***
هذه المخاوف في محلها، فالشرخ لم يعد قائما بين الفصائل المسلحة التي تملك وجودا على الأرض والهيئات السياسية المقيمة في المنافي فحسب، وانما أيضا بين هذه الفصائل والأخرى المسلحة التي لها وجود على الأرض، مثل “الدولة الإسلامية”، و”فتح الشام”، و”احرار الشام”، فمن اهم البنود التي من المتوقع ان يتضمنها البيان الختامي ان تلتزم الفصائل المشاركة في مؤتمر استانة بالحرب على الارهاب، ومحاربة كل الفصائل المدرجة على قائمته، اي ان تتحول الى “صحوات” بطريقة او بأخرى، أي “صحوات” تركية روسية.
مؤتمر الآستانة في تقديرنا هو التطور الأخطر في الازمة السورية، واهم “انجاز″ حققته روسيا بعد سقوط حلب وتدخلها العسكري في سورية.. فهذا المؤتمر سيحدد اول ملامح سورية المستقبل.. وقد يرسم الصورة الأساسية للتسوية المرحلية ومن ثم النهائية.. والأيام بيننا.
22:43
06:10