جهينة نيوز
ركزت صحيفة تشرين اهتمامها في عددها الصادر اليوم السبت 13 كانون الثاني 2018 على لجوء بعض الاهالي الى وضع مدرس خصوصي لأبنائهم لكل مرحلة من مراحل التعليم الأساسي والثانوي، بدءاً من الصف الأول وانتهاءً بالمرحلة الثانوية، فما هي الأسباب؟ هل هي صعوبة المقررات الدراسية وجهل الأهل؟ أم قلة خبرة المعلمين والمدرسين؟
مدير مدرسة ثانوية يقول للصحيفة : أصبحت الدروس الخصوصية موضة لدى جميع العائلات الميسورة وغير الميسورة، وخاصة تلك التي لا تستطيع الإشراف على تعليم أبنائها ويعود ذلك إلى عدة أسباب تتنوع بين ضخامة المنهاج والرهبة والخوف من الامتحان لتحصيل أعلى الدرجات على حساب المفاهيم المعرفية والمهاراتية للمادة العلمية، وأيضاً من أسبابها أنه أصبحت هناك فجوة بين مستوى الطالب وطريقة الشرح من قبل المدرسين، وترسخت في ذهن جميع أولياء الأمور أن الطالب الذي يخضع لدورات أو إلى دروس خصوصية سوف يحصل على مجموع مرتفع على خلاف غيره من الطلاب الذين لم يحصلوا عليها.
المثنى خضور- مدير التوجيه في وزارة التربية أوضح أن الدروس الخصوصية ظاهرة تواجه الكثير من الأنظمة التربوية وهي ناتجة بشكل أساس عن الرغبة بالحصول على درجات مرتفعة في الامتحانات، وخاصة امتحانات الشهادات، حيث يسعى الطلاب للحصول على أعلى الدرجات لدخول الجامعة وفق الاختصاصات التي يرغبون فيها وقد انتشرت الدروس الخصوصية فأصبحنا نراها بين طلاب الصفوف الانتقالية، وحتى في صفوف الحلقة الاولى من التعليم الأساسي. ولابد من أن نشير في بداية القول إلى أننا نعيش في عصر يتميز بسرعة هائلة في إنتاج المعلومات والمعارف، ونحن نحتاج إلى إعداد إنسان قادر على العيش في هذا العصر واستخدام أدواته وتمتعه بالمهارات التي يحتاجها في حياته وفي عمله، والمعلومات التي يتلقاها المتعلم ليحفظها ثم يقوم بسكبها كما هي على ورقة الامتحان، فهي وإن ساهمت في حصوله على درجات عالية إلا أنها لم تمكنه من الانخراط في عالم يحتاج إلى مهارات كبيرة وقدرات متميزة.
وبالتأكيد فإن الدرس الخاص لن يوفر للمتعلم هذه القدرات وهذه المهارات بل سيصنع منه شخصاً إتكاليا متلقيا بشكل سلبي فقط، يفتقد إلى روح المبادرة والقدرة على الابتكار والإبداع.
وقد سعت وزارة التربية من خلال المناهج المطورة إلى أن يصبح المتعلم محورا للعملية التعليمية التعلمية، وأن ينتقل من متلقٍ سلبي إلى مشارك فاعل يبحث ويفهم ويحلل ويستنتج ويطبق المعارف والمهارات التي اكتسبها في مواقف جديدة ويصبح بذلك مواطناً فاعلاً يسهم في بناء وطنه.
أسباب ظاهرة الدروس الخصوصية
وإذا أردنا ان نحلل ظاهرة الدروس الخصوصية- أجاب مدير التوجيه فإن أسبابها تكمن في عدم رغبة بعض المعلمين بتعديل طرائق تدريسهم وتحويل الاهتمام نحوالمتعلم ليصبح هوالمحور، ومقاومة بعضهم للتغيير ليبقى هوالمحور المسيطر والمصدر الوحيد للمعلومات، وكذلك استفادة بعض المعلمين من هذه الظاهرة لتحقيق مكاسب مادية، إضافة إلى مقاومة أولياء الأمور للتغيير ورغبتهم في حصول أبنائهم على درجات عالية بغض النظر عن اكتسابهم المهارات والقدرات، فالمهم هو الحصول على مقعد في كلية جامعية محددة، وفي بعض الأحيان نجد أن الدروس الخصوصية أصبحت مظهراً من مظاهر التفاخر الاجتماعي.
جهل الأهل
وفيما إذا كان جهل الأهل سبباً من أسباب الاعتماد على المدرس الخصوصي فقد أوضح مدير التوجيه: عدم قدرة بعض أولياء الأمور على متابعة تدريس أبنائهم أمر طبيعي فلا يمكن لولي الأمر أن يقوم بهذه المهمة فهو ليس معداً علمياً أو تربوياً ليقوم بتدريس جميع المواد الدراسية، وحين يجد أن المدرس قصر في أداء عمله يضطر للجوء إلى المدرس الخاص، إضافة إلى وجود ثقافة تربوية تقليدية لدى بعض الأولياء الذين يرون أن اكتساب المهارات وإنجاز الأبحاث أو المشروعات هو أمر ثانوي مقارنة بالدرجات العالية التي يجب أن يحصل عليها المتعلم، وبما أن التربية شأن مجتمعي وتعبر عن تطلعات المجتمع ورؤيته التي يريدها لأبنائه في المستقبل علينا أن نجيب أنفسنا عن السؤال: هل نريد لأبنائنا علامات أم نريد تعلماً؟
دورات تتعلق بآلية المناهج
شمل التدريب معظم المعلمين، وحالياً، ومع إدراج المناهج المطورة الجديدة للعام الدراسي الحالي 2017- 2018 للصفوف الأول والرابع والسابع والعاشر، فقد جرى تدريب ما يزيد على 30 ألف معلم ومدرس في العطلة الصيفية وسيجري استكمال تدريب من لم يتدرب في العطلة الانتصافية. وانسجاما مع رؤية وزارة التربية لأهمية دور المعلم في تطبيق المناهج المطورة، ومتابعة أثر التدريب وسد الثغرات فقد قامت أيضاً بتدريب الأطر التوجيهية والإشرافية التي تقوم بمتابعة عمل المعلم داخل الغرفة الصفية ورصد نقاط القوة والضعف في أدائه، ووضع الخطط العلاجية لاستكمال تدريبه وتلافي الثغرات في الأداء، حيث تم تدريب ما يزيد على 2000 موجه اختصاصي وتربوي على الأساليب الإشرافية وآليات متابعة عمل المعلمين والمدرسين.
البدائل عن الدروس الخصوصية
أصبحت الدروس الخصوصية ظاهرة يستاء منها الجميع، ويستفيد منها بعض المعلمين ويعاني أثرها الطلاب وأولياء الأمور، وتفشي الدروس الخصوصية إهدار لأخلاق المهنة من جميع الوجوه، وقد لجأت وزارة التربية إلى العديد من البدائل منها، الدورات التعليمية بأجور رمزية في مدارسنا وذلك لسد الثغرات الموجودة لدى بعض الطلاب، واستقطاب خيرة المدرسين من أطرنا التربوية للعمل فيها، فهي توفر فرصة للطلاب لسد الثغرات لديهم بأجور رمزية، وكذلك مصدر دخل إضافي للمعلمين لتحسين وضعهم المادي، إضافة إلى الدروس التعليمية على القناة الفضائية التربوية وخاصة لطلاب الشهادات حيث تستقطب خيرة المدرسين والموجهين لشرح الدروس باستخدام أحدث التقنيات وكذلك ندوات تعليمية على الهواء مباشرة للإجابة عن أسئلة الطلاب، إضافة إلى الندوات التدريبية على الهواء مباشرة لتدريب الزملاء المعلمين والمدرسين على الطرائق الحديثة وآليات التعامل مع المناهج المطورة، وقد تم إنشاء منصات تربوية في المركز الوطني لتطوير المناهج وسينطلق عملها قريباً وتهدف لتزويد المعلمين والمدرسين بما يحتاجون إليه من معلومات وخبرات ومهارات عبر التواصل الإلكتروني، وكذلك تبادل الخبرات والتجارب المتميزة بين المعلمين والمدرسين عبر هذه المنصات الإلكترونية.
حسام سليمان الشحاذه الاختصاصي النفسي والتربوي قال: فيما يتعلق بالدروس الخصوصية فإن المقررات الدراسية ومدى صعوبتها أو سهولتها بالنسبة لأطراف العملية التربوية (الأسرة، إدارة المدرسة، الموجهين التربويين، المعلم، المدرس، التلميذ، الطالب)، فإن الموضوع لا يمكن الحكم عليه بهذه العجالة، أوإبداء أحكام قطعية لا تستند إلى دراسة وافية، لكن رأيي الشخصي أن المقررات بنسختها الجديدة لم يتم إنتاجها بعد دراسة وتأن كاف وواف من قبل مختصين، ولم يتم إشراك جميع أطراف العملية التربوية في بنائها وتصميمها، كما كانت عليه الحال في السنوات السابقة، فمن قام بتصميم تلك المقررات من غير المختصين، ومن خلال خبرتي كموجه تربوي فإن المناهج والمقررات الدراسية في بعض زواياها وصفحاتها تتسم بالغموض واللبس حتى على المختصين، ما دفع بوزارة التربية لاتخاذ قرارات إسعافية مثل (التعديل، أوالحذف، أوالتنقيح، أوتوسيع الشرح هنا وهناك)، وهذا ما جعل هناك حالة من عدم الاستقرار النفسي والانفعالي لدى كل من الأهالي والتلاميذ والطلبة، وجعلهم يشعرون بأن المدرس الخصوصي هو الحل، وفي حقيقة الأمر إنه حل مؤقت، وكان في إمكان وزارة التربية والمسؤولين فيها عن إدارة المناهج إعادة إنتاج مقررات الطبعة السابقة، واعتمادها لحين لملمة الفجوة التي أحدثتها المقررات الجديدة غير المتوازنة، فمقررات الطبعة السابقة كان للمدرسين والمعلمين والأهالي خبرة بها، وكان في الإمكان تسيير أمور السنة الدراسية الحالية بها لحين اتخاذ القرار المناسب، والحيلولة دون لجوء الأهالي –مكرهين- إلى الدروس الخصوصية، أواستغلال بعض المعلمين أوالمدرسين الجشعين لتلك الحالة.
وكتبت الصحيفة في مادة اخرى..
لدينا مدرس خصوصي لمادة الإنكليزي والرياضيات ووو.. دروس متابعة في المنزل.. مراكز متابعة لكل مراحل التعليم.. لدينا مدرس لمادة الفيزياء يجري لك كل التفاعلات و«يشرّبك» قوانينها شرب بالملعقة ويطعمك الدروس مع الأكل و«بيفهم اللي عمرو ما فهم» وآخر ينتشلك من بير المناهج التعليمية المعقدة والمتطورة وبالعربي «المشرمح» ينتشل الزير من البير، وعناوين ضجت بها واجهات المحلات و«السوبر ماركت» وحيطان الشوارع وحتى أماكن قضاء الحاجات الشخصية وأرقام هواتف لمدرسين تركت في الشوارع العامة والأماكن المختلفة وباتت شغلة من ليس له شغل حتى الخريجين الجامعيين والعاطلين عن العمل.
ذات يوم تأخر أحد الزملاء عن عمله في الصحيفة وبات ينقطع كثيراً عن العمل وبخاصة قبل الامتحانات الفصلية للطلاب، وعندما ألححت عليه بالسؤال عن سبب إهماله وانقطاعه قال لي: أعمل على تدريس طلاب ثانوية عامة دروساً خصوصية في المحاسبة لكونه خريج اقتصاد.. قال لي إنها فرصتي لتحصيل بعض المال من ذروة موسم الدروس الخصوصية، وقد تعاطفت معه أمام الأجر الشهري الضعيف الذي يتقاضاه من الوظيفة العامة.
وصديق آخر استطاع من خلال الدروس الخصوصية ومتابعة الطلاب في المنازل والبيوت أن يصبح من أصحاب المال والأطيان والأعمال، ولم لا والحصة الدرسية بالآلاف حتى بات العديد من المدرسين وحتى من يحملون شهادات دنيا يلجؤون إلى العمل في مجال الدروس الخصوصية التي لم تعد تقتصر فقط على الطلاب الأغنياء كنوع من «البرستيج والأبهة» لتتجاوزهم وتصبح حالة عامة يلجأ إليها الفقير قبل الغني، وعندما تسأل عن سبب تفشي الظاهرة يأتيك الجواب من كل حدب وصوب: إن المناهج التعليمية صعبة ومتابعتها تحتاج إلى وقت طويل لا يكفي معه مدار الساعة، وبات الأهل في حيرة من أمرهم أمام ضغط الأبناء بضرورة الدروس الخصوصية خوفاً من تأنيب الضمير في حال قصروا مع أولادهم في هذا المجال، وتبدأ أسئلتهم التي لا تنتهي.
أيام زمان لم يكن هناك حتى من يساعدنا في حل الوظائف، وليس لدى الأهل الوقت حتى لمتابعة أولادهم وتدريسهم ومتابعة تحصيلهم العلمي، ومع ذلك كنا ندرس وننجح في ظل ظروف اقتصادية وإمكانات مادية صعبة إلا أن التعليم الإلزامي وفّرها لنا، ويسألون: ما الذي تغير اليوم مع تقدم وتطور العلم، وهل المشكلة في العملية التربوية التعليمية وصعوبة المناهج وتعديلاتها المتكررة؟
أنا شخصياً أعترف بأني أجد صعوبة في متابعة وتدريس أولادي في مرحلة التعليم الأساسي وأجد صعوبات في الفهم ريثما أصل إلى النتائج المرجوة في تدريسهم، ويرى البعض أن المدرسين أنفسهم يجدون صعوبة بالغة في متابعة المناهج التي تفتقر إلى أساليب الإيضاح والصالات والغرف الصفية الكافية لتطبيق المناهج بشكل صحيح.. لكن ما هو غير مفهوم لجوء الكثير من المدرسات والمدرسين إلى متابعة طلابهم في منازلهم وإقامة حلقات درس جماعية وللطلاب ذاتهم في بيوتهم، ما يدعو للسؤال: إذا كان المدرس غير قادر على إفهام الطلاب ومتابعتهم في المدرسة ويعجز حتى عن فهم طبيعة المناهج الجديدة فكيف يتابعها في دروس خصوصية؟ لنعترف أن ظاهرة الدروس الخصوصية استفحلت واستشرت ما يدل على إشكالية في العملية التربوية، ذلك أن هذه الدروس تسيء للعملية التربوية وتجهض كل الاجراءات والتطويرات التي أجريت عليها، ما يتطلب دراسة متأنية للظاهرة ومعالجتها، وحتى لا يفقد التعليم الإلزامي مضمونه وميزاته العامة في توفير التعليم المجاني للجميع من دون استثناء وحتى في المراحل التعليمية العالية أمام ضعف المدرس وصعوبات التدريس.