جهينة نيوز:
لا جدال بأن الضربة الانتقامية التي توعد بها السيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة اللبنانية ردا على العدوان الإسرائيلي الأخير الذي استهدف الضاحية الجنوبية بطائرات مسيرة، قادمة لا محالة، لكن السؤال الذي يتردد بقوة في العديد من الأوساط الإقليمية هو اين وكيف ستكون، وحجمها وتأثيرها، والتبعات التي يمكن ان تترتب عليها.
النظرية المتفق عليها التي تقول بأن انتظار حكم الإعدام اكثر الما من تنفيذه، تنطبق حرفيا على الوضع الراهن، والشق الإسرائيلي المستهدف بالذات، ولهذا تعيش دولة الاحتلال حالة من الهلع والتوتر انتظارا للضربة الانتقامية الوشيكة، وتعيش حالة من الطوارئ غير مسبوقة بما في ذلك وضع قواتها وطائراتها وقببها الحديدية في حال تأهب قصوى.
اختراق طائرات مسيرة للأجواء اللبنانية ليس عملا جديدا، والشيء نفسه يقال أيضا عن الطائرات الحربية الإسرائيلية التي لم تتوقف مطلقا، وعلى مدى السنوات الماضية من اختراق هذه الأجواء واتخاذها منصة لضرب العمق السوري، او قوافل أسلحة في طريقها لحزب الله بالصواريخ، لكن الجديد الذي أثار غضب السيد نصر الله، في اعتقادنا، هو خرق إسرائيل لقواعد الاشتباك وارسالها طائرتين مسيرتين لاغتيال شخصية قيادية كبيرة من حزب الله لم يتم الكشف عن هويتها حتى كتابة هذه السطور، في اطار مخطط اغتيالات ربما لا يستثني أحدا.
***
الطائرة الأولى، وحسب تقارير إعلامية إسرائيلية كانت استطلاعية، ولمتابعة هذه الشخصية وتحركاتها في شارع معوض وسط الضاحية، حيث يوجد مقر سري لاستضافة ضيوف حزب الله المهمين، وبعض قادته الميدانيين، ويتردد ان الشخصية المستهدفة كانت تلعب دور حلقة الوصل بين حزب الله وقيادته واللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ومن غير المستبعد ان الحاج سليماني هو المستهدف، وكان من المقرر ان تقوم الطائرة الثانية المفخخة التي جرى تفجيرها إسرائيليا بعد اسقاط الأولى، وانكشاف تفاصيل العملية، بتنفيذ عملية الاغتيال الفاشلة.
هذا الاختراق لقواعد الاشتباك في لبنان التي جرى الالتزام بها طوال الـ13 عاما الماضية، وبالتحديد منذ حرب تموز عام 2006، جاء في اطار خطة إسرائيلية استهدفت مواقع واهداف للأذرع العسكرية الحليفة لإيران في ثلاث دول هي العراق وسورية ولبنان في غضون 24 ساعة، وبهدف استفزاز ايران للرد وجرها الى حرب تتورط فيها الولايات المتحدة، ولكن القيادة الإيرانية تحلت بضبط النفس، وتجنبت الوقوع بالمصيدة، حتى الآن على الأقل.
اقدام طائرات إسرائيلية على قصف قاعدة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة في البقاع فجر اليوم في اختراق ثان للسيادة اللبنانية، ارادته القيادة الإسرائيلية ردا على خطاب السيد نصر الله الذي توعد فيه بالانتقام أولا، ومحاولة الظهور بمظهر التحدي ثانيا، والانتقام ايضا للصواريخ الثلاثة التي انطلقت ليلة السبت من قطاع غزة على سيدروت، واحدثت حالة من الرعب في صفوف الحاضرين لمهرجان غنائي فيها هربوا بالآلاف مذعورين للنجاة بأرواحهم، سجلتها عدسات المصورين، ثالثا.
السيد حسن نصر الله لم يحدد موعد الضربة الانتقامية، واكتفى بالقول بأنها اليوم او بعد يومين او ثلاثة، وهذا امر طبيعي متوقع، فالقادة العسكريون في حزب الله هم الذين يضعوا خطتها، ويختاروا منفذيها، ويقرروا موعدها، والاهداف التي ستضربها، وكل التوقعات تؤكد انها ستكون مؤلمة للإسرائيليين ومحرجة لبنيامين نتنياهو، وزير الدفاع ايضا، وربما تقضي على مستقبله السياسي بتقويضها لحملته الانتخابية التي يركز فيها على اظهار نفسه كزعيم قوي ردا على الاتهامات الموجهة اليه بإنعدام خلفيته العسكرية اسوة بمنافسيه الجنرالات في تكتل ابيض ازرق، وعدم خوضه أي معارك ميدانية.
***
السؤال الذي يتردد بإلحاح في أوساط المراقبين السياسيين والعسكريين في المنطقة، هو عن مرحلة ما بعد الرد الانتقامي لحزب الله، فهل ستمتص القيادة الإسرائيلية هذه الضربة تجنبا لحرب موسعة وشاملة وبضغوط امريكية، أم ستقوم بالرد، وفي هذه الحالة قد يطلق حزب الله كل ما في ترسانته من صواريخ دقيقة وغير دقيقة على كل المدن والمطارات ومحطات الكهرباء والمياه والمصالح الرئيسية في العمق الفلسطيني المحتل، فالسيد نصر الله، وقادته العسكريون مستعدون لكل الاحتمالات، وتأكيده بأنه سيصلي بالقدس، وبعد تحريرها يعكس إرادة قتالية عالية، وحالة رجل اتخذ قرار الحرب دفاعا عن النفس، وبات مستعدا لكل ما يمكن ان يترتب عليه من تبعات، ووفر له العدوان الإسرائيلي الأخير على الضاحية هذه الفرصة التاريخية، ويجد معظم اللبنانيين يقفون خلفه، وعلى رأسهم الرئيس ميشال عون الذي اظهر شجاعة مسؤولة، عندما قال ان العدوان الإسرائيلي على لبنان اعلان حرب يتيح للدولة اللبنانية وجيشها حق الرد، وهذا الموقف الرجولي يعني ان الجيش اللبناني سيقف جنبا الى جنب مع المقاومة اللبنانية في الدفاع عن امن لبنان وسيادته وكرامته.
الأيام، وربما الساعات المقبلة، ستكون تاريخية، ونقطة تحول مصيرية في منطقة الشرق الأوسط، وربما العالم بأسره، فمن تابع قسمات وجه السيد نصر الله وهو يتحدث عن هذا العدوان الإسرائيلي يدرك اننا لا نبالغ فيما نقول.
صواريخ قطاع غزة الثلاثة التي انطلقت بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان والعراق وسورية رسالة تؤكد بأن حزب الله لن يكون وحده في أي حرب قادمة، او هكذا نعتقد، وكل الجبهات قد تكون مفتوحة في معركة الدفاع عن كرامة امة وعزتها.. ولن يطول انتظارنا في جميع الأحوال.. والأيام بيننا.
المصدر رأي اليوم