جهينة نيوز:
نجحت الحكومة الباكستانية في تخفيف حدة التوتر “جزئيا” مع جارتها الهند عندما أفرجت اليوم الجمعة عن الطيار الهندي الذي جرى اسقاط طائرته اثناء هجومها ضمن 12 طائرة أخرى على قواعد لجماعة جيش محمد الإسلامية المتشددة الناشطة في إقليم كشمير خصوصا، والمنطقة عموما، وأعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي شارك فيه 14 انتحاريا واستهدف قافلة عسكرية هندية داخل الجانب الهندي من الإقليم المذكور، مما اسفر عن مقتل 40 جنديا، وهو اكبر عدد من الضحايا العسكريين على يد هذه الجماعة منذ نشوب الازمة قبل 70 عاما.
الجهود الدولية تتواصل لنزع فتيل الازمة، من عدة جهات ابرزها روسيا وتركيا والسعودية والامارات، ولكن الولايات المتحدة اكتفت بدعوة الطرفين الى ضبط النفس، وعي دعوة “ملغومة” تشي بالكثير، وسنشرح ذلك لاحقا.
وزارة الخارجية الهندية أبدت تحفظا غير مسبوق تجاه الوساطات واصحابها، وقالت في بيان ينطوي على الكثير من الرسائل “ليس هناك حاجة للوسطاء، فلدينا قنوات التواصل الفعالة، والكرة الآن في ملعب باكستان للقيام بالخطوات المطلوبة ذات المصداقية ضد الجماعات الإرهابية التي تعمل داخل أراضيها”، وهذا مطلب يبدو مستعصيا، ان لم يكن مستحيل التنفيذ.
الحكومتان اعلنتا حالة الطوارئ القصوى في صفوف قواتهما المسلحة، واغلقتا الأجواء، وترأس السيد عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني، المدعوم من قبل المؤسسة العسكرية (يقال انها هي التي جاءت به)، عدة اجتماعات مع جنرالاته، ابرزها مع قادة قطاع الأسلحة النووية، وسط انباء عن تطوير باكستان قنابل نووية تكتيكية للتصدي لاي غزو عسكري هندي مفاجئ.
***
المعلومات المتوفرة تقول بأن الهند تملك 140 رأسا نوويا بالمقارنة مع 150 رأسا في الترسانة الباكستانية، وبات البلدان أخيرا يملكان الوسائل لتحميل هذه الرؤوس للوصول الى اهدافها، سواء بطائرات قاذفة او صواريخ على عكس ما كان عليه الحل في آخر نزاع عسكري بينهما عام 1999، وهذا ما يفسر اقدام السيد خان على تذكير الهند بأن ما يملكه البلدان من أسلحة نووية يحتم عليهما الحوار وتجنب أي خطأ في الحسابات يؤدي الى دمار شامل للطرفين.
جمر الازمة ما زال شديد “الأحمرار” والتوتر ما زال قائما، لان زعيمي البلدين يتعرضان لضغوط شديدة من الصقور في المؤسستين العسكريتين أولا، ومن الجماعات المتشددة، خاصة في الجانب الهندي، فرئيس الوزراء ناريندرا مودي، يقف على أبواب انتخابات تشريعية وشيكة، ويتعرض لانتقادات شرسة من قبل المعارضة تركز على فشله في التصدي بفاعلية للارهاب المدعوم باكستانيا، وعجزه عن تنفيذ وعوده التي اوصلته وحزبه اليميني العنصري الى السلطة في الانتخابات الأخيرة من قاعدته الهندوسية، وابرزها تحديث الهند ومؤسساتها وأدوات انتاجها، وحل مشكلة البطالة المتفاقمة في أوساط الشباب.
جيش محمد المتطرف إسلاميا وجماعة لشقر طيبة، المنظمة الأخرى المماثلة، يحظيان بدعم قوي من اغلبية الشعب الباكستاني، ونفذا هجمات انتحارية في العمق الهندي مثل هجمات البرلمان في نيوديلهي عام 2001، وممباي عام 2008، وعشرات الهجمات داخل جامو كشمير في السنوات العشر الماضية، ولذلك سيكون من الصعب على السيد خان التجاوب مع المطالب الهندية والأمريكية بالقضاء عليهما، وقطع علاقتهما مع تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” داعش.
دولتان هما الأكثر استفادة من هذه الازمة: الأولى الولايات المتحدة التي تريد استخدامها للضغط على الحكومة الباكستانية الحالية لوقف دعمها لحركة طالبان في أفغانستان، والقضاء على الجماعات الإسلامية المتشددة على اراضيها التي تنسق مع حركة طالبات عسكريا أيضا، وتسهيل مفاوضات السلام الحالية الدائرة في الدوحة بين الجانبين الأمريكي والطالباني، والثانية دولة الاحتلال الإسرائيلي التي باتت احد مصادر التسليح الرئيسية للهند، ونجحت في غزو الأسواق الأمنية والعسكرية الهندية، وكان رئيس وزرائها الحالي مودي اول زعيم هندي يزور القدس المحتلة العام الماضي.
ما يمكن الوقوف عنده “عربيا” في هذه الازمة مجموعة من التطورات ابرزها:
أولا: ان السيد خان اتصل بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان للتدخل لإيجاد مخرج سلمي لهذه الازمة، ولم يتصل بأي مسؤول عربي، خاصة العاهل السعودي الذي زار ولي عهده اسلام اباد قبل أسبوع وقدم مساعدات واستثمارات مقدارها 20 مليار دولار لباكستان.
الثاني: ان الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، هو الذي اوفد وزير الدولة للشؤون الخارجية السيد عادل الجبير الى العاصمة الباكستانية حاملا رسالة عاجلة منه وليس من والده الملك الى القيادة الباكستانية تتعلق بهذه الازمة، مما يعني ان الأمير بن سلمان بات يتصرف كملك وبشكل متسارع.
الثالث: عدم استجابة المؤتمر الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد امس في ابو ظبي لطلب الحكومة الباكستانية بعدم استضافة وزيرة الخارجية الهندية، او تأجيل الاجتماع كحل وسط، بسبب الازمة الحالية، وقد حضرت الوزيرة الهندية المؤتمر والقت خطابا من على منبره نقلت فيه تحيات حوالي 200 مليون مسلم، مؤكدة على قيم التعايش بين الأديان في الهند.
***
ختاما نقول ونكرر، بأننا لا نستبعد وجود أصابع أمريكية وإسرائيلية خلف هذه الازمة بين القوتين النوويتين الكبريين في جنوب آسيا، أي الهند وباكستان، لزعزعة استقرار المنطقة بنقل الصراع اليهما، ففي كل الازمات السابقة المماثلة، ارسل البيت الابيض المبعوثين فورا لتطويقها، الا إدارة ترامب الحالية، التي قطعت مساعداتها السنوية التي تصل الى ملياري دولار لباكستان لأنها لا تكافح الإرهاب بالشكل المطلوب (حركة طالبان)، وهي الحركة التي هزمت أمريكا في أفغانستان، وباتت واشنطن تبحث عن اتفاق ينقذ ماء وجهها ويسهل سحب قواتها (14 الف جندي).
نعترف اننا نؤمن بنظرية المؤامرة ولا يضيرنا ذلك لأننا كعرب احد ابرز ضحاياها في العراق وسورية وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين المحتلة، ولم نجن من التدخلات العسكرية الامريكية الإسرائيلية غير دمار بلداننا، واكثر من ثلاثة ملايين شهيد، وسرقة التريليونات من الدولارات من اموالنا واجيالنا الحالية والقادمة، ولا نحتاج الى أي ادلة واثباتات لتعزيز موقفنا هذا الذي لن نتنازل عنه.
المصدر رأي اليوم
22:55