جهينة نيوز:
أثبتت القيادة السورية سواء السياسية او العسكرية أنها أفضل من يخوض الصراع على حافّة الهاوية، فخلال ست سنوات ونصف من الصراع على حافّة الهاوية استطاعت القيادة المباشرة بدفع الأعداء الى الهاوية عبر تنظيم عملية الدفع بحسب اولويات ترتبط بنسب المخاطر، بعد ان كانت هذه القيادة قد حدّدت اولوياتها لكل مرحلة من مراحل الصراع بما يتناسب مع حجم المخاطر والقدرات في حرب تم اطلاقها على سوريا ويُدرجها اغلب الخبراء تحت مسمّى حروب الجيل الرابع، وأميل الى تسميتها بالحرب اللانمطية حيث ان ما شهدناه في هذه الحرب من اساليب قتالية وارهابية لا يندرج في خانة اية مدرسة عسكرية، كما ان الرد على هذه الحرب وصل الى حد تشكّل مدرسة عسكرية جديدة يمكن بكل بساطة ان نُطلق عليها اسم المدرسة العسكرية السورية والتي سيتم تدريس قواعدها وقوانينها وأنماطها في كل الكليات والمعاهد والأكاديميات العسكرية عبر العالم.
مع بداية الحرب على سوريا كان حجم التحدي كبيرًا، حيث كنا امام سوابق انهارت فيها انظمة حكم كانت حتى لحظة انهيارها من الأنظمة المتماسكة كـ تونس وليبيا ومصر لم تصل فيها الأمور حد المواجهة العسكرية، باستثناء ليبيا التي كانت المواجهة فيها قصيرة حيث كان للقرار الصادر عن مجلس الأمن دورٌ كبير في استهداف قوات الجيش الليبي وتدمير وحداته، وهو الخطأ الذي تداركته روسيا فيما بعد ومنعت حصوله ولا تزال بما يرتبط بسوريا عبر استخدام حق النقض "الفيتو"، وهو الأمر الذي تخطته روسيا ووصل حد الدخول على خط الحرب الى جانب الدولة السورية، وهو العامل الذي غيّر كثيرًا من ميزان القوى ورجّح الكفّة للجيش السوري الذي استفاد ولا يزال من القوة النارية الروسية الهائلة وكذلك حجم الخبراء الموجودين في الميدان من مختلف الإختصاصات، إلّا أنّ عامل دخول روسيا على خط الحرب لم يكن العامل الرئيسي في الوصول الى المرحلة الحالية حيث كان الجيش السوري ولا يزال القوة الرئيسية التي تعاملت مع كل مراحل الميدان منذ اطلاق الحرب على سوريا.
حتى اواخر شهر ايلول سنة 2015 كانت وحدات الجيش السوري تقاتل في ظروف شديدة التعقيد وعلى مساحات واسعة من الجغرافيا السورية، حيث كان على وحدات الجيش القتال على عشرات الجبهات ومئات المحاور معتمدة على قتال الدفاع المتحرك مع تنفيذ اندفاعات محسوبة حيث تكمن الأولويات، مع العمل على تثبيت غالبية الجبهات والبدء بترتيب اولويات المواجهة من خلال اعتماد تدبير اعادة التموضع الى القطاعات الحيوية للدولة، والتي أطلقتُ عليها سابقًا تسمية منطقة الثقل الإستراتيجي والتي تحتوي المدن الكبرى وطرقات الربط بين المدن الكبرى واغلب المنشآت الحيوية والهامة للدولة.
بعد الوصول الى مرحلة تثبيت منطقة الثقل الإستراتيجي للدولة والتي سبقها اعادة تموضع إلزامية بالتخلي عن عبء الجغرافيا والقائه على الجماعات الإرهابية لتشتيت جهدها، وبهدف تجميع القوى من خلال استراتيجيا اعتمدت على العودة تدريجيًا الى كامل التراب السوري، وهو ما اعلن عنه الناطق باسم الجيش والقوات المسلحة السورية عندما اعلن عن بدء عملية "من البحر الى النهر" بعد الدخول الروسي على خط الحرب.
قبل اطلاق العملية وحتى قبل الدخول الروسي كانت وحدات الجيش السوري تنفذ عمليات هجوم مضادة في حلب والقلمون لارتباط هاتين المنطقتين بالثقل الإستراتيجي، وهو ما اسماه اعداء سوريا "سوريا المفيدة" والذي تم ضحده كمقولة بعد انطلاق عمليات البادية ووصول القوات الى خط الحدود السورية - العراقية.
العمليات الأولى ما بعد الدخول الروسي بدأت في ارياف اللاذقية لتعزيز حائط الصد عن الساحل بعد ان كانت الجماعات الإرهابية قد استطاعت السيطرة على ادلب واريافها، وهو برأيي ما كان يمكن مواجهته حيث كانت ادلب واريافها منطقة رخوة عسكريًا وأمنيًا لجهة كونها مثّلت بيئة حاضنة مثالية ما كان يمكن للجيش الصمود فيها اكثر، اضافة الى ان سقوط ادلب كان الحافز الذي عجّل في الدخول الروسي على خط الحرب، اضافة الى عمليات ريف حلب الجنوبي الغربي لإنشاء منطقة صد عن حلب بما يرتبط بارياف ادلب وغرب حلب.
الآن وبعد سلسلة من العمليات المتلاحقة تتوجت بانتصار حلب الكبير وسلسلة الإنتصارات والتسويات المتتالية في محيط دمشق واريافها الغربية والشمالية، وبعد انطلاق العمليات في البادية بمختلف اتجاهاتها، يبدو جليًّا وواضحًا أنّ خطط التخلي عن عبء الجغرافيا واعادة التموضع الممنهج خضعت التفاصيل فيها للتعديلات المناسبة بحسب ظروف الميدان ومستجداته دون المسّ بالعناوين الأساسية لدخولها في خانة السيادة والحفاظ على الهوية.
الآن الجيش السوري يطوّع الجغرافيا بما لا يمكن شرحه حيث تتجاوز نتائج العمليات الأساطير، وهو ما قد يُسَجّل علَيّ ابتعادًا عن الموضوعية ولكنها الحقائق تفرض نفسها اذا ما اخذنا بعين الإعتبار حجم الهجمة والإمكانيات المالية والتسليحية والبشرية التي وُضعت لأجل اسقاط سوريا من قبل اميركا والغرب ودول الخليج وعدد الإرهابيين الذي تأمن لخوض المعركة.
بمعزل عن تفاصيل المعارك القادمة تتحضر سوريا لإعلان النصر دون الدخول بتوقيت محدد، ولكن من المهم ان اذكّر ان كل المعارك القادمة لن تكون صعبة بما فيها معركة تحرير دير الزور وادلب.
المصدر بيروت برس