وافقت محكمة فرنسية اليوم الجمعة على الطلب الحادي عشر للإفراج المشروط عن الناشط اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، المسجون منذ 40 عاماً بتهمة التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين اجنبيين وقضى مدى محكوميته منذ عدة سنوات، كما أفادت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب وكالة “فرانس برس”، مشيرةً إلى أنها ستستأنف القرار.
وقالت النيابة في بيان إنَّ “محكمة تنفيذ الأحكام، بقرار مؤرخ اليوم، سمحت بحصول جورج إبراهيم عبد الله على إفراج مشروط ابتداء من 6 كانون الأول (ديسمبر) المقبل بشرط مغادرة الأراضي الوطنية وعدم العودة إليها”.
جورج إبراهيم عبد الله الذي قضت محكمة فرنسية بالإفراج عنه، هو ناشط لبناني ناضل من أجل القضية الفلسطينية وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في عام 1987 بتهمة التواطؤ في اغتيال اثنين من الدبلوماسيين، وسُجن طيلة 40 عاما.
“أنا مقاتل ولست مجرما”، هذا ما أصر على قوله الرجل ذو النظرة الصافية واللحية الكثة وهو يطالب بإطلاق سراحه للمرة الحادية عشرة. وقال في معرض دفاعه عن نفسه أمام القضاة “الطريق الذي سلكته أملته علي انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد فلسطين”.
وُلد عبدالله في 2 نيسان/أبريل 1951 في قرية القبيات في عكار بشمال لبنان، وانتسب منذ الخامسة عشرة إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي. ثم عمل في مجال التعليم.
أصيب جورج عبدالله أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978، وانضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كان يتزعمها جورج حبش.
بعدها، أسس مع أفراد من عائلته الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وهي تنظيم ماركسي مناهض للإمبريالية تبنى خمسة هجمات في أوروبا بين عامي 1981 و1982 في إطار نشاطه المؤيد للقضية الفلسطينية. وأوقعت أربعة من هذه الهجمات قتلى في فرنسا.
لكن ظروف اعتقاله كانت استثنائية. فقد دخل في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1984 إلى مركز للشرطة في ليون، طالبا الحماية من قتلة الموساد الذين يطاردونه.
عبدالله الذي كان حينها يحمل جواز سفر جزائريا، استخدم من قبل جوازات سفر من مالطا والمغرب واليمن لدخول يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص.
لكن مديرية مراقبة الأراضي الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحا وإنما هو عبد القادر السعدي، وهو اسمه الحركي. وعثر في إحدى شققه في باريس على أسلحة بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال.
حُكم عليه العام 1986 في ليون بالسجن أربع سنوات بتهمة التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومتفجرات، وحوكم في العام التالي أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس بتهمة التواطؤ في اغتيال الدبلوماسيين الأميركي تشارلز راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمينتوف عام 1982، ومحاولة اغتيال ثالث عام 1984.
نفى عبد الله التهم وأكد “لستُ سوى مقاتل عربي” لكن القضاء حكم عليه بالسجن المؤبد، بعد أن طلب النائب العام سجنه عشر سنوات.
في مذكراته، قال جورج كيجمان، محامي الأطراف المدنية، إنه تصرف “مثل الإرهابي الذي ينفي أنه يمثله… أهان الجميع، ووصفنا بأننا خنازير وإمبرياليون قذرون، وكان لا بد من طرده من قاعة المحكمة”. ولكن محاميه جاك فيرجيس رأى في الحكم “إعلان حرب”. وتم على الفور تشكيل لجنة دعم للمطالبة “بالإفراج الفوري عنه”.
منذ عام 1999، وهو العام الذي صار فيه مؤهلاً للإفراج عنه، رُفضت جميع طلباته للإفراج المشروط باستثناء طلب واحد في عام 2013، ولكن شرط ترحيله، وهو ما لم ينفذه وزير الداخلية آنذاك، مانويل فالس. ولم يعرب أحد أقدم السجناء في فرنسا حيث يُعتقل في لانيميزان في جنوب غرب البلاد، عن ندم.
وفي عام 2022، قال محاميه جان لويس شالانسيه لفرانس برس “إنه في حالة جيدة من الناحية الفكرية. إنه مناضل متمسك بمواقفه. يقرأ كثيرا ويبقى على اطلاع على ما يحدث في الشرق الأوسط”.
على مر السنين، حشدت محنته الناشطين المقربين من الحزب الشيوعي الفرنسي واليسار الراديكالي الذين تحركوا تضامنا معه بصفته “سجينا سياسا” واتهموا الحكومات المتعاقبة بالقسوة المفرطة بحقه. ومنحته البلديات التي قادها شيوعيون صفة مواطن فخري. ونُظمت تظاهرات أمام سجنه على نحو متكرر.
وكتبت آني إرنو، الحائزة جائزة نوبل للآداب عام 2022، في صحيفة لومانيتيه اليومية في تشرين الأول/أكتوبر أن “جورج إبراهيم عبد الله ضحية قضاء الدولة الذي يلحق العار بفرنسا”.
في 2021، قال كيجمان “شخصيا أعتقد أنه من الممكن إطلاق سراح جورج عبد الله … صرت أكن له نوعا من الاحترام … فالشخص الذي كان صاخبا في محكمة الجنايات صار مفكرا متزنا … وإن كان لا يفعل شيئا لتسهيل إطلاق سراحه كونه حبيس قناعة جديرة بالاحترام لكنها عقائدية متزمتة”.