جهينة نيوز - احمد الحاج علي
قطعت جمهورية شبه جزيرة القرم منذ ربيع عام 2014 شوطاً كبيرا في مسيرة إعادة البناء بعد قرار العودة إلى الجسم الروسي كجزء لا يتجزأ من خارطة الجغرافيا السياسية والديموغرافية. وبعد خمس سنوات من القرار المصيري تجاوزت الجمهورية الرازحة تحت ضغوطات العقوبات الغربية مرحلة الخطر لتنطلق إلى مرحلة تأسيسية من التطوير و الإزدهار.
فقد بدد افتتاح جسر القرم ومطار مدينة سيمفيروبل الدولي خطر سياسة الحصار الجغرافي المفروض من قبل الحكومة الأوكرانية الموالية للولايات المتحدة و العمل مستمر بعد إطلاق طريق “توريدة” السريع على بناء خط سكك الحديد الذي يربط شبه الجزيرة بباقي المناطق الروسية.
للإطلاع على المتغيرات والإنجازات التي حققتها شبه جزيرة القرم قمنا بتحقيق على أرض الواقع وزرنا القرم خلال الإحتفالات بيوبيل الخمس سنوات الأول لربيعها الروسي. لم نكتفِ بتصريحات مسؤولي الإدارة المحلية الذين التقيناهم وقدموا لنا موجزا إحصائيا لخص أبرز الإنجازات خلال المرحلة الماضية، بل قمنا بجولات ميدانية مستطلعين آراء المواطنين و لمسنا المتغيرات و توقفنا عند السلبيات والإيجابيات.
الإنجاز الأول لربيع القرم كان تحقيق الإستقرار الإجتماعي والحياة الكريمة لأكثر من مليوني مواطن يمثلون 175 قومية. فالمخطط الأميركي الغربي كان يهدف لتحويل شبه الجزيرة إلى منطقة فوضى ومحطة إنتقال للتنظيمات المتطرفة و لإعاقة روسيا من حرية الملاحة وسرعة التدخل في الحرب على الإرهاب لا سيما قبل مشاركة قواتها الجوفضائية الفعلية المباشرة في سوريا. فالقرن الذي تحدد فيه مصير العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية خلال مؤتمر يالطة التاريخي لعب اليوم دورا مركزيا في حزم روسيا موقفها في الحرب على الإرهاب .
على المستوى الشعبي العام بعثت استعادة القرم روحية وطنية مع الشعور بالفخر لدى معظم شرائح المجتمع الروسي و بات القرار محط إجماع و تأييد ملايين المواطنين الذين ينتمون لفئات عمرية و قوميات و معتقدات و أحزاب مختلفة.
و بعد أن كانت معظم المرافق الحيوية في شبه الجزيرة شبه معطلة أو منهارة تحت حكم الإدارات الأوكرانية المتتالية عادت الحياة من جديد مع مرحلة الدمج في المجال الإقتصادي و الإجتماعي الروسي، تم تأمين المياه و الربط الكهربائي بشكل مستقر ومستقل عن أوكرانيا التي حرمت القرم من تلك الموارد عقابا على قراره الوطني و ضخّت الإستثمارات الروسية لإنعاش المنطقة التي كانت مهمله على طول 23 عاماً.
عملياً تضاعف حجم الإنتاج الصناعي بالمقارنة مع العام 2015 وانخفض معدل الوفيات العام بنسبة 7.5 % ومعدل وفيات الإطفال بنسبة 40% ووصلت إمدادات الغاز للمنازل في 19 مدينة و حاضرة سكنية جديدة، لتصبح نسبة التزويد المباشر بالغاز للمنازل 75% هذا العام. كما من المقرر إيصال الوقود الأزرق إلى 12 حاضرة سكنية إضافية في العام الجاري. أنجز بناء 350 ألف متر مربع ضمن خطة تطوير الإسكان بمعدل يزيد ضعفين عن مؤشرات الحقبة الأوكرانية. و شهد العام 2018 تزايداً ملحوظاً في عدد زائري المنتجعات السياحية ليبلغ إجمالي عدد الوافدين 6.8 مليون سائح خلال السنوات الخمس الماضية، إستفادوا من إفتتاح حوالي 58 مرفقاً و فندقاً و منتجعاً سياحياً جديداً كما تم تحديث 173 منشأة قديمة. العمل جار كذلك على قدم وساق لتأهيل واستحداث وتعبيد مئات الكيلومترات من الطرق السياحية بين الأقاليم.
عموماً إرتفعت إيرادات الموازنة حوالي ثلاثة أضعاف عن الفترة الأوكرانية، ما أتاح المجال لتمويل و تحديث العديد من المرافق الصناعية و الإنتاجية. و خُصِّصَت موازنات إضافية للإنفاق الإجتماعي و تمويل التعليم و الطبابة و الثقافة و الرياضة تراوحت ما بين 3 و 5 أضعاف.
وفي مجال الرعاية الصحية تم تفعيل صندوق التأمين الطبي الإلزامي كما يجري العمل على بناء و إستحداث و تطوير المراكز الطبية ضمن المشروع الوطني للرعاية الصحية وفقاً للمعايير الفدرالية و من أبرز المشاريع الطبية بناء مركز سيمفيروبل الذي سينتهي تشييده هذا العام ليصبح واحداً من أهم المراكز الطبية في روسيا.
من ناحية ثانية تظهر آثار العقوبات على حال المواطنين ومعيشتهم فالصعوبات مستمرة في تحويل وسحب وإيداع الأموال عبر نظام الڤيزا والسويفت والبنوك الوطنية الروسية التي تعمل في القرم مهددة بالعقوبات و بالحرمان من العمل في السوق العالمية، فعلى سبيل المثال بنك سبيربنك وهو الأكبر في روسيا بنى فندقاً بإسمه في القرم و لم يتمكن من وضع جهاز بنكي آلي атм واحد لصالحه، كما أن أكبر مشغلي شبكات الخلوي في روسيا تجد صعوبة في دمج مناطق القرم ضمن مساحات تغطيتها للجغرافيا الروسية و خدمات الرومينغ الدولية، و تُمارس ضغوطات على المواطنين الراغبين في الحصول على ڤيزا للاتحاد الأوروبي إن كانت قيودهم مسجلة في القرم. حتى الفيفا و الويفا تمارس ضغوطات على لاعبي كرة القدم و تمنعهم من الحصول على جوازات اللاعبين الدولية وتحظر على الأندية في القرم المشاركة في الدوريات والبطولات الدولية وحتى المباريات الودية بين المنتخبات، و يمكن ذكر الكثير من الأمثلة العنصرية لسياسات الكيل بمكيالين الغربية.
في المحصلة قامت روسيا وشعب وإدارة القرم بالكثير في مسيرة الإعمار والدمج في الفضاء الوطني العام و بقي أمامهم أيضاً الكثير لإنجازه من خلال تحويل التهديد والعقوبات الى فرصة لمصلحة السيادة الوطنية وللإعتماد على الذات والاستقلال عن قوى الهيمنة.
موقع قناة المنار
10:24