جهينة نيوز:
لايكاد يكتمل المشهد السياسي الدولي في عالم اليوم من دون أفلام الاثارة والرعب التي تنتجها هوليوود مجلس الأمن وفريق التمثيل التراجيدي والدراما الذي يبرع فيه ممثلو بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الذين يحولون مجلس الأمن الى مجلس عزاء يولولون فيه ويقومون بدور أهل القتيل ويطالبون بالثأر وغسل العار .. والحق يقال فان السياسة صارت مملة دون موسم مهرجانات أفلام وعروض الفيلم السوري التي تبلغ ذروتها كلما مرت جبهة النصرة بنكبة من النكبات .. بالرغم من أن مواسم الأفلام الهندية والمكسيكية والتركية قد انتهى ليحل محلها أبطال مسلسل الثورة السورية فان متابعة الاحداث الحالية التي يرويها لنا مجلس الأمن تجعلنا ندخل عصر مواسم أفلام الخيال العلمي حيث تظهر أسلحة عجيبة كيماوية تدخل فقط خياشيم الأطفال والضحايا المدنيين ولكنها تنعش المسعفين والمسلحين الذين يتجولون بأنوف عارية مفتوحة يستنشقون فيها الهواء العذب ولايرتدون بزات واقية فيما الأجواء تختنق بالغازات السامة .. فقصص مجلس الأمن التي يكتبها له أبطال الفيسبوك والتويتر تنتمي الى فئة روايات الخيال العلمي الخارقة من صنف حرب النجوم وملك الخواتم .. وبالرغم من أن الحملة التي يقودها اعلام حرب النجوم والخيال العلمي الغربي قد يعطي انطباعا بأن هناك هجوما وشيكا على الدولة السورية وأن جولة جديدة من الضغط العسكري والابتزاز في طريقها عبر أنين الاعلام الغربي ونحيبه وعويله .. وبالرغم من أن المشهد العام سيثيرعند البعض القلق أو الغضب فانني أستطيع ان انظر اليه على أنه احدى الدلائل على أن الوضع العسكري للمعارضة ليس على مايرام وأننا بصدد انطلاق معركة هامة للغاية ستكون نكبة أخرى من نكبات المشروع الغربي وهزيمة منكرة للمجموعات المسلحة .. فحجم المبالغة في الألم والتفجع والتهويل وتصعيد الاتهامات يبدو أنها خطوة وقائية إعلامية يقصد بها ضربة وقائية لمنع تحرك عسكري سوري أو لايقاف خطة تنتظر ساعة الصفر .. واذا أردنا أن نقرأ الأحداث السياسية بمنطق المقارنة والتحليل والقياس فاننا بمراجعة بسيطة لمسيرة الأحداث في سورية نجد أنفسنا أمام ظاهرة ملفتة للنظر وهي أن الحملات الإعلامية المتفجعة التي تصل الى مجلس الأمن تسبق دوما عملية عسكرية سورية ولاشك أن مجسات الاستخبارات ووسائل الاستطلاع والتحليل ترصدها وتتوجس منها وتدرك عجزها عن منعها .. وأذكر ذلك منذ أيام بابا عمرو حيث استنفر العالم عندما بدأ الجيش السوري يحشد القوات الخاصة لاقتحام بابا عمرو وطرد الإرهابيين منها .. ويومها أدلى كل ساسة العالم بأصواتهم المنذرة والعالية الوتيرة .. حتى وليد جنبلاط تحدث عن عاصمة الثورة التي ان سقطت سقطت الثورة والحرية .. ويومها نفذ صبر اردوغان تماما وانتشرت رسائل خالد أبو صلاح وداني من قلب حمص الى كل بيت في أميريكا عبر السي ان ان وكانت الجزيرة تبث بشكل مباشر وقامت فرنسا ولم تقعد ودعي مجلس الأمن للانعقاد وهو يتلو تقارير وصورا عن مذبحة حدثت وعن مجازر وشيكة .. وكان كل هذا من أجل منع تحرير بابا عمرو وإبقاء بؤرة حمص كالسكين في قلب سورية .. ولكن دقت ساعة الصفر وتدفقت القوات الخاصة السورية الى قلب بابا عمرو واقتلعت قلب الإرهاب النابض في تلك المنطقة .. ونسي العالم بابا عمرو الى الأبد .. ثم عندما اقترب تحرير الغوطة ووصلت تقارير الاستغاثة من غرف العمليات لايقاف انهيار جبهة الغوطة التي كان من المتوقع حسب تقارير الاستخبارات الغربية انها قاب قوسين أو أدنى من الانهيار وأن طلائع القوات السورية ستصل الى قلب العصيان المسلح خلال أيام قليلة .. وصار من المعروف أن ادعاء هجمات الغوطة الكيماوية ترافق مع حدثين هما وصول لجان التحقيق عن استخدام الأسلحة الكيماوية في خان العسل والحدث الثاني وهو الأهم حصول انكسار في دفاعات مسلحي الغوطة الذين انهارت خطوطهم بشكل دراماتيكي وكادت الغوطة تصبح محررة في خلال أيام اثر فجوة عسكرية هائلة حدثت بسبب استدراج آلاف المسلحين الى بقعة قتل وابادة تركت فراغا واسعا في خطوط الدفاع للإرهابيين سيتدفق منها الجيش السوري بسهولة الى الغوطة .. وكان على الغرب التصرف بسرعة .. فتصاعدت الأخبار عن هجوم كيماوي وارتفع التوتر في العالم كله خلال ساعات وتوقف هجوم الجيش وهو يرى اقتراب أساطيل أوباما التي سبحت بسرعة وتوقفت قرب الشواطئ السورية .. وكانت هذه الحركة هي التي أنقذت جيش الإسلام من هزيمة محققة ماحقة .. وفي مرحلة لاحقة عندما تبين أن الاستعدادات اكتملت لتحرير حلب وأن القرار السياسي بين الحلفاء قد حدد ساعة الصفر خرج صراخ العالم وصار اسم حلب أشهر من اسم هيروشيما ودخلت حلب البرامج السياسية والسهرات والندوات للانتخابات الرئاسية والبلدية والبرامج الصباحية وحتى برامج الطبخ ومسابقات ملكات الجمال .. وسمعنا شعارت حلب تحترق ولبس العام قمصانا حمراء وسمعنا بأهوال القصف الروسي وراينا صورا للطفل عمران وأخرجت بانا العابد من بين الأنقاض وصارت تراسل أطفال العالم .. وعند هذه المرحلة أيقنت أن حلب صارت قريبة من التحرير لأن المعارضة المسلحة بالإرهاب صارت نزقة جدا ولأن الاعلام الغربي أصيب بنوبة من العصبية والنرفزة والهياج وهو يرى نفسه عاجزا عن فعل شيء .. وهي مؤشرات تبشر بأن ميزان القوى العسكري يميل جدا لصالح الجيش السوري .. وكلما ارتفع الصراخ كنت أحس بالثقة أكثر من أن قدرة الغرب على انقاذ مسلحي حلب ضعيفة جدا وأن عزم حلفاء المعارضة على انقاذها عسكريا يشبه عزم السعودية على تحرر فلسطين من البحر الى النهر .. لأنني ومن خلال تجربتي في متابعة السياسات الغربية كنت أدرك أن الغرب عندما يكون على ثقة من انتصار حلفائه فانه يصاب بالبرود واللااكتراث ويتصرف وكأنه يعيش في المريخ ولايزعج جمهوره المشغول بأسعار السلع والعقارات وساعات العمل وقوانين الهجرة بأخبار عن مدن تحترق طالما أنها لن تسقط بيد خصومه كما يحدث اليوم في مجازر اليمن .. ولكنه عندما يحس بأن خصومه ينتصرون ضد حلفائه فانه يستنفر ويحول هم المواطن العادي الى هم مرتبط بتلك المعركة .. وطبعا تحررت حلب وغابت كليا خلال ايام عنكل المشعد العسكري والسياسي ونسي العالم كل الصراخ والعويل وبدا ابطال التويتر والفيسبوك الذين كتبوا الأساطير يتلاشون ويتبخرون من ذاركة الناس .. لذلك فان اجراء قياس على سوية الصراخ والتهويل هذه المرة مع معلومات متقاطعة عن انطلاق عملية عسكرية سورية هامة سيقودنا الى استنتاج أن الميزان العسكري للمعارك الآن صار يميل بقوة الى جانب الجيش السوري وتجلى ذلك منذ تحرير حلب وفشل هجوم الغوطة وحماة حيث ظهر عجز واضح في أداء المجموعات الإرهابية في الصمود أو في اطلاق هجوم وتثبيت أي تقدم أو التمدد خارج الاسوار التي تحيط بها .. ولم يعد من الممكن انكار أن الأداء العسكري للنصرة وأخواتها تراجع منذ أن ظهر الخور والضعف في معركة حلب التي قصمت ظهر النصرة .. من يستمع الى الاعلام الغربي وبيانات بريطانية وفرنسة عن استعمال الجيش السوري لأسلحة كيماوية مجددا وعدم تقيده بأي قواعد وأخلاق الحرب لاشك انه سيحس ان هذا الجيش لن يتردد في استعمال السلاح الذري في معاركه مع المسلحين .. السخرية وصلت الى حد مثير للقرف لأن الجيش السوري الذي حارب منذ ست سنوات يختار مواعيد استخدام الأسلحة الكيماوية بما يتناسب تماما مع اقتراب انهيار احدى الجبهات التي يتمترس فيها المسلحون .. فهو يستعملها عندما يبدو انتصاره ليس بحاجة حتى لغازات مسيلة للدموع .. ان القراءة الحصيفة لسيناريو الصراخ في فيلم حرب النجوم السورية والخيال العلمي الكيميائي تجعلنا نقول بثقة بأن القوى الغربية تشم رائحة عملية عسكرية كبرى أنهى الجيش السوري وحلفاؤه استعداداتهم لها وأنه لابد من فرملة الهجوم أو تأخيره أو عرقلته ما أمكن ريثما يتم إيجاد طريقة لإنقاذ الإرهابيين أو التقليل من مكاسب الجيش السوري أو تغيير اتجاهه .. ورغم أن الحديث يدور عن عملية وشيكة في الغوطة تم الزج بآلاف من وحدات الاقتحام والكواندوز فيها وتحضير خطة الاقتحام المبنية على معطيات الاستطلاع والتنصت والمراقبة الروسية والسورية فان البعض يرى أن موقع اثارة مزاعم الهجوم الكيماوي في ادلب قد اختير بعناية ليس لأنه كشف تزويد الارهابيين بسلاح كيماوي عندما ضربت مستودعاتهم .. بل لأنه يعبر عن خشية حقيقية من عملية سورية روسية نحو ادلب عاصمة جبهة النصرة والتي يجب ايقافها بأي ثمن .. وفي الحسابات فان انهيار موقع حصين آخر لجبهة النصرة وأخواتها من الجماعات الإسلامية (في ادلب أو الغوطة) ستكون لها أكبر من أثر ضربة حلب لأن هذا سيكون رسالة قوية جدا لمن بقي من المعارضة المسلحة بأن هزيمتين متتاليتين (حلب وادلب مثلا) تعنيان أن الغرب لن يقدر على فعل شيء وأن العناد المسلح انتحار .. وهذا غالبا سيقود الى موجة مصالحات واستسلام شاملة .. واذا حدث هذا فان سيناريو أميريكا في التمركز في الرقة والمنطقة الشرقية سيكون في خطر كبير لأنه لن يكون هناك أي مبرر لاستبعاد الجيش السوري من جهود تحرير الرقة المنطقة الشرقية بل لن يكون هناك مبرر شرعي وقانوني في منع الجيش السوري من اجتياح الرقة بعد أن أنهى ملفات النصرة وغيرها في باقي المناطق .. عندما أرى مجالس العزاء والبكاء في مجلس الأمن وأفلام الخيال العلمي فان السؤال الذي بقي حائرا على شفاهي التي تبتسم ويتردد المحرجون في طرحه هو: متى سيخرج الجيش السوري قنبلته الذرية من مخازنه؟؟ لأن قصص الخيال العلمي لاشك أنها ستنتج قصة يقوم فيها الجيش السوري بإخراج سلاحه الذري الذي خبأه كما خبأ السلاح الكيماوي ويقوم بقصف كفرنبل مثلا بقنبلة ذرية .. أو يوجه بضعة رؤوس نووية نحو حي المحطة في درعا .. ولاشك انه سيترك القنبلة الهيدروجينية لالقائها على خيمة لتقديم حليب الأطفال .. أما القنبلة النيوترونية فهي التي سيتركها الجيش السوري من أجل أن يرميها على بيت بسمة قضماني .. وماذا ينتظر المجتمع الدولي لمنع هذه الخطوة .. من الجيش الذي يضرب بكل أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا؟؟
22:39