جهينة نيوز:
كتاب توثيقي جديد مكتوب بطريقة مبتكرة جمع ما بين الجانبين الشخصي والجمعي رفدت به الدكتورة / نجاح العطار / مكتباتنا الوطنية والعربية على حد سواء ولخصت فيه بعضاً من تجربتها الطويلة وخبراتها المتراكمة عبر عقود عديدة من العمل في المجالات الثقافية والسياسية والتدريسية والحياتية أيضاً.
الكتاب الذي عنونته الدكتورة العطار بـ /أوراق شخصية في بريطانيا والوطن/ جاء فريداً في جمعه بين التجربة الحياتية الشخصية لها وبين التجربة السياسية التي دأبت من خلالها على خدمة وطنها وأمتها وقضاياها العادلة وتصحيح ما عملت الدعاية الغربية عليه لتزييف الحقائق حولها وبث فبركات وادعاءات كاذبة في المجتمعات الغربية علها تنجح في دفع شعوبها للوقوف مع الأنظمة القائمة هناك ولا سيما بريطانيا والولايات المتحدة في سياساتها المعادية للقضايا العربية.
الدكتورة العطار وفي كتابها الجديد عملت على وضع القارئ في صورة بعض مراحل حياتها الشخصية حرصاً منها على إيصال بعض أفكارها وتجربتها بطريقة متكاملة وانسيابية رشيقة تلامس العقل والروح معاً حيث بدأت كتابها بتخصيص فصل عن زوجها اللواء الطبيب محمد ماجد العظمة الذي لعب دوراً محورياً في دعمها وتشجيعها للوصول إلى ما وصلت إليه في عالم الثقافة والفكر والسياسة.
الإيجاز في الحديث عن زوجها الدكتور العظمة قابله إسهاب رشيق تضمن تفاصيل كثيرة عن سفرهما معاً إلى بريطانيا للدراسة وتحديداً جامعة أدنبرة حيث تابع دراسته في أكاديمية الجراحين العريقة بينما قامت الدكتورة العطار بدراسة النقد الأدبي لتنال بذلك شهادة الدكتوراه في هذا الاختصاص.
خمس سنوات ونيف بين عامي 1955 و1959 قضتها الدكتورة العطار تنهل العلم وتصقل خبراتها وتجاربها في بريطانيا.. هذه السنوات أفردت لها سبعة فصول تحت عناوين عريضة في جديد كتبها /أوراق شخصية في بريطانيا والوطن/ ووضعت فيها تفاصيل كثيرة عن مجمل حياتها في الجامعة بشكل خاص وفي المجتمع البريطاني بشكل عام الذي يزخر بتناقضات كثيرة في التعامل مع مختلف القضايا المجتمعية والفكرية بدءاً من الوافدين وليس انتهاء بالمرأة والعمل والفوارق الطبقية الكبيرة.
وتحت عنوان “نهاية مرحلة” في إشارة منها إلى نهاية مرحلة الدراسة والحياة في بريطانيا خصصت الدكتورة العطار فصلاً جديداً أوجزت فيه ما خلصت إليه من أفكار ورؤى من تلك المرحلة مؤكدة أن كل فرد مسؤول وكل فرد لا يشعر بمسؤوليته هو عامل هدم وحجر عثرة في حياة أمته وأن الشعور بالمسؤولية هو الذي يدفع الأديب إلى الإنتاج والكتابة وهو الذي يقود الأبطال إلى المعركة غير عابئين بمصيرهم المجهول.. والقادة إلى مواجهة الأزمات والتغلب على المتاعب.. والصحافة إلى النضال دفاعاً عن فكرة أو إيماناً بمثل أعلى أو سعياً وراء مصلحة الأمة.
سيمنار هارفارد الذي استمر عدة أسابيع ومشاركتها في نقاشاته كان له نصيب كبير من الكتاب الجديد للدكتورة العطار التي كشفت عن حقائق كثيرة حول دور كيان الاحتلال الإسرائيلي المفضوح في اللقاءات التي تقيمها الجامعات الأمريكية والغربية تحت مسميات وعناوين براقة لصب السم في الدسم عبر ترويج أفكار الدعاية الصهيونية الكاذبة المعادية للعرب وقضاياهم العادلة التي تستغل جهل الرأي العام بتاريخ بلادنا وبأسرار الصهيونية وتاريخ فلسطين.
كما تكشف الدكتورة العطار في كتابها جانباً خطيراً من أهداف سيمنار هارفارد الذي كان يتحدث في تلك الدورة عن قضية فيتنام حيث حاول مسؤولو واشنطن الترويج بأن أمريكا تدافع عن الديمقراطية بقصف هانوي وغيرها من المدن وذلك للتغطية على جريمة استخدام القنبلة الذرية زاعمين أن واشنطن كانت تصون حياة الفيتناميين ناهيك عن دأب المسؤولين الأمريكيين على تزييف الحقائق حول معاناة الزنوج في أمريكا حيث تقول في كتابها “كيف تتحدث أمريكا عن الحريات وحماية الديمقراطية وما تزال هي تعيش في جو من التمييز العنصري رهيب يهون معه أحياناً الرقيق.. بالأسلوب الذي كان شائعاً في العصور القريبة.. وقد انكشف لي وجه بائس من وجوه الحياة لا تستطيع أن تطمسه ناطحات السحاب ودعايات الحرية والتحرر وسيبقى عاراً يدين إنسانية القرن العشرين”.
الجزء الأخير من كتابها الذي يقع في 236 صفحة من القطع المتوسط وهو من منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب أفردته الدكتورة العطار لذكريات ومتابعات من أرض الوطن عايشتها شخصياً نهاية ستينيات ومطلع سبعينيات القرن الماضي ولمست فيها تجذر السوريين في أرضهم ودفاعهم عن وطنهم وانتصارات حرب تشرين التحريرية حيث تقول: “في تشرين تبدلت صورة حزيران كأنها لم تكن أبداً.. وكنا نتساءل.. ست سنوات أحدثت كل هذا التغيير.. نكاد لا نصدق” مؤكدة أن “الشعوب في حقها وسلاحها ووحدتها يظل الدور الأول لنجاحها في عملها منوطاً بقياداتها فعندما تتوافر للشعوب القيادات القادرة تحرز النجاحات الباهرة”.
وتخلص الدكتورة العطار إلى أن “العدو ومن ورائه أمريكا يحاول خلق أوهام جديدة عن طريق الضجيج والعجيج.. ونحن نعرف من تجربة الأيام التي مرت أن هذه التهويلات نصيبها الفشل فالذين حطموا خرافة العدو بأسلحته الأمريكية السابقة قادرون على تحطيم خرافة العدو بأسلحته الأمريكية اللاحقة”.