جهينة نيوز:
بعد تدمير الشرق الأوسط بمساعدة المتطرفين الإسلاميين، ها هي وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تتوجه هذه المرة إلى طائفة الروم الأرثوذكس في مصر.
اعترف بطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا للروم الأرثوذكس، تيودوروس الثاني، بالكنيسة الأوكرانية المنشقة، التي ساعدت في إنشائها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ما تسبب في تعميق انقسام العالم الأرثوذكسي، وانقطاع الصلة بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وبطريركية الإسكندرية وسائر إفريقيا.
من المعروف كيف كان تنظيم القاعدة ليس سوى قائمة للمتطرفين الإسلاميين على حاسوب آلي بمبنى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إلا أن الوكالة دربتهم، وسلّحتهم، ثم استخدمتهم ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. وليس ما رأيناه في مثال تسليح واستخدام الدولة الإسلامية في سوريا لإزاحة رئيسها بشار الأسد، إلا تأكيد واضح على استمرار واشنطن في نهجها لاستخدام المتطرفين، والدين بشكل عام، لتحقيق أغراضها.
اليوم تتدخل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في القضية الأرثوذكسية حول العالم، ليصل تأثير انقسام الأرثوذكسيين في أوكرانيا إلى المسيحيين المصريين من الروم الأرثوذكس.
كانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية قد منحت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، استقلالا ذاتيا كاملا عنها، إلا أنها كانت مع ذلك تنتمي روحيا إلى بطريركية موسكو للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وتظل الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية أكبر كنيسة أرثوذكسية في أوكرانيا، حتى بعد عشرات السنين من القمع واختطاف الكنائس من جانب السلطات المتعاقبة وتيارات القومين المتطرفين الساعين للانشقاق.
في الوقت نفسه، انشقت هذه الكنيسة بعد نيلها استقلالها مباشرة، حينما أسس المطران السابق، فيلاريت كنيسة أرثوذكسية منشقة ببطريركية كييف. علاوة على ذلك يوجد في أوكرانيا أيضا ما يسمى بالكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية المستقلة، التي تحتوي تحت سقفها بشكل أساسي القوميين من أوكرانيا الغربية.
كان كل ذلك يحدث قبل وقوع الانقلاب الذي نظمته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أوكرانيا عام 2014، وانضمام شبه جزيرة القرم إلى أراضي روسيا، وبداية الحرب الأهلية في شرق أوكرانيا. وحينما جاء إلى السلطة نظام قومي بزعامة بيوتر بوروشينكو، الذي حاول ضمن سياساته قطع الصلة بالكامل ما بين الأرثوذكسيين الروس والأوكران.
من الصعب الجزم بمن كان البادئ، لكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والرئيس بوروشينكو وحّدا جهودهما لتوحيد الكنائس الأوكرانية تحت بطريركية القنسطنطينية، لكن الكنيسة الأرثوذكسية الكبرى في أوكرانيا رفضت، وكانت النتيجة توحد كنيستين منشقتين، غير معترف بهما من قبل أي كنيسة أرثوذكسية أخرى.
بعد ذلك، وفي ديسمبر عام 2018، قام المطران، فيلاريت، الذي كان يترأس إحدى الكنائس الموحدة، بمنح وسام لنائب رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق، جاك ديفاين، لبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهودها في هذا المسعى.
وللتذكير نقول، كان جاك ديفاين أحد المشاركين، ورئيس بعض العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، منذ نهاية الستينيات وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، من بينها الانقلاب في تشيلي وسقوط الرئيس سلفادور آلندي عام 1973، وعملية "إيران-كونتراس". كما ازداد دعم المجاهدين في أفغانستان في عهده، واتخذ قرار تزويدهم بصواريخ ستينغر، كما شغل ديفاين في سنوات متفرقة فرع الوكالة في أوروبا.
لكن الفضائح أصبحت تلاحق الكنيسة الجديدة "الموحدة" المنشقة بمجرد إنشائها، حيث اتهم المطران، فيلاريت، الرئيس الأوكراني السابق، بتروشينكو، وبطريرك القسطنطينية، برثلماوس الأول، بالخداع وصرح بأنهما وعداه بكنيسة أوكرانية مستقلة، ليتضح فيما بعد أنها ليست سوى جزء من بطريركية القسطنطينية بلا أي حقوق. وعليه قال فيلاريت إنه سيعيد نشاط بطريركية كييف ، التي كان يترأسها قبل التوحيد، وسانده في ذلك بعض الأساقفة، بينما لا زال الموقف يتطور.
وكما يحدث في أوكرانيا دائما، فحتى مؤامرات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لا تسير كما ينبغي، حيث تنهار الكنيسة الأوكرانية المنشقة التي تقع تحت سيطرة المخابرات الأمريكية، إلا أن ذلك لا يمنع أن تضغط واشنطن على كنائس أرثوذكسية أخرى بغرض الاعتراف بالمنشقين.
لقد أصبح إنشاء هذه الكنيسة ممكنا بفضل بطريرك القسطنطينية، برثلماوس الأول، المقيم في تركيا. وبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى اليونان أكتوبر الماضي، اعترفت بالكنيسة الأوكرانية المنشقة الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، وهو ما أدى لقطيعة بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية واليونانية.
أما الأسبوع الماضي فقد اعترفت بطريركية الإسكندرية وسائر إفريقيا للروم الأرثوذكس، الموجودة في مصر، والتي تنتمي أغلبية قياداتها إلى اليونان، بالكنيسة الأوكرانية المنشقة. إن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم الأرثوذكسيين اليونانيين كبش فداء، بغرض هدم العقيدة الأرثوذكسية، وزرع الفتنة وزعزعة استقرار أكبر عدد ممكن من البلدان.
وبطبيعة الحال يبقى السؤال، ما إذا كانت السلطات المصرية تسيطر على الأمور في مصر، وما إذا كانت تستطيع أو تريد التأثير على قرار كهذا. لكن الواضح هو أن هذا القرار لا يخدم المصالح المصرية، ولا الأرثوذكسية حول العالم، ولا حتى مصالح المسيحيين المصريين.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف – RT