القاهرة-خاص:
إن الموقع الجغرافي السياسي لسورية كما هو معروف يجعلها عبر تاريخها السحيق والمعاصر مَعْبَرًا لما أُطلِقَ عليه رأس الجسر الرابط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. حيث تمثل الأراضي السورية جزءا مهما منه كنقطة اِلتقاء الشرق والغرب، والشمال والجنوب. هذا الموقع جعلها ذات أهمية سياسية وتجارية وإستراتيجيَّة، فضلا عن كونه صاحب حَيْثِيَّة حضارية متعددة، ساهمت في الحضارة العربية والإسلامية والعالمية بشكل عام وقوي. ويمكن القول بـ"أينما توجد سورية يوجد التحضّر".
ينفرد البعد الحضاري السوري بتجسيده في مكونات شعبه على أصعدته الاجتماعية والشعبية وتراثه وإِرْثه الثقافي المتميز مما أكسب حضارة سورية صفة الاستمرارية للنقاء السلمي والتعايش في وئام بين مكونات هذا الشعب العريق. ويمكن اختزال الحضارة السورية في فعل لغوي يجسد جوهر اللفظ والمعنى ألا وهو"حَضَّرَ" أي نقل الشخص من حياة البداوة إلى حياة الحضارة والرقى والتطبع بالحسن والعلم، فضلا عن دوره الحيوي في عملية النمو الحضاري الخيّر المغذي لباقي الحضارات التي اندمجت داخل كيانات الإنسان السوري.
الأمر الذي شكَّل فيما بعد عدة نتائج سلبية طامعة في سورية - من وجهة نظرنا- وإبقائها في مَعْمَعَة الصراعات والحروب، وطمس هُوِيَّة هذا "الجين" الحضاري الخَصِيب، وتعكيره إذا لم يحصل عليه بصنوف الإرهاب والتقسيم والتقزم واقتطاع أجزاء من أرضه، وزَعْزَعة استقراره، وثقته بعراقته التاريخية.
وعلى عكس المتوقع، يحتفظ "الجين" بمادة خصوبته. رغم الأوحال الإرهابية التي تلوثه، وتميل بالجذر السوري نحو هوّة التخلف، والرجعية والقمع وبطش المستعمر/ المستخرب إلا أن ذلك لم يؤثر في طبيعة السوريين، وإن ضلّ بعضهم الدرب المستقيم. فهم دائما قلة منحرفة من الخونة والضالين، وسرعان ما تتخلص منهم سورية بتجديد دمائها، والعودة للحُسن في أبهى صوره الحضارية.
ومن أبجديات العقل والفكر أن الإرهاب عدو الحضارة، يستحيل أن يجتمعا؛ فالخراب للأول إن انتصر، والتقويم للثانية إن جففت وقوَّمت عوج الأول. صحيح، وبعيد عن أيَّة رومانتيكية فقد خرّب الإرهاب حضارة سورية. نال من معالمها وشوّه بعض نفوس القلة من شعبها المغرر به، وجعل منهم أداة لتخريب وطنهم تحت مسميات مغلوطة: ثورية وجهاد، ومعارضة. وهذه المسميات لها ما لها من قدسية التعبير والقيمة، وحين انحرف مسمى المصطلح خُرِّبت الذمم وفُسِدت الضمائر، وعَلت المتاجرة باسم الوطن والدين والمصطلحات..!
الإرهاب بَيَّن، وأفعاله فاضحة. وما يجري في سورية أنموذج لقذارة التخريب عن عمد في خلق الذعر بين الناس، وتطفيشهم وتهجيرهم من ديارهم وأوطانهم، وقطع جسر الود والتسامح بينهم وبين وطنهم السوري.
وظيفة الإرهاب الجاري على الأراضي هو الإخلال بالأمن والأمان في سورية. ومَن يعمل على ذلك، فهو بلا شك مصنف بالنسبة للعقل الإنساني ضمن المجموعات الإرهابية. ولن تنفع كل الترقيعات والتجميلات والإحصاءات الرسمية الملتوية التي تَدْرِجُ هذا وترفض دَرْجَ ذاك، والاثنان مخربان وإرهابيان. وأجزم بلا تطرف أن الوحيد الناجي من تصنيف الإرهاب، بل الوحيد الذي يحاربه ويقاومه هو الشعب السوري الرابض في دياره الذي يقدم نفسه وأبناءه ذخيرة لجيشه العربي السوري.
الإرهاب ليس كائنا هُلاَميّا كما يُقال، بل هو متجسد على أطراف وقوائم محددة يعرفها القاصي والداني. كيان له ملامح، تغذيه العديد من الأطراف الدولية، والقوى العسكرية والمخابراتية، والرجعية العربية- هؤلاء هم الإرهابيون- ليس من أجل حرية سورية، بل لإخضاعها وإذلالها، وإرغام أنفها الأَشَمّ للتبعية والمهادنة.
والله لَنَمْحُوَنَّ أعداءك يا سوريّة...
17:04