المصالحة الفلسطينية..القشة الأمريكية لاستدراك الهزائم بقلم ايهاب زكي

شارك |

جهينة نيوز: 

هناك سباق محموم وغير مسبوق لتصفية القضية الفلسطينية، يحاول الاستفادة من عشرات العوامل المحلية والإقليمية والدولية، ويبدو أنّ الولايات المتحدة وبالنتيجة"إسرائيل"، تعملان على خطين متوازيين لمجابهة التطورات المتسارعة والأخطار الداهمة جراء اليقين الراسخ بإستعادة الدولة السورية سيطرتها على معظم الجغرافيا السورية، بما يستتبع ذلك من نتائج تصب في غير صالح أمريكا و"إسرائيل"، وهذان الخطّان يشكلان الرافعة المتاحة للمشروع الأمريكي الصهيوني، الخط الأول هو تصفية القضية الفلسطينية مما سيحدّ من فعالية التواجد الإيراني وتواجد حزب الله على الحدود الفلسطينية السورية، تحت ذريعة القبول الفلسطيني بحلول السلام النهائية، وهي قاعدة معتمدة لدى النظام العربي التفريطي، "نقبل بما يقبل به الفلسطينيون"، حيث يمارس هذا النظام الضغط على الفلسطيني ليقبل بما تقدمه"إسرائيل"، ثم يُقال لِمَّ نكون ملكيين أكثر من الملك، وبهذا يصبح محور طهران دمشق الضاحية محور شر، يعرقل السلام والاستقرار في المنطقة، أما الخط الثاني فهو استيلاد دولة كردية كبديلٍ عن دولة داعش الآفلة ولنفس الأسباب والأهداف، وهو ما يجب التعامل معه فلسطينياً وعربياً باعتباره الوجه الآخر لتصفية القضية الفلسطينية.

يقول موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس،" أنّ دوائر دبلوماسية غربية أكدت للحركة رفع الفيتو الأمريكي الإسرائيلي المزدوج عن المصالحة الفلسطينية"، وهنا يحضرني قول الإمام عبد الرحمن بن باديس رائد النهضة الإسلامية في الجزائر حين قال" لو أنّ فرنسا قالت لي قل لا إله لا الله ما قلتها"، وهنا ليس كفراً الرفض لنطق الشهادة بل حق اليقين، وقد يصل النطق بها مجاراة لرغبات المستعمر وأهدافه إلى شبهة الكفر، فهل يصح بهذا المفهوم أن تصبح المصالحة كفراً، ففي زمن الفيتو عجزنا عن إتمام المصالحة لمصلحة فلسطينية خالصة، وحين يُرفع الفيتو فمن المقطوع به أنّه رفعٌ يتجاوز المصلحة الفلسطينية إلى حد التناقض، خصوصاً إذا ما كانت المصلحة الفلسطينية ليس مجرد مطالب معيشية حياتية، وهنا يجب التنويه على أنّه لم يكن الانقسام يوماً تفصيلياً بل كان مفصلياً، حيث لم يكن صداماً بين مشروعيتين بل بين مشروعين، مشروعٌ يتخذ من التفاوض نهجاً أوحداً للحصول على الحدود الدنيا من أدنى الحقوق الفلسطينية، ومشروع اتخذ من البندقية سبيلاً وحيداً لتحصيل الحدود القصوى من الحقوق التاريخية.

وهذه ليست دعوة للتصويب على أجواء المصالحة ورفضها باعتبارها كفراً، بل دعوة لتجنب أهداف رفع الفيتو، فالملك البحريني يندد بإجراءات مقاطعة"إسرائيل" والرئيس المصري يلتقي بشكلٍ علني بـ"رئيس الوزراء" الصهيوني، وحديث مستمر عن زياراتٍ لمسؤوليين خليجيين للكيان، وما يتم الحديث عنه في الإعلام العبري عن عمق العلاقات العربية"الإسرائيلية" هو رأس جبل الجليد وما خفي أعظم، ولم يبقَّ أمام السعودية الكثير من الوقت لإشهار علاقاتها المديدة بـ"إسرائيل"، يقابل هذا تخوف"إسرائيلي" حد الرعب من بشائر انتهاء الأزمة السورية لصالح الدولة، في هذا التوقيت يُرفع الفيتو، مضافاً إلى ذلك خطاب الإحباط واليأس حد الاستجداء للرئيس عباس في الأمم المتحدة، فرغم خبرته في مجتمع الغاب الدولي لم يدرك بعد أن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح، ومأساة إنسانية في غزة تجعل من مجرد ساعة كهرباء زيادة، إنجازٌ وطني يضاهي سقوط مئة صاروخ في قلب الكيان، يصبح من يدعو للتفكر في إنجاز هذه المصالحة منبوذاً، وهو بالضبط كمن يعتبر ابن باديس كافراً، فهل من سبيلٍ لإتمام المصالحة دون دفع أثمان رفع الفيتو.

وطالما البائع أمريكا و"إسرائيل"، فإنّهم لن يقبلوا من المشتري ثمناً سوى من أرضه وحقوقه التاريخية، ولا يستطيع أحد اليوم أن يجزم بماهية الثمن المستحق، إن كان سلاماً اقتصادياً أو كونفدراليات أو توسيعات لأراضي غزة أو غيرها مما يتفتق عنه الذهن الاحتلالي، ولكن من يريد إقناعنا بأنّ "إسرائيل" ستمنحنا القدس والحق في إقامة دولة مستقلة على حدود67 وعودة اللاجئين، لمجرد أنّها تريد إنهاء الصراع والعيش بسلام، فهو يحاول إقناعنا بأنّ الله منحنا العقول لنحافظ عليها كأمانةٍ طازجة غير مستعملةٍ لديدان القبر، وهذا أيضاً ينطبق على من يحاول إقناعنا بأنّ التنازلات تكتيكية مقابل استجلاب خدمات معيشية لا علاقة لها بالحقوق التاريخية، إنّ المصالحة التي كان يتوق لها الشعب الفلسطيني هي مصالحة رغماً عن أنف الفيتو، حتى تكون بالفعل عرساً وطنياً، أما وأنها ستحدث تحت ظلال رفع الفيتو، فأيّ رفضٍ من المشتري أي نحن لتقديم الثمن من الأرض والحقوق، سنعود للاقتتال مجدداً وسندفع الأثمان من دمنا التي سنسفحها بأيدينا، ومن يدري حينها فقد تصبح"إسرائيل" وسيطاً نزيهاً ومقبولاً بيننا، لذلك فإنّ تأييد هذه المصالحة يجب أن يكون مشروطاً بوعدٍ من الجميع، أنّ إعادة الفيتو لن يثنيهم عن استكمال متطلباتها، وإلّا فإنّ تجنبها أفضل، على الأقل في المرحلة الراهنة التي تحاول أمريكا فيها التعلق بقشة تصفية القضية الفلسطينية وقشة الكيان الكردي لإنقاذ وجودها ومصالحها في هذه المنطقة، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من المصير.

المصدر: نبأ برس