خاص: عمان
أتفقُ مع العديد من المراقبين أن اتفاق "خفض التصعيد والتوتر في بعض المناطق السورية" الذي جرى التوقيع عليه بين الأطراف الضامنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران في مؤتمر أستانة (4) في الخامس من شهر أيار – مايو الجاري لا يعدو أكثر من محطة لإدارة الصراع، مع فصائل الإرهاب ومشغليها في واشنطن والرياض والدوحة وأنقرة ، وذلك في سياق تكتيك روسي متفق عليه مع نظام الحكم العروبي في سورية ومع حليفيه الإستراتيجيين " إيران وحزب الله".
وخفض التوتر وفق الاتفاق ،يشمل ريف إدلب بالكامل، والغوطة الشرقية في ريف دمشق، وأجزاء من أرياف حلب واللاذقية وحماة وحمص ودرعا والقنيطرة، بحيث ينصب الجهد المركزي على قتال تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين.
وفي إطار هذه الاتفاق ، سيتوقف القتال " في تلك المناطق وسيتوقف القصف الجوي الروسي لها وكذلك قصف طيران التحالف الدولي الأمريكي"، وذلك على نحو مشابه "لوقف إطلاق النار " في أستانة (3) والذي صمد لأيام ، ما لبث وأن فشل ، خاصةً عندما استثمرته مجاميع الإرهاب المتحالفة مع جبهة النصرة وقامت باحتلال العديد من البلدات والقرى شمال مدينة حماة.
وحين استثمرته فصائل إرهابية أخرى في الغوطة الشرقية باتجاه فك الحصار عن مجاميع إرهابية في بلدة جوبر، قبل أن يتمكن الجيش العربي السوري وحلفاؤه -وبكل اقتدار- من طرد الإرهابيين من جميع البلدات التي احتلوها شمال حماة، ومن إفشال محاولات فك الحصار عن الإرهابيين في بلدة جوبر ، وعاد ليثبت ميزان القوى في محيط حماة وحلب ودمشق لمصلحته.
وفي التقدير الموضوعي أن القيادة الروسية تستثمر جيداً الخلاف التركي الأميركي بشأن دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية ، وتدخل القوات الأميركية لحمايتها إثر قيام الطائرات التركية بقصفها ، باتجاه دفع أردوغان للتأثير ولو مؤقتاً على فصائل الإرهاب التابعة له ،لجهة الالتزام بوقف إطلاق نار جديد ، مقابل أن يضمن لتركيا مقعداً في مفاوضات التسوية في جنيف .
وهذا الاستثمار يشكل الشق الأول من التكتيك الروسي ، أما الشق الآخر فيتمثل في أن التهدئة في المناطق المشمولة بالمذكرة ، تتيح للجيش العربي السوري وحلفائه وللعسكريين الروس التفرغ للحلقة المركزية الخطيرة ممثلة بالحيلولة دون سيطرة الأمريكان وحلفائهم على الحدود السورية العراقية بإقامة حزام أمني على طول هذه الحدود ، وعلى عمق الحدود السورية الأردنية الممتدة من منطقة السويداء ودرعا وصولا لمنطقة القنيطرة وذلك بعد أن تأكدت القيادة الروسية وفق مصادرها واستخباراتها ورصدها العسكري منهما يلي :
1-وجود حشود عسكرية أميركية وبريطانية وغيرها من قوات " الموك" على الحدود الجنوبية بموازاة محافظتي السويداء ودرعا .
2-أن قوات "مغاوير الثورة" الإرهابية، البديلة لجيش سورية الجديد- الذي سبق وأن جرى تجهيزه وتدريبه من قبل الأمريكان، قبل إبادته من قبل تنظيم داعش في كمين الإنزال الشهير في مطار الحمدان العسكري ،قرب مدينة البوكمال الخاضعة لسيطرة " داعش" في حزيران 2016- وكذلك قوات جيش العشائر (4000 مقاتل) المجهزة أمريكياً- يجري تحريكها على أمل السيطرة على المنطقة الفاصلة على منطقة البادية شرق حمص وحتى الحدود العراقية السورية
3-أنه جرى تفويض جيش العدو الصهيوني للتصرف في الجنوب السوري في منطقة القنيطرة عبر تشكيل قوات من المرتزقة ،شبيهة بقوات لحد العميلة في جنوب لبنان قبل تحريره عام 2006، وتحمل اسم لواء" فرسان الجولان" بقيادة أحد العملاء الإسرائيليين المدعو " أحمد الخطيب".
أما الشق الثالث من التكتيك الروسي ، فيستهدف حسب تقدير العديد من المراقبين هو إرباك الخطة الأمريكية في الشرق والجنوب، والتفرغ لاحقاُ لبقية الفصائل المسلحة بعد إلحاق الهزيمة بتنظيمي داعش والنصرة.
في التقدير الموضوعي أن هذا الاتفاق الذي سيصار إلى تطبيقه في غضون ستة شهور ، قد يربك ولو مؤقتاً الخطط الأميركية والغربية والرجعية في سورية مؤقتاً ، وقد يؤجل المواجهات الساخنة جداً بين حلف المقاومة وحليفها الروسي من جهة، وبين الأمريكان وأدواتهم وحلفائهم من جهة أخرى، في إطار الاستثمار الروسي للوقت ، لكن هذا الاتفاق يواجه العقبات التالية :
1- أن الفصائل الإرهابية -المسماة معتدلة- التي شاركت في ( أستانة 4) والمرتبطة بمشغلين في الرياض والدوحة وأنقرة وواشنطن ، فعلى الأرجح بأنها لن تلتزم بالبند الرئيسي الوارد في المذكرة ، والذي ينص " على أن تقاتل تنظيمي داعش والنصرة وحلفائهما، إلى جانب الجيش السوري بضمانة وبدعم كل من روسيا وإيران وتركيا" ، و ذلك لخشية المشغلين من أن الاتفاق يستهدف تصفية أو إضعاف " النصرة وداعش" بما يسهل مهمة الجيش السوري للتفرغ لهزيمة بقية الفصائل الإرهابية .
وهذا ما يفسر تردد تلك الفصائل في المشاركة في لقاء أستانة4 ، والتي حضرت بضغط من الجنرال هاكان فيدان، رئيس المخابرات التركية، وانسحاب محمد علوش ممثل " جيش الإسلام " ورئيس وفد الفصائل إلى مؤتمر " أستانة4" من مراسيم توقيع الاتفاق.
2- أن هنالك خلاف ضمني حول تفسير مصطلح " مناطق خفض التصعيد والتوتر" ففي حين فرك وزير خارجية آل سعود يديه فرحاً بتفسيره لهذه المناطق بأنها تعني " المناطق الآمنة" وفي حين ترى تركيا أردوغان أن هذا المصطلح يخدم تصورها في " المنطقة الآمنة في الشمال، ترى سورية وحلفاؤها بأن هذا المصطلح لا يعدو كونه مصطلحاً عسكرياً في إطار الهدنة ووقف إطلاق النار.
3- أنه لا يمكن الفصل جغرافياً بين أماكن تواجد جبهة النصرة وتوابعها في إطار ما يسمى بهيئة تحرير الشام ، وبين بقية الفصائل المسماة بالمعتدلة ، فكيف يمكن محاربة النصرة وتوابعها في ظل هذا التداخل الجغرافي.
4- ثم أن هذه الفصائل تغير تحالفاتها وتكتيكاتها بسرعة في مواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه على الأرض، فعلى سبيل المثال فإن فصيل فيلق الرحمن الإرهابي المدعوم قطرياً، والذي يقاتل إلى جانب جبهة النصرة ضد جيش الإسلام –صنيعة السعودية- في الغوطة الشرقية نراه يصطف سياسياً إلى جانب محمد علوش في الأستانة ، كما رأينا أطرافاً من حركة أحرار الشام – صنيعة المخابرات التركية -اصطفت إلى جانب النصرة في معارك ضد الجيش العربي السوري بعد انطلاق قطار استانة.
5- ثم أن جبهة النصرة وتوابعها في هيئة تحرير الشام- المدعومة قطرياً- وبوصفها التنظيم الإرهابي الأقوى في محافظة إدلب وفي جبهة الجنوب ، قد تفشل اتفاق "مناطق خفض التصعيد والتوتر " بإيعاز من قطر في ضوء تجاهل الدور القطري ، خاصةً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن جبهة النصرة لها امتداداتها العقائدية في بقية الفصائل الإرهابية المسماة " معتدلة"، ثم أن جبهة النصرة في ضوء الاستهداف المركزي لها ولتنظيم داعش، قد تنسق أو تتحالف مع خصمها "داعش" لمواجهة العدو المشترك ، وفي الذاكرة تحالفهما المشترك في معارك طريق أثريا- خناصر قبل تحرير مدينة حلب من فصائل الإرهاب.
6- ثم أنه لا يمكن الوثوق بالجانب الأمريكي، في مسألة دعمه لاتفاق "مناطق خفض التصعيد والتوتر" ، عبر الركون لمكالمة الرئيس الأميركي الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الحشد الأميركي النيتوي الرجعي في جبهتي الجنوب والشرق، ليس مجرد عرض عسكري للتصوير التلفزيوني.
وأخيراً فإن هذا الاتفاق ، وإن كان بالإمكان توظيفه مؤقتاً لصالح الجيش العربي السوري وحلفائه، لكن العقبات سالفة الذكر لا يمكن إغفالها ، وفي ذات الوقت بات مؤكداً- وفق العديد من المصادر- أن الجيش العربي السوري وحلفائه باتوا على أهبة الاستعداد للمواجهة الكبرى، لتحطيم آخر محطة من محطات المؤامرة الكونية الاستعمارية الرجعية على سورية، بعد أن زودته موسكو بكل ما يلزم من ترسانة عسكرية وصاروخية متطورة .
ظ وبات مؤكداً أن الجيش العربي السوري وحلفائه -وبدعم لوجستي وجوي روسي- سيسبق الأمريكان في إغلاق الحدود السورية العراقية في وجه الفارين من داعش من العراق إلى سورية ، وسيفشل الخطة الأمريكية بمنع التواصل بين إيران والعراق من جهة وبين سورية من جهة أخرى.