نصري الصايغ:الجنس ليس حرية بل إعادة إلى مقامات الخلق والإبداع

الثلاثاء, 8 كانون الأول 2009 الساعة 20:59 | , أدب

جهينة- ديمة داوودي: نصري الصايغ أديب كبير ذو لغة متطرفة يتعامل مع السياسة شعراً ونثراً وقضية، ينتمي إلى الحرية السياسية والشاعرية أولاً وأخيراً، متحيز لكل حبة تراب وإنسان... بارد في السياسة وحار في القضية لا ينادي بتحرير الجسد إنما يعيد الجسد إلى مقاماته السامية. ورغم قلة حواراته مع الصحافة العربية إلا أن جهينة التقته و كان لنا معه الحوار التالي: في كتابك مقام الجنس وتصوف الحواس إلى أي مدى تدفع الجسد والفكر إلى التحرر؟ وكيف تعود بالجسد ليسمو بعد أن تراكم عليه غبار الكلام؟ النص في مقام الجنس وتصوف الحواس هو نشيد للجسد أو صلاة بلغة تستمد عناصرها الأولى من قاموس التصوف لتضفي على الجنس روحانية متجددة. والنص ليس تغزلاً بجسد بل كتابة بالجسد في تجلياته الإبداعية وفي رغباته المشبعة بمخيلة الجمال. عندما كتبت النصوص الشعرية لم يكن هاجسي تحريرياً أو بهدف أخلاقي، كانت رغبتي في إعادة الجنس إلى مقام الجمال والإبداع والخلق والحب وإلى مقام الفعل الرائع واللذيذ الذي منه كان العالم وكان الوجود وكان الناس، أستطيع أن أقول إن الجنس كمعبود جمالي لذيذ حررني من كوابيس القمع والخطأ والصواب، حررني لأنه أشد التصاقاً بي وبسواي حتى يكون هذا الجمال الذي فينا هو الفعل الأسمى والأكثر تعبيراً عن الحرية بكل ما تقتضيه هذه الحرية من احترام حقيقي للذات الإنسانية، الجنس ليس بعبعاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً و ليس رفيقاً إنه جسدنا، بل هو الروحانية المتجسدة في جمال الأنثى وجمال الرجل. منذ نعومة أظفاري وأنا أشعر أن الجنس سماء اللحظة العميقة والسريعة والبارقة ولكنهم قيدوني بسخف المنع والحرام، واقتادوني إليه كسلعة رخيصة، تلك كانت مهمة الكهان من جهة ووظيفة تجار المال من جهة أخرى، فالمسألة ليست دعوة إلى الحرية الجنسية أبداً بل إلى إعادة الجنس إلى مقام الجمال والإبداع والخلق. ماذا تقول لبعض قرائك المستمرين الذين وجدوا تطرفاً في أسلوبك نحو المعطيات المادية بلغة الجسد؟ لي لغة متطرفة ولا أخجل ولا أتذمر منها، هذا من جهة النص فلست مقتنعاً بأن المادة بشعة أو دون المستوى... للمادة مجالاتها وأحاسيسها ومشاعرها وألوانها وتشكلاتها ما يجعلني أقف مدهوشاً أمام لا نهايتها، لا نهاية للكبر ولا نهاية للصغر لا عيب في المادة إنها خصبة متجددة تحيا على طريقتها وتموت على هواها، وتعود حية ترزق وفق شهرتها وغريزة الاستمرار فيها والجسد كذلك، إن تطرفي في الاسترسال في نشيد الجسد يعود إلى أني أرى الجسد آية من آيات الجمال، الجسد ليس منبوذاً عندي قد يكون معبوداً، ألم نتعرف إلى آلهة يونانية نحتت عارية... الجسد ليس عورة ولا خطيئة، في المسيحية يتناول المؤمنون في كل قداس جسد المسيح فما أعظم الجسد. في كتابك لو كنت يهودياًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً تتحدث عن نفق في انتظار الصهاينة في فلسطين.. برأيك متى سيأسرهم هذا النفق؟ ولماذا لم يقعوا فيه حتى الآن؟ لو كنت يهودياً كتاب ينتمي إلى عالم لا علاقة له بالشعر أو السياسة، هو محاولة للدخول في جسد الإنسان اليهودي الصهيوني وتبني مأزقه الوجودي في أرض أنشأ فيها دولته ليهرب من جحيم التمييز الغربي الذي اضطهده ونبذه وأحرقه ويقيم في سلام، هكذا وعدته الصهيونية ولكنه بعد ستين عاماً لا يزال يفتش عن مكان آمن لا يقتل فيه وعن زمن لا يضطر فيه إلى ارتكاب الجرائم. فاليهودي في إسرائيل جرّب القتال، ولم يفز بالسلام، جرّب الحروب ولا يزال ولم يفز بالوطن الآمن، جرّب الترانسفير والتسفير والتهجير ولم يطمئن إلى أكثريته، جرّب الاحتلال ولم يشعر بالخلاص، جرّب المفاوضات وما بلغ القدرة على القبول، إنه أمام مستحيلات: مستحيل أن يرحل مستحيل أن يرحّل الفلسطينيين مستحيل أن يستمر قاتلاً وقتيلاً مع تفاوت في النسب. مستحيل أن يقبل بعودة اللاجئين كقنبلة سكانية، مستحيل أن يقبل بقيام دولة ثنائية القومية عربية ويهودية، مستحيل أن يقبل بدولتين أو أنصاف دولتين، ثم مستحيل أن يلغي فلسطين من الفلسطينيين فما الحل؟ هل سيتم بالحرب. بالقتل. بالتهجير. بالحصار. بالاحتلال. بالعيش في مكانه؟ إن الصهيونية كذبت على اليهودي، قادته إلى جحيم خاص بها وأنبتت جحيماً للفلسطينيين، الكتاب يتضمن محاكمات لكبار كتّاب إسرائيل وأدبائهم وفلاسفتهم الذين لم يجدوا بعد حلاًًًً للإنسان اليهودي. هذه المحاولة تجرأت عليها لأقول كما قال بعض اليهود الإسرائيليين إن الصهيونية خديعة ووهم، لا يمكن أن تكون إنسانية أو ديمقراطية طالما أنها تقبل بمبدأ الاحتلال، ومشكلتي كعربي ليست مع اليهودي أي ليست فيه بل مشكلتي في احتلاله لأرضي. في القاتل إن حكى، وهو عنوان أحد مؤلفاتك برأيك هل أن رسالة اعتذار نابعة من قلب الحدث كافية لإزالة آثار الدماء العربية المستباحة؟ كيف يشفى مجتمع من حروبه الأهلية؟ كيف يخرج من منطق الفتنة إلى رحاب السلم الأهلي؟ ذاك كان هاجسي عندما كتبت القاتل إن حكى فلبنان بلد تتناوب عليه حروب داخلية منذ أكثر من مائة وسبعين عاماً، ولن ينسى تجارب دول أخرى انضمت إلى رسم خارطة الشفاء من الحروب الداخلية. أول الطريق أن يصل المجتمع إلى مستوى الاعتراف بما ارتكبته قياداته وكوادره، أو أن يصل إلى مستوى وصف ماجرى واعتبار ذلك من صنع يديه وليس من صنع الشياطين في الخارج، لم يعترف بعد أحد في لبنان بما ارتكبته الفتنة من مجازر من تهجير من خطف على الهوية، من سيارات مفخخة من اغتيالات من سرقات ونهب، من اغتصاب من تدمير وتعذيب . ثلاثة سجلوا بعض ما ارتكبوه واحد منهم ليس نادماً على ما ارتكبه في السبت الأسود. قلت: سأعترف عن الجميع . سأكون القاتل النموذجي وأتبنى الاعتراف عن القتلة علّني بذلك أضع اللبنانيين أمام أعمالهم المتوحشة ضد أنفسهم، ليكون هذا العمل أول الطريق، على أن يلي هذا الاعتراف الاعتذار من القتلى والمخطوفين وأقاربهم وأولادهم وأن يعوضوا عليهم مادياً ومعنوياً وأهم تعويض معنوي هو الاحترام الإنساني والامتناع عن استعمال العنف. لكن لبنان لم يصل بعد إلى هذا المستوى لأن نظامه الذي احتضن هذه الحروب لم يتغير بعد، وما زال أسير حيوية فائقة لاستعادة لغة العنف وتصريف أفعالها قتلاً وتهجيراً، القاتل الذي حكى في الكتاب أظهر أن الجحيم في متناول اللبنانيين غداً.... إلا إذا؟!..... كيف تجمع بين رقة الشاعر وقوة تعبيره مع الرجل السياسي القيادي المنضبط في شخصيتك ؟ وما سر الخندق الذي تتحدث عنه في كتاباتك؟ لست رجلاً سياسياً. أهتم بالسياسة كعلم له قواعده وقوانينه وأقرؤه بعقل بارد، أدوس على عواطفي وأفكاري الخاصة كي أتفحص السياسة بميزان الصيدلي، أستطيع أن أقول إن انتمائي لا سياسي وفق الصيغ المتداولة في لبنان أو في العالم العربي، إن انتمائي في السياسة هو إلى ما أراه حقيقياً، وإن كان ضدي، أريد أن أرى الحقيقة كما هي إذا توفرت لي معطيات الرؤية، لا أزوّّر ما أراه وأعرفه وأتعاطى معه بحياد كي أوظفه في انتمائي الحقيقي إلى الحقيقة إذا كانت الحقيقة الواقعية لا تعجبني فلأنني على خطأ وعليّ أن أقرأ الواقع على ما هو عليه كي أصحح أخطائي. سياسة تراكم الأخطاء سياسة لبنانية بامتياز وسياسة عربية خافقة، أنا بارد جداً في السياسة وحار جداً في التعاطي مع القضية التي أدافع عنها أو أتبناها، من هنا أنكبّ في حالة علاقة بقضيتي بطاقة انفعالية شعرية مناسبة. أنا في فلسطين لست محايداً بل أنحاز إلى كل حبة تراب وقطرة دم وأنا منحاز إلى الحرية والتحرير، وما تستلزمه هذه الحرية من لزوميات أولها المقاومة وأعباؤها ومنحاز للإنسان المظلوم والمضطهد والضعيف، هذا هو الخندق أقيم فيه، وعليه فأنا مسكوب هنا عقلاً وقلباً، إنني أنحني أمام العقل وأنحي جانباً كل عاطفة، فالشاعر والسياسي صديقان حميمان بشرط أن تكون السياسة فصلاً من فصول الشعر بانتمائها إلى القضايا وأرفع بكثير من قامة السياسيين. سطور من حياة نصري الصايغ .. إنسان ذو حس مرهف وأبوة دائمة للإنسانية والقضية والأرض، لاذع بكتاباته وجريء، حاد كحد السيف ولين المعشر منفتح الذهن والروح. ابن بيروت البار ببيروت والوطن العربي يؤمن بطائفة اللاطائفية وسياسة الحرف المشع كالشمس. محلل سياسي أديب عربي صحفي وشاعر أول من نزع شعار العادات والتقاليد الواهية ونادى بجرأة لقيمومة الحق علماني لا يتستر على هفوات العلمانيين له عدة دراسات أدبية. له مؤلفات كثيرة منها: لست لبنانياً بعد حوار الحفاة والعقارب، وطن وعصافير، بولينغ في بغداد أول الموت.


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا