أعلنت لجنة تقصي الحقائق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة في الساحل السوري، اليوم الثلاثاء، توثيق 938 إفادة لشهود عيان على ما حدث من انتهاكات وتجاوزات في اَذار الماضي.
وقال المتحدث الرسمي للجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، المحامي ياسر الفرحان، خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة السورية دمشق، اليوم الثلاثاء: "بمبادرة من الحكومة السورية وإيمانا منها ومن اللجنة بتعزيز الحق في الحقيقة، ننشر مضمون التحقيقات والنتائج الرئيسية، ونوضح أن نص بيان مؤتمرنا الصحفي هذا، يشكل ملخصا قابلا للتداول ريثما تبت الرئاسة في كيفية التعامل مع باقي عناصر التقرير من النواحي الحقوقية والقضائية والأمنية والعسكرية والسياسية، وفقا لما هو شائع في آليات وإجراءات التعاطي مع تقارير لجان التحقيق الوطنية والدولية".
وأضاف: "اعتمدت اللجنة في أداء مهامها على الرصد العام والتقصي والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة ضمن إطار ولايتها مكانيا في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانيا للنظر في أحداث مطلع آذار وما يليها، وموضوعيا للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث، وللتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، والاعتداءات على المؤسسات الحكومية ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عن كل منها، وإحالة من يثبت تورطهم إلى القضاء".
وحسب الفرحان، "تواصلت اللجنة بشفافية مع السوريين والسوريات بشكل مباشر وعبر الإعلام، وعقدت اجتماعات متعددة ومفيدة مع مختلف أطراف المجتمع الأهلي والمدني وممثلي النقابات المهنية، ومعظم الشخصيات من النخب والأعيان والوجهاء".
وأوضح أن اللجنة "استمعت اللجنة كذلك إلى 23 إحاطة وإفادة من مسؤولين في الجهات الرسمية واستجوبت المشتبه بهم الموقوفين، واتخذت الإجراءات اللازمة لإحالتهم إلى القضاء".
وتابع الفرحان: "أجرت اللجنة مشاورات مركزة مع الجهات الدولية المعنية في الأمم المتحدة من خلال اجتماعات رفيعة المستوى مع كل من مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، ورئيس وأعضاء وفريق اللجنة الدولية للتحقيق في سوريا، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الدولي إلى سوريا، ومع هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وناقشت اللجنة في اجتماعاتها ومراسلاتها آليات اعتماد أفضل السبل والمعايير والإجراءات الممكنة في التحقيق".
وبيّن الفرحان أن "اللجنة اتبعت الأصول القانونية المبينة في لائحة اختصاصاتها ومعاييرها للحفاظ على مبادئ الاستقلالية والحياد والموضوعية والمهنية والاتساق والشفافية وعدم الإضرار والسرية وتوفير سبل حماية من يطلب من الشهود عدم الإفصاح عن بياناتهم الشخصية، وبما ينسجم مع إجراءات النزاهة التي ستتبعها الحكومة".
وأوضح أنه "في 6 آذار (مارس) الماضي، نفذ "الفلول" سلسلة عمليات عدائية واسعة، استهدفوا فيها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مقرات الجيش والأمن العام، والحواجز والدوريات التابعة لها، وقطعوا الطرقات الرئيسية، وقتلوا حسبما توصلت له اللجنة 238 شابا من عناصر الأمن والجيش في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة".
وأضاف: "بعضهم قتلوا بعد أن ألقوا سلاحهم نتيجة لمفاوضات جرت بوساطة الوجهاء، وبعضهم قتلوا وهم جرحى يتلقون العلاج، وبعضهم قتلوا وهم أسرى، ودفن "الفلول" بعضهم في مقبرة جماعية، واستهدفوا الطرق العامة والمستشفيات، وأخرجوا 6 منها عن الخدمة، وقتلوا عددا من المدنيين وفقا لمعلومات تبلغتها اللجنة ولم تتمكن من تدوين بياناتهم وفقا لمعاييرها".
وحسب الفرحان، "من خلال إفادات الشهود من عائلات الضحايا وأهالي المنطقة والموظفين الحكوميين ومحاضر استجواب الموقوفين وبفحص الأدلة الرقمية وقرائن وأدلة أخرى، توصلت اللجنة إلى أسماء 265 من المتهمين المحتملين المنضمين إلى مجموعات المسلحين المتمردين الخارجين عن القانون والشائع تسميتهم بـ “الفلول” وممن توفرت لدى اللجنة أسباب معقولة للاشتباه بتورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة".
وشرح: "فجر يوم الجمعة الواقع في 7 آذار: مارس الماضي، ومن بعض القرى المرتفعة والمطلة على الطريق، استهدف الفلول بأسلحتهم الرتل العسكري وقوافل الفزعات وسيارات المدنيين المارة، فقضى على إثر ذلك عدد من العسكريين والمدنيين، الأمر الذي تسبب في مزيد من العشوائية، فاضطرت القوات الحكومية إلى تشكيل مجموعة لفتح الطريق في محاولة للحد من العشوائية".
وتابع: "بدأت مجموعات مسلحة دخول أحياء عدد من القرى والبلدات وبيوتها، وتعرض الأهالي لحملات تفتيش متتالية منضبطة في بعضها، وعشوائية منفلتة في بعضها الآخر وفيما لاحظت اللجنة ارتياحا غالبا لدى الأهالي تجاه سلوك عناصر الأمن العام، تحققت من انتهاكات جسيمة واسعة تعرض لها المدنيون أيام 7 -8 – 9 آذار الماضي".
وأكد الفرحان أن اللجنة "تحققت من أسماء 1426 قتيلا، منهم 90 امرأة والبقية معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة، وبالرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، ترجح اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية".
وأضاف: "اللجنة اطلعت من مصادر مفتوحة على أعداد إضافية من القتلى لم تتحقق من صحتها بسبب عدم ورود أسمائهم في كشوفات المقابر أو إفادات الشهود الذين استمعت إليهم، كما تبلغت اللجنة بمعلومات حول 20 شخصا من المفقودين بعضهم مدنيون وبعضهم من عناصر القوات الحكومية".
وأكد أنه تتواتر في إفادات الشهود أقوال حول السلوك المتباين للمجموعات وللأفراد ضمن المجموعة الواحدة، ففيما ارتكب بعضهم فظاعات مروعة، تعامل بعضهم باحترام، الأمر الذي يدعو مع أسباب أخرى معقولة اللجنة للاعتقاد بأن الانتهاكات رغم أنها واسعة لم تكن منظمة"، مشيرا إلى أن "اللجنة بحثت في أسباب تعرض هذه القرى للانتهاكات المروعة التي شهدتها، في مقارنة مع مناطق أخرى يسكنها العلويون السوريون ولم تتعرض لانتهاكات، ولاحظت أن القرى المستهدفة تطل في معظمها على الطريق الدولي، كما لاحظت في بعض شهادات عائلات الضحايا أن الفلول استخدموا هذه المناطق الاستهداف العناصر الحكومية".
وتابع: "ركزت اللجنة في تحقيقاتها على تقصي هوية الفاعلين وخلفيتهم بوسائل متعددة منها سؤال العائلات والاستماع لمئات الشهادات من ذوي الضحايا، وباستجابة وزارة الدفاع إلى طلب اللجنة في التعرف على الأشخاص في الصور والفيديوهات المحددة من قبلها، توصلت إلى معرفة 298 شخصا بأسمائهم الصريحة من المشتبه بتورطهم في انتهاكات وهذا الرقم يبقى أوليا".
وأردف الفرحان: "من خلال فحص الأدلة الرقمية وبمساعدة مميزة من وزارة الدفاع، توصلت اللجنة إلى تحديد أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، وترجح اللجنة بأن هؤلاء الأفراد والمجموعات خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين".
وأكد أن "اللجنة لاحظت في تحقيقاتها أن سلسلة التدابير والتعليمات والأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية ومن وزيري الدفاع والداخلية، قبل وخلال وبعد أحداث آذار 2025 ، ركزت على حماية المدنيين، وعلى الالتزام بالقوانين، وأن درجة واسعة من الانضباط تميزت بها القوات الحكومية، وبأن جهودا حثيثة بذلتها الدولة للحد من الانتهاكات، وبأن أفرادا متهمين أحيلوا للمساءلة".
وأضاف الفرحان:" كما لاحظت اللجنة أن اندماج الفصائل تحت هيكلية وزارة الدفاع ما زال في بعضه شكليا، واتسم بأنه لم ينظم ويستكمل بعد، وأنه جرى بهذه الصورة – بوصفه حالة من الضرورة لتغطية الفراغ الذي أحدثه حل الجيش المتورط بإبادة المدنيين، وأن سيطرة الدولة الفعلية خلال الفترة المستهدفة بالتقرير كانت جزئية وأحياناً منعدمة، وأنها ما تزال في مرحلة إعادة بناء مؤسسات الأمن والجيش".