جهينة نيوز:
تعتبر الأخلاق من أهم الدعائم والأسس التي يقوم عليها نظام الحياة البشرية، وهي من أشد الحاجات للافراد والمجتمع البشري ،ومما لاشك فيه أن المستوى الأخلاقي للأمة هو مقياس حضارتها وأساس بنائها.
إن مكارم الأخلاق ، هي غاية من أسمى الغايات الإنسانية، ومن أعظم المقومات للحضارة البشرية ولايمكن لأي مجتمع من المجتمعات الاستغناء عنها ، من أجل ذلك كانت المهمة الأخلاقية من أهم وأفضل المهمات لسائر الأديان والمذاهب , منذ أن وجد المجتمع الإنساني.
و تشكل المبادئ الأخلاقية ضرورة في بناء المجتمعات سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا وثقافيًا، وهي محاور فكرية ترسي دعائم قيام المجتمع الإنساني، ويشعر الإنسان من خلالها أنه خليفة الله على الأرض بما ناله من تكريم إلهي يحيا من خلاله حياة آدمية كما ينبغي أن تكون.
لقد تكلم بعض الخيّرين بكلام جامع بيّنوا فيه حقيقة حسن الخلق، فقالوا : هو أن يكون الانسان كثير الحياء، قليل الاذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، ، بارا" وقورًا صبورًا، رضيًا حليمًا، رفيقًا عفيفًا شفيقًا، لا لعانًا ولا سبابًا، ولانمّامًا ولامغتابًا ولاعجولاً ولاحقودًا ولا بخيلاً ولاحسوداً، بشاشًا هشاشًا، يحب في الله ويبغض في الله .
لقد اردنا بهذه المقدمة أن نصل إلى نتيجة نعتبرها أساسية في نظرتنا إلى الأخلاق وهي أنها ليست شيئاً كمالياً يمكن التحلي بها في زمنٍ ما ونبذها في زمن آخر، دون أن تترك آثارها الجانبية في الحياة العامة للناس، وهنا يجب أن نوجد توأمة بين الدين والأخلاق، لأن كل منهما يصب في خدمة الهدف نفسه وهو تربية الفرد على أسس سليمة تخرجه من جاهلية عاداته وتقاليده غير المتزنة، إلى نور التحضّر الروحي والخلقي لا المادي فقط. وهذا هو سرّ حضارة وبقاء أمّةٍ وانهيار أخرى كما يعبّر عن ذلك أمير الشعراء أحمد شوقي :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وهكذا ندرك مدى أهمية الأخلاق في تطوير المجتمعات أو انحلالها، باعتبار أن تلك الأخلاق وخاصة التشريعية منها تمثل الدستور والقانون الذي يتعامل على أساسه الناس، فهي فنّ التعامل بين الناس، بشكل يحفظ المصلحة الخاصة ولا يجحف بالمصلحة العامة التي تتكوّن من خلال تنازل كل إنسان عن بعض مصلحته الذاتية في سبيل إنعاش المجتمع ككل، حيث يُعتبر هذا الفرد في النهاية جزءاً منه وبالتالي يستفيد من هذه الفائدة العامة.
ولعلّنا لا نعدو الحقيقة إن قلنا بأن بناء الأسرة السليمة والمجتمع الصالح والدولة العادلة ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببناء الفرد بناءً صحيحاً وتربيته تربية خالية من العيوب والأدران. ذلك لأنّ الدولة والمجتمع والأسرة كلها أبنية لَبِناتُها وأساسها هو الفرد والأفراد، وبمقدار ما نحقق جودة هذه اللبنات، نحرز فخامة ومتانة أسس هذه الأبنية –الأسرة والمجتمع والدولة – وعدالتها.
إن خطأ الفرد لا ينبغي أن يُفسّر على أنّه خطأ فردي وعيب شخصي بل إننا نعتبر ذلك خطأً تنعكس آثاره على المجتمع كله لا على الشخص الواحد فقط, وخاصة عندما يكون مسؤولا"، وكم من الأحداث السيئة والمشاكل الرهيبة بدأت بحادث فردي ثمّ تطوّر إلى مشكلة اجتماعية أو سياسية أو عسكرية كبرى.
يمكننا أن نقول أخيراً أن أية أزمة تغزو المجتمع بشكل عام مردّها إلى فقدان التربية الصحيحة، وإن أية أزمة سياسية أو اجتماعية أو حتى عسكرية فهي تعود في جذورها إلى أزمة أخلاقية تطغى فيها مصلحة "الأنا" على أيّة مصلحة أخرى فينعدم فيها احترام حقوق الآخرين وتسود فيها علاقة الظالم والمظلوم التي سرعان ما تتحوّل إلى أزمة تتخذ شكلاً من أشكال القوة والقهر والتسلّط العسكري أو السياسي أو الاجتماعي، وتلك هي قصة الاستكبار العالمي مع الدول الصغيرة, التي لا يُراعى حقها في الحياة الحرة الكريمة فيسهل الاعتداء عليها وتقع تحت قبضة الاحتلال أو الهيمنة السياسية أو الإقتصادية , كما هو حاصل مع العدوان الأمريكي وتابعيه على بلداننا.
لقد أفرزت الحرب التي نخوضها منذ ثماني سنوات أزمة أخلاق كبيرة على مختلف المستويات وتحوّلت على مدار هذه السنوات إلى أشكال متعدّدة اقتصادية ومعيشية واجتماعية وثقافية وسياسية وعسكرية وغيرها, انعكست بشكل سلبي فاقع على المجتمع والدولة وحياة الناس, ولكي نتخلص من هذه الأزمة الأخلاقية أرى من الضروري القيام بما يلي :
1- التركيز على تنشئة الأجيال الصاعدة بشكل سليم وصحيح وغرس مبادئ حب الوطن وحمايته والدفاع عنه في نفوس هذه الأجيال سواء في الأسرة وهي الأهم , أو في المدرسة , أو في المجتمع.
2- دراسة جميع جوانب العملية التربوية ووضع الحلول الناجعة بشأنها.
3- إقرار مادة التربية والأخلاق في المدارس من الصفوف الاولى . توضع مناهجها من قبل مختصين في علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التربية والحقوق وعلماء دين مشهود لهم بالفهم الصحيح للدين.
4- اقرار مادة تربية دينية وحيدة لجميع الطلاب , بدلا" من الموجود حاليا" , يشارك في وضع منهاجها رجال الدين الاسلامي والمسيحي وبعض المختصين, التي تساعد على وحدة المجتمع وتبعد عوامل التفرقه , ولكي لايشعر أحد بالغبن والبدء بتدريسها من الصف السادس وليس قبل.
5- إعادة الفتوة إلى المدارس في المرحلة الثانوية لتعزيز الشعور الوطني
6- إقامة المدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والمتاحف على أرض الجوامع المدمرة لأنها كانت بؤرة للإرهاب والتكفير.
7- وضع برامج واضحة للدروس الدينية في الجوامع , أو المعاهد الدينية ومراقبتها لإكتشاف أي خلل يحدث في الأداء , ومنعها في البيوت الخاصة السرية والمعلنة .
8- تطبيق الشعار ( وضع الانسان المناسب في المكان المناسب ) بشكل جدّي وعلى كل المستويات وفي مختلف القطاعات.
9- تطبيق مبدأ محاسبة المقصرين والمهملين والفاسدين بشكل شفاف وواضح على الجميع.
10- تحسين وضع القضاء ليحقق العدالة المهنية والاجتماعية والانسانية
11- السعي إلى تحسين التعليم الجامعي وتطبيق المعايير العالمية في البنية التعليمية والتركيز على الجامعات الخاصة لتؤدي دورها المطلوب بشكل سليم وعالي المستوى , لكي تعود جامعاتنا إلى الريادة العالمية.
12- تحسين وضع المعلمين ماديا" ومعنويا" ليتفرغوا للتدريس فقط وتطبيق المعايير التي ذكرتها في مقال سابق بتاريخ 12-2-2019عن التعليم .
13- إنشاء مراكز للدراسات الإجتماعية والتربوية وتعزيز الأبحاث الاجتماعية لمختلف قطاعات المجتمع وتشعباته , التي تظهر مواطن الخلل في البنية الإجتماعية وطرق معالجتها قبل استفحالها وصعوبة احتوائها , ورفع هذه الأبحاث إلى الجهات المختصة لتنفيذ التوصيات التي تضعها هذه الدراسات بالشكل الذي يؤمن وحدة المجتمع وصلابته وقوته , أمام أي ظواهر منحرفة تسيئ لمكوناته.
14- تعزيز دور الأحزاب والمنظمات الاجتماعية والنقابات المهنية المنتخبة ديموقراطيا" لتساهم في تعرية الأباطيل وكشف الاختلالات المجتمعية والعمل على معالجتها لتصب في تعزيز وحدة المجتمع و تقوية بنيانه
15- تحسين مستوى معيشة الناس وخاصة ذوي الدخل المحدود بحيث تكفي رواتبهم ليعيشوا بكرامة وشرف , وهذا سيقلل من نسبة الفساد والإهمال والسرقات والنهب والجريمة في المجتمع .
16- زيادة فاعلية المراكز الثقافية والاعلام الهادف الواعي المنظم, لتعزيز الوحدة الوطنية والدور الإيجابي الفاعل للمجتمع .
17- تطبيق مبدأ الثواب والعقاب دون استثناء