دمشق: خاص
أعلن البيت الأبيض عن موافقته على تقديم السلاح لوحدات الحماية الكردية في الشمال السوري بذريعة محاربتها لتنظيم «داعش», الأمر الذي أغضب السلطات التركية التي تنظر إلى تلك الوحدات بوصفها الذراع العسكري لتنظيم حزب العمال الكردستاني )PKK) المصنف لديها تنظيما إرهابياً! ولم تفلح التطمينات الأميركية لتركيا بأن هذا السلاح لن يستخدم ضدها, لأن تركيا التي تقوم بحرب إبادة للأكراد على أرضها ولا سيما في الجنوب ذي الأغلبية الكردية لا يمكن أن تصدق تلك التطمينات لأنها تعرف تماما أن الأكراد يرونها سلطة معتدية عليهم وعلى حقوقهم, وتتوقع ردّات فعل مستمرة على استهدافها لهم. ومن هنا تأتي مخاوفها من تسليحهم مهما كانت الذرائع والتطمينات التي تقدمها أميركا. ولعل هذا ما دفع عددا من السياسيين والمحللين العسكريين الأتراك ــ فور الإعلان عن تقديم أميركا السلاح لوحدات الحماية ـــ إلى التصريحات المستنكرة للدور الأميركي ولأميركا التي أجمعوا على وصفها بالدولة الداعمة للإرهاب!
لا يمكن لأميركا في ظل المعادلات السياسية والعسكرية المتعلقة بالأكراد أن ترضيهم وترضي عدوهم المتمثل بحكومة أردوغان في الوقت نفسه, كما لا يمكن لها أن ترضي تركيا في الوقت الذي تدعم فيه التنظيم الذي تصفه بالإرهابي. ومن هنا فإن اللعبة الأميركية مكشوفة لدى الطرفين, وكلاهما لن يقبل ضمنيا أن يكون مجرد ورقة للمقامرة الأميركية على حسابه الخاص في أرض ملغومة ومليئة بالمفاجآت, ولذلك فقد ترضخ تركيا ووحدات الحماية الكردية للشروط الأميركية علناً وترفضها سرّاً, ما يجعل من هذه المقامرة مجرد رهان خاسر في سباق المصالح الدولية على سورية التي تدفع الإدارة الأميركية للبحث عن موقع قدم ودور في أي حل مقبل عبر محاربة داعش وطردها من الرقة.
إن المواطنة الحقة تقتضي من وحدات الحماية الكردية التنسيق والوقوف مع الجيش السوري في مواجهته للاعتداءات التركية المتكررة على الحدود الشمالية السورية, وليس طاعة البيت الأبيض وتنفيذ رغباته, لأنهم أدرى بالوعود الأميركية البراقة والمخادعة, وهم يعرفون أن أميركا
تريد استثمارهم الآني المؤقت لمصالحها كورقة ضاغطة تستطيع أن ترميها في اللحظة التي تريد وتتنكر للوعود المعسولة التي منحتهم إياها, لأن مصالحها الإستراتيجية مع حليفتها تركيا وهي غير معنية بحقوقهم ومصالحهم, ولو كانت معنية بها حقا لمارست ضغوطها على حكومة أردوغان كي تتوقف على الأقل عن قصف القرى والمدن على طول الشريط الحدودي السوري من جهة, وإيقاف حرب التطهير العرقي لأبناء جلدتهم على كامل تراب الجنوب التركي الذي لا يقل سكانه عن عشرين مليون نسمة من جهة ثانية. والأكراد يعرفون أيضا أن حكومة أردوغان الديكتاتورية أقصت حزب الشعوب الديمقراطي عن الحياة السياسي وهي تلاحق عناصره وتزج بها في سجونها من دون أن ينبس المرابون في البيت الأبيض ببنت شفة.
إن استمرار أميركا في تسليح وحدات الحماية الكردية دون تنسيق تلك الوحدات مع الحكومة السورية في حربها لداعش أو تصديها للعدوان التركي سيزيد من عزلتها ويبعدها عن المشاركة الحقيقية في أي حل سياسي وطني مقبل يضمن للسوريين المشاركة الفعلية في الحياة السياسية بما يحقق طموحهم في تعزيز الديمقراطية وإعادة البناء على الصعد السياسية والعمرانية والاقتصادية كافة. وحينذاك سيدرك الأكراد أنهم بتحالفهم مع أميركا قد أضروا كثيرا بتحقيق مصالحهم, كما ستدرك أميركا أن رهانها عليهم لن يكون سوى ورقة حاسرة سلفا لأنهم سينقلبون في أقرب فرصة على هذا التحالف المؤقت الذي سيزيد من التهديد التركي لهم بدلا من حمايتهم.
خاص جهينة نيوز
22:18