رسالة الى أمير ...غير مجهول

الأحد, 3 كانون الأول 2017 الساعة 18:09 | مواقف واراء, زوايا

رسالة الى أمير ...غير مجهول

جهينة نيوز - د. كمال خلف الطويل:

أبجديٌ لمثقف أن يصل بصوته أو قلمه لحاكمٍ أينما كان في أشطار وطنه الكبير , قل العربي , ناصحاً وناقداً ومحللاً. تتضاعف الضرورة مرّاتٍ في أوقات التحولات التكتونية , والتي هي أضرى ما عصف بهذا الوطن عبر قرْن ؛ بل وتتعاظم تلك الضرورة أكثر عند الحديث عن جزيرة العرب بالذات لمدى ما يؤثّر حالها ويتأثر بأحوال محيطها , والعالم من بعده.

هذه المرّة , فالحديث عمّن ظهر على شاشة رادار الاقليم في الأواخر من أيام عمّه , بعد سنوات ثلاثة من شبحية الثوْي في مكتب والده ممسكاً بخيوط التأهب للقفز فوق حواجز نظرائه من أولاد العمّ , ثم ليثِب على مركبة فضائية , ما إن صعد والده الى سدّة العرش , ليخترق بها غلافيّ الوليّ عمّه ثم الوليّ ابن عمّه , وليتربّع حذاء السدّة توطئةً للجلوس عليها لحظة استنفاذه حاجة غطاء الوالد.

وبفهم أنه يرى أسرته الشاسعة , وبعد زهاء قرن في الحكم , وقد ترهّلت حتى باتت جسداً مترامياً , شديد العطالة , وبرؤوس كثيرة همّها التربّح ونَهم النِعم والسطو على المال العامّ وكنزُه , فقد عزَم على مركزة القرار في يده , وهو الشابّ الذي انتدب نفسه لإعادة انتاج السلالة على صورته , وليعيد تأسيس المُلْك على قاعدةٍ مغايرةٍ لصيغة قرنٍ ينصرم , تُذْهِب ريح حليف الأسرة التقليدي , المُعاق والمعيق: المؤسسة الوهابية , وتستعيد حيّزاً معتبراً من المال العام من جيوب سرّاقيه.

إلى هنا والشأن مفهوم ومتفهَّم , لكن التثريب موصولٌ بنهج الحاكم الاقليمي والكوني ... وفيه كلام كثير: أوّله , أنه يستند الى حائطٍ هشٍّ هو دونالد ترامب , وما يمثّله من يمين بديلٍ طافحٍ على جسد المؤسسة الأمريكية الحاكمة , وتحاول قلعه عنه قبل أن يسري سمّه فيه ويستلب منه جهازه العصبي المسيِّر. صحيح أن إقالته أو اغتياله مستحيلان , بالمنطق , لِما خلفَه من شارع أبيض بوزن ثلث المجتمع , وعديده مسلّح , لكن حصاره وتذويب فعاليته أمران في وِسع المؤسسة نيلهما , ولعلّ المثالين القَطري واللبناني ساطعيّ الدلالة .. فيما يلوح أن الكرديّ سيلحق في ركابهما. وحتى بافتراض تمكّنه – ترامب - من أعنّة المؤسسة فواحدةٌ من أبرز سمات تياره هي النأي عن التورط في حروب واسعة ومباشرة , ومن ثمٌ فلا يُعوَّل عيه ساعة الشدّة , أكانت إيرانيةً أم داخليةً أم سواهما. ليس القصد هنا , بالطبع , أن مماشاة دولة الأمن القومي هي البديل الأمثل , فهنا أيضاً صار حساب تظهير القوة عندها بمشعِرٍ من ذهب لعِظَم حمولة الدَين المتأتي من حروب شنّتها الولايات المتحدة في عشرية القرن الأولى وما انفكّت تخوضها , ولا متّسع لمزيد من دَين تنيخ تحت كلكله البلاد ؛ إذ لم تعد الحروب - لجهة الاقتصاد - إلا مدعاةً للنكوص لا للتعافي , وتلواً فالهرَع لنجدةْ صار يُحسَب بالورقة والقلم , وليس وفق أريحية الحامي.

دولةٌ بحجم جلّ شبه الجزيرة لا تحتاج ضامناً من خارج الحدود , شريطة توفّر شرطين: رضى شعبها وتراضيه مع الحاكم على عقدٍ اجتماعي ناظم , واشتراكها مع أقطار عربية تاريخية في قيادة مشروع عربي نهضوي جامع. والحاصل أن الأول بيَد الحاكم إنفاذه , والثاني كفيلٌ بنيل احترام وتهيّب المشروعين الإيراني والتركي وحسر مداهما الحيوي بين العرب , وإنْ مصحوباً بحكمة وضرورة تشييد شراكة ندّية مع كليهما , تقيم لهذا الشرق قائمة , وبتنويعٍ في صلات وصلٍ مع القوى الدولية لا يَقطع ولا يَخضع.

قد يخطر له أن يستعين على ضمور درع الحليف الأكبر باستدعاء مظلّة امتداده الاسرائيلي الأصغر , لقاء ثمن التطبيع معه , والتسليم له بضمّ استيطانه , واستبقاء فتات أرضٍ لقزمٍ خادم له في فلسطين الوسطى.

هنا يحسُن بالأمير تبيّن ما يلي: لن تنفعه اسرائيل , بل هي وبالٌ عليه وعلى مُلكه ... فأولاً وبعد أن تمتّعت بسنوات الحرب السورية هاهي الأخيرة تقترب حثيثاً من نهايتها , ومعها ايران أقرب وأقوى , وتركيا قريبة وأقوى (وهو العليم بأن ارتفاع الوزن النوعي لأيهما أو كليهما يخصم بالضرورة من وزن اسرائيل , والعليم أيضاً بأنها لم تفُز في معركة واحدة منذ 10 حزيران 67) , وحلفاء فلسطينيين ولبنانيين لهما أشد بأساً ومنعةً من ذي قبل ؛ وأيضاً , ولاياتٌ متحدةٌ أخذ الدعث منها كل مأخذ فما عادت بعنفوان وهمّة الخوالي. وثانياً , فاسرائيل لعنةٌ – بالمعنى الجيوسياسي , لا العاطفي – على حلفائها , ولعلّ مثَلي بهلوي وبشير ماثلان في الذاكرة. وثالثاً , فالقدس وفلسطين تُلهبان ظهر من يجرؤ على التلاعب بهما , أكان عربياً فلسطينياً أم غير فلسطيني , بسَوط من لهب (له أن يتذكر رفض عمّه الملك - صيف 2000 - الضغط على ياسر عرفات ليتنازل في كامب ديفيد , كما أراده بيل كلنتون أن يفعل).

دولةٌ بمقام بلاد الحرمين لا تذهب الى شن الحرب على جارها الجنوبي بتعلّة خطر فئة فيه عليها (ذات الفئة التي قاتلت بها ضد عبدالناصر في الستينات) , وهي التي تعرف عن كثب ماذا عنى اليمن لحملات العثمانيين ولجيش عبدالناصر , وعوضاً عن أن تكون حكَماً بين فئاته وأخاً أكبر لها كلّها. المكابرة في هذه المسألة أوشكت أن توصِل الحليف الأكبر , والذي اضطر للمسايرة في عون تلك الحرب (على خلفية الاتفاق النووي الإيراني , الذي أقضّ مضجعها دون حاجة) , الى مفترق طرق بينَ أن تزداد سمعته تلطّخاً بشرورها وبينَ أن ينفضّ سامره عنها.

وما يزيد الطين بِلّة هو تبنّي سلطته نهج فدرلة اليمن أو أقلمته – سيّان – غير مدركٍ أن عدوىً كتلك لابدّ فاتكةٌ بذاك الأقرب , وهو المكَوّن من أقاليم لم تتوحد إلا بقوة الفتح.

جميلٌ أن نراه رافعاً بيرق العروبة , لكن الأهمّ هو عن أية عروبةٍ يتحدّث ... هي واقعاً منجاته من تنابذ أقاليميّ وتدافع اقليميّ وتحكّم غربيّ ؛ شريطة أن تكون عروبة الاستقلال , والخروج من إسار التبعية , والانطلاق الى معارج التنمية التكاملية العربية ... لا عروبةً قناعية تبتغي تجييش أمّة ضد خطر موهوم , يأخذها ومَن حولها الى قاعٍ صفصفا.

طيب , بعد هذا كلّه , ماذا يمكن لناصحٍ أن يضيف ؟ أدعوه أن يعود لزيارة فتراتٍ من سيرة سلالته مثّلت ما كان ينبغي لها دوماً أن تكون , وما هو الاّن المُنجي والمسيِّج من غوائل الزمان .. والحديث عن فترات: 1954-1956 , 1959-1961 , و1967-1973. في الأولى , كان اصطفاف الأسرة صلداً مع حركة التحرر العربي الصاعدة ؛ في الثانية , عادت الى حومتها لنجدها ترفع أوتاد أوبك (بفضل القومي الرفيع عبدالله الطريقي , وزير النفط اّنذاك) ؛ وفي الثالثة , طوَت صفحة صدامها اليمني مع عبدالناصر لترفده بمالٍ يعيض خسائره في حزيران ... ثم لتمضِ الى اكتوبر بومضةِ خَوضْ .. صحيحٌ أنها لم تطُل (اكتوبر 73 الى شباط 74) , لكنها شكّلت نقلةً كان لها ما لها في حياة العرب والغرب معاً.

له أن يقارن ذلك بمساراتٍ أخرى وضعت الأسرة فيها نفسها في موقع مخالفٍ للتاريخ والجغرافيا , لا بل ومصلحتها المباشرة: حضّ العراق على شنّ حربٍ على إيران .. انتهت باجتياح الكويت , وهيمنة الولايات المتحدة المباشرة على الخليج , وسَوم العراقيين العذاب لثلاثة عشر عاماً من حصار شامل سقط منهم فيه مليون ضحية ؛ مواكبة الولايات المتحدة في احتلالها للعراق .. وما أفضى إليه من تمكّن ايراني وفتنة مذهبية تأكل الزرع والضرع ؛ شنّ الحرب في سوريا بالواسطة , جهاديةً كانت أم سواها , تحت عنوان إخراج ايران من الشام .. وما تنتهي اليه من توطّد ايرانيٍ وحليف ؛ كسرُ سعر النفط - خريف 2014 - ابتغاء " تفليس" ايران وروسيا , وبحجّة التطويح بالمنافس "الصخري" .. فكانت النتيجة أن شارفت خزائن الدولة والأسرة (والخلط تامّ , وهو ما يجب ألاّ يكون) على الخواء وبدأت عملية تفكيك متسارعة لدولة الرعاية .. أمرٌ هو , لعمري , وصفةٌ جاهزة لسخط يعتمل , مهما زيّنت له "ماكنزي" حلم "الحداثة" عبر دزينة سنين .. والحال أنه حلم ليلة صيف , إذ الفرق شاسع بين نموٍ خلّبي وتنمية مستدامة.

هذا غيضٌ من فَيض , والأمَرُّ أنه أضرّ بالأمة , لا بل وبالأسرة ؛ وهنا المفارقة ... إذ بيَده أن يغيّر قواعد اللعبة لما فيه خيرهما , شرط اتساق مصلحة الصغير , هي الأسرة , مع الكبير أي الأمّة.

أمّا والتفاف الشباب والنساء وباقي الجمع حوله جازمْ , فبوسعَه ألاّ يدَعه يُضحي محضَ عابرْ , وأن يحتكم للتاريخ والجغرافيا ومتغيرات العصر تَهديه سواء السبيل.

إعقلها وتوكّل.

 

 

 

 

 

 

 


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 السّاموراي الأخير
    3/12/2017
    23:29
    يا طالب الدبس من طيز النمس!
    لقد ضاعت مقالتك يا سيد كمال خلف الطويل كما ضاع عقدٌ على خالصه.تذكرني هذه المقالة الجيدة المرسلة إلى من لا يستحقها و لن يفهمها؛ تذكّرني بقصيدة فلسطين لعلي محمود طه: أخي جاوز الظالمون المدى..... والتي وجّهها للملك فاروق حيث كانت - بالرغم من قيمتها الرائعة - صرخة في واد وُجِّهت إلى من لا يستأهلها. و هنا الأمر مشابه. أخي الكاتب: شكرا لك و لكن بني سعود لا عرب و لا مسلمين بل هم خارج السياق.

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا