لا يستطيع أكثر المحللين تفاؤلاً أن يتغاضى عن انقسام الشارع التركي على نفسه بين تيارين سياسيين الفائز بينهما سيرسم ملامح الدولة التركية لأعوام قادمة, فهو يعيش حالة من الترقب الحذر لقادم الأيام. فبالرغم من البروباغندا الإعلامية التي بعمل كلا المرشحين على استثمارها تمهيداً للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 28/5/2023, إلا أنَّ الجمر المتقد تحت الرماد ينذر بالانقسام في حال فوز أي من المرشحين, فبعد أعوام عديدة من الحسم المبكر للنتائج الانتخابية حتى قبل توجه الناخبين لصناديق الاقتراع لصالح حزب العدالة والتنمية, إلا أنَّ المفارقة اليوم هو الاحتكام وللمرة الأولى لجولة ثانية من الانتخابات مظهرة تراجع التأييد الشعبي لرجب طيب أردوغان بفعل مجموعة من الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية الضاغطة على القاعدة الشعبية والتي تجلت بشكل واضح بعد كارثة الزلزال المدمر, من تضخم والتوتر مع الجوار وبشكل خاص مع سورية والتوجه غرباً وشرقاً وطبيعة نظام الحكم والعلاقة بين الدين والدولة وارث الأتاتوريكية.
فالتعديلات الدستورية التي رسمت على مقياس أردوغان في فترات سابقة إنما كانت من أجل تأمين استمراريته في الحكم بشتى الطرق الممكنة ومن بينها تعديل نظام الحكم, وهو ما يجد معارضة من قبل أصحاب التوجهات العلمانية وورثة أتاتورك مع رغبتهم بالعودة للنظام البرلماني الذي يرون فيه تعبيراً للديمقراطية الشعبية, ويمكن لخصوم أردوغان الذي مازال حتى اللحظة على شق صفوفهم من خلال الوعود الكاذبة الفوز في حال استثمار نقاط ضعفه في حزبه خصوصاً مع غياب الشخصيات الفكرية وذات الخلفية الفكرية والاقتصادية القادرة على تقديم مشاريع تنموية للداخل التركي بعد انسحاب شخصيات رئيسية ساهمت بتأسيس الحزب ووضع عقيدته وبنيته الفكرية والتنظيمية كأحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وغيرهم ودخول شخصيات براغماتية وأصحاب مصالح للحزب والتي تتخلى عنه في حال تضارب المصالح, وفي المقلب الآخر يسعى حزب الشعب الجمهوري إلى توحيد صفوف المعارضة للدخول في الجولة الثانية متحدة وحصاد الأغلبية التي تتيح لها الوصول للسلطة, هذه المعارضة التي سئمت من استئثار حزب العدالة والتنمية بالسلطة ومحاولاته المتكررة الهيمنة على الحياة الدستورية وفرض القوانين التي تخدم اجندته السياسية. فظهر على السطح مسألة وجود الملايين من اللاجئين في تركيا الذين استثمرهم أردوغان للتلاعب في الملفات الإقليمية وفي القضايا الداخلية التركية حيث قام بمنحهم الجنسية التركية لأهداف انتخابية, فضلاً عن اتباعه سياسة خارجية مضللة مع روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية واللعب على التناقضات في الملفات الكبرى بين القطبين لانتزاع دور سياسي خصوصاً في الحرب الروسية- الأوكرانية, وقيامه بعرقلة انضمام دول كالسويد وفنلندا بدايةً لحلف شمال الأطلسي لانتزاع مواقف سياسية منهما فيما يتعلق بالملف الكردي وهو ما يثير حنق الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم بزعزعة الداخل التركي ضده عبر استطلاعات الرأي التي تظهر عبر زعم المراكز الأمريكية تقدم مرشح المعارضة. كل ذلك يعكس أزمة الهوية التي تعيشها تركيا اليوم بين العلمانية والأردوغانية العثمانية والتي ستلقي بظلالها على الجولة الثانية والتي ستمكن الفائز فيها من رسم الملامح الرئيسية للتوجهات التركية والتي ستكون صعبة بالنسبة لكلا الطرفين أياً كان موقعه في السلطة أم في المعارضة.
وبالحديث عن واقع اللاجئين فيظهر أردوغان تجاوباً انتخابياً ومراوغة سياسية في التلاعب بهذه الورقة من خلال انفتاحه على سورية والحوار معها لكسب تأييد الرأي العام الضاغط باتجاه عودتهم إلى بلادهم, ولانتزاع هذه الورقة من يد المعارضة التركية نراه يطرح المشاريع الإنمائية في المناطق المتضررة ويقدم الوعود بعودة اللاجئين وهو ما أدى لتخوف قادة التنظيمات الإرهابية المسلحة الممولة تركياً في الشمال السوري من ذلك حيث عمدت وعقب عودة سورية لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية وتقدم الحوار السوري التركي إلى الهروب باتجاه الداخل التركي, مع التخوف من استثمار أردوغان لهم خصوصاً مع حيازة بعضهم للجنسية التركية في الجولة الثانية لكسب أصوات جديدة في مواجهة خصمه كمال كليتشدار أوغلو الذي يقدم وعودا بالانفتاح على سورية وعودة اللاجئين إلى بلدهم والذي قد يستقطب المزيد من أصوات والترقب سيد الموقف لمعرفة نتائج اللقاءات التي سيجريها سنان أوغان ومن سيدعم خصوصاً بعد تصريحاته التي تظهر انفتاحه على كلا المرشحين في الانتخابات التي برزت فيها الورقة السورية كورقة عبور للعب دور سياسي وهو ما يقود لتساؤلين هامين :
الأول ما هو الدور الذي سيلعبه كمال كليتشدار أوغلو في حال فوزه مع وجود أغلبية برلمانية بزعامة حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه في البرلمان التركي وكيف ستترجم وعوده الانتخابية, وهل ستستمر هذه الأغلبية في حال خسارة رجب طيب أردوغان؟
ويمثل التساؤل الثاني شكوكاً حول وفاء رجب طيبأروغان بتعهداته الانتخابية أم أنَّها وعود للاستثمار الانتخابي, وبعد الفوز ستدخل في خانة التسويف كعادته في الممارسة السياسية؟ كل ذلك ستجيب عليه التطورات في قادم الأيام.