جهينة نيوز:
اليوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر يوليو/تموز لعام 2020، بعد ساعاتٍ قليلة من القرصنة الجوية الأمريكية، التي اعترضت فيها طائرتان حربيتان أمريكيتان طائرة مدنية إيرانية، كانت في طريقها من طهران إلى بيروت، وعلى متنها أكثر من 150 شخصاً، وضيقتا عليها في الأجواء الدولية، مما اضطر قائدها إلى الهبوط الاضطراري من ارتفاعٍ شاهقٍ في مطار بيروت الدولي، إلا أن عناية الله الكريمة قد حفظت ركابها وسلمتهم من كل سوءٍ ومكروهٍ، وحالت دون وقوع كارثة جوية مدنية كبيرة، ولكن سلامة الهبوط ونجاة الركاب، لا تعفي الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع وقيادة جيشها من المسؤولية المباشرة عن هذه الجريمة الدولية غير المسبوقة إلا من أمريكا نفسها، التي سبق لها أن ارتكبت ضد إيران وغيرها مثل هذه الجريمة النكراء.
وقبل حادثة الاعتداء على الطائرة المدنية الإيرانية بساعاتٍ، قصفت طائراتٌ حربية إسرائيلية مواقع سورية، في تصعيدٍ مدروسٍ ومقصودٍ للمكان والزمان، واعتداءٍ متكررٍ على ذات الأهداف والجهات، وكأنها عملياتٌ استباقية لتسخين الجبهات وخلط الملفات وفتح فوهات النار في المنطقة، وجر أطرافها إلى مواجهةٍ شاملةٍ يكون الجيش الأمريكي طرفٌ فيها، حيث أن العين الإسرائيلية مفتوحة على الساحة السورية، تتابع وتراقب وتصور وتسجل، وتتهيأ لكل طارئٍ وجديدٍ، تمهيداً لضرباتٍ عسكريةٍ جديدةٍ قد تكون أوجع وأقسى.
لم يكد ينتهي نهار الجمعة حتى وصل إلى الكيان الصهيوني رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي الجنرال مارك ميلي، الذي زار قاعدة "نفاتيم" الجوية، التي تربض فيها قاذفات أف 35 الاستراتيجية، وطائرات الشبح الهجومية، وغيرهما من المقاتلات الأمريكية العملاقة، التي يعتقد الجيش الأمريكي أنه سيكون لها أكبر الدور في حسم نتيجة أي حربٍ تندلع في المنطقة، وفيها التقى الجنرال الأمريكي مع كبار الضابط العاملين في القاعدة، والمشغلين لأجهزتها والمشرفين على طائراتها، ومنهم إلى جانب الإسرائيليين خبراءٌ أمريكيون وضباطٌ متخصصون في إدارة المعارك الجوية
ثم التقى عبر دائرة الفيديو المغلقة برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومعه رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي، فيما بدا أنها مشاوراتٌ سريةٌ وجادةٌ للغاية لمواجهة التطورات المتسارعة في المنطقة، واتخاذ كافة الإجراءات المطلوبة، احترازياً ووقائياً قبل المباشرة بتنفيذ أي عملٍ عسكري كبير في المنطقة، وقد أظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية اهتماماً ملحوظاً بزيارة الجنرال مارك ميلي، واعتبروا أنها ليست زيارة اعتيادية ضمن البرنامج العملي لرئيس هيئة الأركان، بل تصب في برنامج الإدارة الأمريكية خلال الأشهر الثلاثة القادمة الحاسمة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، إذ لا يخفي نتنياهو رغبته الجامحة في الولايات المتحدة الأمريكية في حربٍ ضد إيران وحلفائها، حيث يعتبر أنها فرصة كيانه الذهبية في ظل هذه الإدارة الأمريكية المنحازة لهم كلياً.
واصل مارك ميلي اجتماعاته مع المسؤولين الأمنيين والعسكريين الكبار، فالتقى بوزير حرب الكيان بني غانتس وفريقه المعاون، بالإضافة إلى رئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي ورئيس الموساد يوسي كوهين وآخرين، وحضر إلى جانب الجنرال ميلي مسؤولون سياسيون كبار في البنتاغون، فيما بدا أنها حوارات فنية أمنية وعسكرية، واخرى سياسية تتعلق بالعلاقات الدولية، وبسياسة الحلفاء في المنطقة، ومدى قدرة كل فريق على المساهمة في الخطط المرسومة للمنطقة خلال المرحلة المقبلة.
وبموازاة محادثات مارك ميلي في الكيان الصهيوني، نشطت القواعد الأمريكية في المنطقة كلها، حيث شهدت قواعدها المنتشرة في المحيط الهندي وجنوب البحر الأحمر، بالإضافة إلى مراكزها القيادية في الكويت والبحرين وقطر، ومراكز عملياتها في العراق وشرق سوريا، نشاطاً واسعاً وحراكاً عسكرياً لافتاً، وحالةً من الاستنفار المقلق في المنطقة، وكأنها على أعتاب حربٍ شاملةٍ ومعركةٍ متعددة الجبهات، ومن هنا كانت محاولة اعتراض الطائرة المدنية الإيرانية، التي يبدو لهم انها اقتربت من مراكزهم الحساسة، واربكت ترتيباتهم الخاصة.
إنها أجواء تذكرنا بعشية العدوان الأمريكي على العراق، الذي استهدف الجنرال قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، إذ سبق الجريمة بساعاتٍ قليلةٍ زيارة لرئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي إلى الكيان الصهيوني، الذي أطلع رئيس الحكومة الإسرائيلية على النوايا الأمريكية، الأمر الذي يجعلنا نتحسب ونترقب، ونخاف ونقلق مما قد تحمله هذه الزيارة المشبوهة الأهداف، فقد يكون لها ما بعدها وهو ما تؤكد عليه مختلف أوساط المتابعين لشؤون المنطقة، أنها مقبلة على صيفٍ لاهبٍ في آب القادم.
فهل يدرك أهل المنطقة أن الخطر يحدق بهم، وأن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني تتآمران عليهم لمصالحهم فقط، وأنهم لن يعطوهم شيئاً مما يتوقعون، ولن يفوا لهم بأي وعدٍ قطعوه لهم، اللهم إلا ما يخدم مصالحهم، ويصب في استراتيجيتهم، ويخدم أهدافهم ويحقق أحلامهم، ولكن قوى المقاومة كلها تدرك أن الحرب لن تكون عليهم فقط، وإنما ستطال من يفجرها، وستحرق أيدي من يشعلها، ولن تكون كلمة الفصل ونهاية الحسم إلا بأمرها وقرارها.