جهينة نيوز:
حرصنا على الاستماع للمقابلة التي اجراها الزميل كمال خلف في برنامج “لعبة الأمم” على قناة “الميادين” مع السيد زياد النخالة، امين عام حركة “الجهاد الإسلامي”، يوم الأربعاء الماضي ثلاث مرات للتأكد مما ورد فيها من حقائق “صادمة” حول تطورات القضية الفلسطينية، وخاصة ما يتعلق منها بقطاع غزة، وعملية التطبيع المتسارعة وتطبيقاتها الاقتصادية والعسكرية والأمنية في اكثر من عاصمة عربية، خاصة الأردنية والمغربية منها على وجه الخصوص.
قبل تقديم أي تحليل او رأي او قراءة في محتوى هذه المقابلة المهمة في رأينا، وادوار اللاعبين الرئيسيين في المنطقة في عملية التطبيع ومشايعها المستقبلية بالتنسيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ورعاية أمريكية، هناك عدة نقاط لا بد من التوقف عندها:
الأولى: كشف السيد النخالة، ونقلا عن مسؤولين مصريين التقاهم اثناء زيارته قبل شهر للقاهرة ان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يريد تحويل قطاع غزة الى “دبي ثانية”، وان المرحلة المقبلة ستشهد تدفق المليارات لإنجاز هذا الهدف، وتطبيقه عمليا على الأرض.
الثانية: انطلاق عملية إعادة الاعمار لقطاع غزة، وتقديم تسهيلات لأبنائه بما في ذلك حرية السفر، ووقف إجراءات التفتيش المهينة على الحواجز الامنية المصرية في معبر رفح وفي سيناء، علاوة على المطارات المصرية.
الثالثة: فتح أسواق العمل الإسرائيلية امام 40 الف عامل من أبناء القطاع للعمل في المدن الإسرائيلية، وقيام حركة حماس بفتح مكاتب لتسجيل أسماء الشباب الراغبين بالعمل، واختيار المناسبين منهم (هناك انتقادات في القطاع تتحدث عن عملية تفضيل لأبناء الحركة او المقربين منها)، وتحول القطاع الى جانب الضفة الى “مخازن للأيدي العاملة” لخدمة الاستيطان ومشاريعه.
الرابعة: إقامة مدينة ترفيهية ضخمة قبالة مدينة رفح على حدود القطاع مع سيناء، تكون مفتوحة لأبناء القطاع، ولا يتطلب دخولها أي تصاريح او إجراءات دخول، وتحتوي على فنادق خمسة نجوم، وملاهي ودور سينما ومنشآت ترفيهية أخرى.
الخامسة: إسرائيل تعتبر قطاع غزة قنبلة موقوتة يجب تفكيكها، بعد ان ادركت فشلل جميع الحلول العسكرية، وشن اربع حروب لتدجين أبنائه والقضاء على المقاومة من خلال نزع سلاحها او تفجيرها ثورة ضدها، ولذلك لجأت إسرائيل الى “الخطة ب” أي “الرخاء الاقتصادي” المطبقة حاليا في الضفة الغربية، ومحاكاة لاتفاق “الجمعة الحزينة” في ايرلندا الشمالية التي كانت ابرز اختراقات توني بلير المبعوث الدولي ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وابرز مهندسي خطة التطبيع الحالية وجر حركة “حماس” الى مشروع التهدئة.
السادسة: الكشف عن الدور الكبير الذي لعبته قوات التنسيق الأمني الفلسطينية في تقديم المعلومات لنظيرتها الإسرائيلية، لتسهيل عملية اعتقال الاسيرين مناضل نفيعات وايهم كممجي من خلية الفرار من سجن جلبوع، اللذين تمكنا من الوصول الى مدينة جنين، ومطالبة رئيس جهاز “الشاباك” للرئيس عباس اثناء لقائه به في مكتبه في رام الله قبل أسبوعين اقتحام المدينة و”تنظيفها” من جميع عناصر المقاومة و”الا”.
السابعة: عدم استبعاد اقدام أجهزة الامن الإسرائيلية بالتعاون مع قوات امن فلسطينية، على عمليات اغتيال واسعة للقيادات الميدانية لحركة “الجهاد” والجناح العسكري لحركة “حماس”، سواء داخل فلسطين المحتلة او خارجها.
***
بعد استعراض هذه النقاط السبع، وربطها بعمليات التطبيع العسكري والاقتصادي التي تسير على قدم وساق في اكثر من دولة عربية، وخاصة الامارات والأردن والمغرب، يمكن الوصول الى نتيجة راسخة بأن السيناريو المعتمد حاليا هو تصفية المقاومة الفلسطينية، من خلال السلام الاقتصادي “الحريرية” الناعمة، عبر توظيف المليارات العربية، والاماراتية خاصة، فالماء مقابل الكهرباء في الأردن، والدفاع المشترك في المغرب، وتحويل غزة الى دبي في فلسطين المحتلة السيناريو الأبرز في هذا المضمار.
نشم رائحة “خطة شيطانية” لبذر بذور الخلاف بين حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، قطبي المقاومة الأبرز في الضفة والقطاع، من خلال ما ورد على لسان السيد نخالة في لقائه “المدروس” مع قناة “الميادين” قد يكون تكرارا لنظيره بين حركة “حماس” والسلطة الذي أدى الى سيطرة الأخيرة على القطاع عام 2007، وهذا لا يعني ان المحصلة النهائية ستكون متطابقة.
لا نكشف سرا عن وجود تنافس شديد بين تحالف مصري قطري في قطاع غزة، واماراتي اردني تركي مواز في الاردن والضفة الغربية، ومعلوماتنا تقول ان الخلاف المصري الاماراتي في ذروته حاليا بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد الى انقرة، وهذا الخلاف اذ ما استمر سيحول دون أي دور للامارات في غزة اذا ما نجحت الخطة المصرية الإسرائيلية القطرية في إعادة الاعمار وتحويل غزة الى “دبي” متوسطية، وتعديل بنود اتفاقية كامب ديفيد مؤشر في هذا الميدان.
***
نختم بالقول ان السباق المتسارع الذي يطفوا على السطح هذه الأيام بكل وضوح بين مشروع كوشنر المدعوم إسرائيليا وبعض الدول المطبعة، وبين مشروع المقاومة، المدعوم إيرانيا من قبل اذرعها الحليفة “حزب الله” في لبنان و”انصار الله” في اليمن سيكون العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة، وسيضع حركة “حماس” امام خيارات صعبة، فأما البقاء في محور المقاومة، او الانخراط في مشروع “التهدئة” حفاظا على حكمها في القطاع، وما وضعها بريطانيا على قائمة الإرهاب الا احد الضغوط في هذا الاتجاه، وربما تتبعها خطوات مماثلة عربية وأوروبية.
ان يعارض السيد النخالة خطط السلام الاقتصادي ومشروع تفكيك قنبلة غزة، وترسيخ مشروع التطبيع العربي المقابل الذي يعتبر فلسطين إسرائيل، فهذا يعني خلافا كبيرا، وربما مواجهة قادمة بين حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وربما قطيعة مع مصر لانتقاده ورفضه مدينتها الترفيهية، واغلاق أبوابها في وجهه بالتالي.
عملية القدس الأخيرة التي نفذها الشهيد فادي أبو شخيدم تؤشر الى بدايات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وحديث النخالة عن ورش الطائرات المسيرة والصواريخ في القطاع وتعويض ما خسرته المقاومة من أسلحة في معركة “سيف القدس” الأخيرة، ربما تكون مؤشرات على تصاعد الخيار الآخر المضاد لتفكيك قنبلة المقاومة في قطاع غزة والضفة، وترجيح كفته.. والله اعلم.
المصدر رأي اليوم