جهينة نيوز- حسن زين الدين:
عادت ألمانيا لتتزعم العالم الكروي بنجمة رابعة على قميصها بفوزها على الأرجنتين 1 ـ 0، بعد التمديد، في نهائي مونديال 2014 في البرازيل، على ملعب «ماراكانا» التاريخي. لقب استحقه الألمان تماماً على مدار البطولة، وكذلك في المباراة النهائية بعدما كانوا أفضل من الأرجنتينيين بلعبهم الهجومي وسيطرتهم، مقابل اعتماد خصومهم على الدفاع. وفي النهاية، حملت الدقيقة
ما بين 12 حزيران و13 تموز لعام 2014 تغيّر مشهد العالم الكروي برمته. لن تغادر ألمانيا الأراضي البرازيلية كما دخلتها. في 12 تموز، حط الألمان في بلاد سحرة الكرة مثلهم مثل باقي المنتخبات الـ 32، لكنهم كانوا آخر المغادرين لها، وبحوزتهم تلك الكأس التي حلم بها الجميع. مصير كأس العالم حددها ورسم وجهتها الألمان وحدهم في النهاية على الشكل الآتي: ستستقل الطائرة وتقطع المحيط الأطلسي وتحط في برلين. ستطول الرحلة الجوية لأكثر من عشر ساعات، لكن هذه الكأس سترتاح لأربع سنوات في قلب العاصمة الألمانية.
استحقها الألمان تماماً على مدار البطولة، وفي المباراة النهائية التي كانوا فيها الأفضل والأكثر سيطرة واستحواذاً وتحكماً وقوة وتركيزاً وصنعاً للفرص والخطورة طوال دقائقها الـ 120، أو بالأحرى لم يكن من «عدل الكرة» أن لا تتوَّج ألمانيا باللقب. في الملعب، كان لاعبو «المانشافت» أبطالاً جميعاً: من الحارس مانويل نوير، الذي عاد ولعب دور «الليبرو» مرة جديدة بتدخلاته البطولية، الى الدفاع المتألق، الى الوسط المبدع، وانتهاءً بالهجوم القناص.
يكفي اختصار أدائهم القتالي بالنجم باستيان شفاينشتايغر الذي أظهر عن قدرة قيادية لا مثيل لها في الشوطين الإضافيين، حيث تعرض لشتى أنواع الضرب والركل من الأرجنتينيين حتى سالت الدماء من عينه، إلا أنه أكمل وكأن شيئاً لم يكن.
أما على خط الملعب، فقد تفوّق يواكيم لوف على أليخاندرو سابيلا خططاً وتبديلات، رغم الظروف التي واجهته بانسحاب سامي خضيرة في الثواني الأخيرة قبل بداية اللقاء فاستبدله بكريستوف كرامر ليعاد ويصاب الأخير في الدقيقة 30 ويستبدله بأندريه شورله، ويكفي القول أيضاً إن البديلين شورله وماريو غوتزه هما من حسما اللقاء بتمريرة رائعة من الأول واستقبال وتسديدة أروع من الثاني، كانت، بالتأكيد، أجمل ختام لهذه البطولة الرائعة.
المباراة يمكن اختصارها كالآتي: هجوم ألماني تحديداً عبر الجهة اليمنى وصنع للعب والفرص والخطورة، مقابل دفاع أرجنتيني، مع اعتماد على الهجمات المرتدة التي شكلت خطورة، وخصوصاً انفراديات غونزالو هيغواين (21) وليونيل ميسي (47) والبديل رودريغو بالاسيو (97)، وسط اعتماد على الخشونة لإيقاف الألمان في وسط الملعب تحديداً، مع شعورهم بالإنهاك في الشوطين الإضافيين. كان واضحاً أن الدفاع الأرجنتيني سيستسلم في النهاية أمام الضربات الألمانية، وهذا ما حصل بالفعل.
أين ليونيل ميسي؟ ضاع حلم «ليو». انتهى الأمر، ميسي لن يقف على مرتبة واحدة مع «الأسطورة» دييغو أرماندو مارادونا. تكفي اللقطة الأخيرة في الدقيقة 120 من تسديدة من ركلة حرة توقفت لها قلوب الأرجنتينيين، لاختصار مشهد «ليو» في اللقاء، لكنه أطاح الكرة عالياً وأطاح معها آمال الأرجنتينيين، والأهم فرصته في الدقيقة 47 من انفرادية سددها بغرابة قريبة من القائم الأيسر. مرة جديدة، تمكن الألمان من تعطيل ميسي لتبقى «جائزة الترضية» من «الفيفا» بنيله جائزة أفضل لاعب في البطولة، هي ما خرج به من البرازيل.
إذاً، ألمانيا بطلة للعالم في كرة القدم. ألمانيا الأقوى في مونديال البرازيل لعام 2014. ألمانيا تعود لحكم العالم، وأي حكم هذا الذي أخذت صكه من قلب البرازيل، من ملعبها التاريخي «ماراكانا» وبعد إقصاء كبيري قارة أميركا الجنوبية البرازيل والأرجنتين؟
كان واضحاً منذ البداية أن هذا المنتخب الألماني سيذهب بعيداً في البطولة. في المباراة الأولى، قضوا على البرتغال برباعية نظيفة ومعها على حلم كريستيانو رونالدو في مهده. بدوا منتخباً بشخصية البطل.
أمام غانا، تراجع المردود قليلاً. لكن الألمان لم يصبهم ما أصاب الإسبان أو الإنكليز أو الطليان، لم ينهاروا، بل خرجوا بتعادل، مقدمين صورة للبطل الذي يعرف من «أين تؤكل الكتف».
في المباراة الثالثة، سيطروا بالكامل على الولايات المتحدة واكتفوا بهدف نظيف بأقل مجهود، ومرة جديدة ظهروا بشخصية البطل.
أمام الجزائر في دور الـ 16، كان الاختبار الحقيقي المفاجئ. ومع مرور الدقائق، وصولاً الى الشوطين الإضافيين خال الجميع أن الألمان لن يستطيعوا الصمود، إلا أنهم حصدوا الانتصار، مثبتين أنهم قادرون، مهما بلغوا من سوء، على البقاء ثابتين، وأنهم «ملوك» في الخروج من المآزق.
أمام فرنسا في ربع النهائي، راهن كثيرون على سقوطهم، إلا أنهم فرضوا شخصيتهم على خصومهم وتحكموا بمباراتهما رغم الحرارة والرطوبة العاليتين وخرجوا بالأهم: بطاقة نصف النهائي.
بعدها أتى الموعد التاريخي الأهم: الألمان ينازلون البرازيليين في معقلهم وبين جمهورهم الكبير وحلمهم الأكبر. قيل إن السقوط سيكون حتمياً هذه المرة، إلا أن ألمانيا أسقطت الجميع بالضربات السبع القاضية التي أطاحت «السيليساو» من بطولته على نحو لم يكن يتصوره عقل، وذرفت معه دموع برازيلية على امتداد بلاد سحرة الكرة وعلى قدر مياه نهر الأمازون. كان واضحاً حتى قبل هذه البطولة، ومنذ سنوات، أن هؤلاء الألمان قادمون، لا محالة، لبسط سيطرتهم على العالم. وصولهم إلى نصف نهائي مونديال 2006 ونهائي كأس أوروبا 2008 ونصف نهائي مونديال 2010 ونصف نهائي كأس أوروبا 2012 والمتزامن مع تألق منتخباتهم في الفئات العمرية كان يشي بذلك، ليأتي بلوغ بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند، اللذين يعدان نواة المنتخب الحالي، نهائي دوري أبطال أوروبا، كتأكيد للأحقيّة الألمانية بالوصول الى الريادة العالمية.
إذاً، «ماراكانا» أعطى الصك للألمان أمس بأنهم أبطال العالم، وبأنهم الأقوى في العالم. آن الأوان لبرلين أن تحتفل بعد 24 عاماً من الانتظار بهذا الانتصار واللقب الرابع في تاريخ البلاد، وما على أوروبا، ومعها العالم، إلا التصفيق لشبابها العائدين إليها بذهب المونديال. ذهب ولا أحلى ولا أثمن من قلب البرازيل.
أُسدل الستار على مونديال 2014 إذاً. كان مونديالاً رائعاً بفنونه وجنونه وغرائبه وأرقامه و«ظواهره» ومفاجآته ومباراته النهائية التي كانت على قدر الطموحات بحماستها. وفي النهاية، انسحب الجميع من المشهد وبقي الألمان، وحدهم، ملوك هذا الزمان.
صحيفة الاخبار
13:18
21:19