جهينة نيوز:
الانجاز الاكبر الذي تحقق للاتراك، شعبا، وحكومة، واحزابا، من جراء تدخلهم في الازمة السورية التي بدأت دخول عامها الثامن هذه الايام، هو اكتشافهم “الصادم” ان عضويتهم في حلف “الناتو” الذين كانوا احد مؤسسه قبل اكثر من ستين عاما، كانت عضوية من الدرجة “الخامسة”، عضوية بواجبات ملزمة، ودون اي حقوق في المقابل.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وجه اليوم (السبت) في خطاب القاه في محافظة مرسين، دعوة الى حلف “الناتو” للقدوم الى سورية، والمساعدة في حماية الحدود التركية من الارهاب، وقال بالحرف “اخاطب الناتو.. اين انتم.. تعالوا الى سورية.. لماذا لا تأتون.. اليست تركيا احد دول الحلف.. دعوتونا الى افغانستان والصومال والبلقان فلبينا النداء.. الآن ادعوكم الى سورية فلماذا لا تلبون النداء؟”.
***
هذا النداء “غير المفاجيء” للرئيس اردوغان يحمل الكثير من المعاني، ويرمي الى تحقيق العديد من الاهداف ايضا:
الاول: ان الرئيس اردوغان الذي “تورط” في عفرين سياسيا وعسكريا بدأ يدرك جيدا ان حسم المعركة في هذه المدينة التي بدأ في خاصرها لن يكون سهلا، وقد يكون مكلفا، في ظل تدفق المقاتلين الاكراد اليها من الرقة والقامشلي وعين العرب والحسكة، وربما بدعم امريكي، ولذلك يطلب نجدة الحلف الذي قدم الاتراك له خدمات جليلة في ذروة الحرب الباردة.
الثاني: من غير المستبعد ان يكون الرئيس اردوغان بتوجيه هذا النداء، كان يخاطب الشعب التركي، اكثر مما كان يخاطب حلف “الناتو”، ويريد ان يقول له، او للجناح الغربي الذي يطمح بأن تكون هوية بلاده اوروبية، ليس شرقية اسلامية، ان هذا الحلف لم يتدخل لحماية حدود بلادكم من الارهاب عندما طالبتوه بذلك، وتخلى عن كل التزاماته نحوكم المنصوص عليها في ميثاق الحلف.
الثالث: التوجه الى “منبج” بعد اقتحام عفرين، يعني الصدام مع الولايات المتحدة المتواجة قواتها في المدينة، وفي حوالي 20 قاعدة عسكرية تمتد على طول الحدود التركية السورية، اي الصدام مع القوة الاعظم في هذا الحلف، ولهذا يناشد الاوروبيين بالذات الى منع هذا الصدام بين عضويين مؤسسين، والضغط على امريكا لتغيير مواقفها الداعمة للاكراد ومشروعهم الانفصالي الكبير بالتالي.
الرئيس اردوغان وفي الخطاب نفسه اكد ان الاتراك ليسوا قوة احتلال، وان خطتهم في التدخل عسكريا في عفرين، وربما مدن سورية اخرى مثل القامشلي، وتل ابيض، ومنبج هي لتطهير الحدود التركية من الارهابيين، ولم يتحدث عن اهداف اخرى اعلنها في الايام الاولى لهذا التدخل العسكري (دخل اسبوعه الثامن) وهي اقامة منطقة آمنة في عمق 50 كيلومترا لاعادة توطين 3.5 مليون لاجيء سوري، الامر الذي قد يفسر على انه تخفيض لسقف التوقعات والمطالب، وغزل غير مباشر للقيادة السورية.
حلف “الناتو” لن يتجاوب مطلقا مع نداءات الرئيس اردوغان اليائسة هذه، والتدخل لحماية حدود بلاده مثلما طلب، ويتصرف بالطريقة نفسها التي تعاطى فيها الاتحاد الاوروبي مع طلب العضوية التركي، فتركيا دولة مسلمة في حلف غربي مسيحي ابيض، وعضويتها سقطت بسقوط الحرب الباردة، وتفكيك الاتحاد السوفييتي، وتبخر حلف “وارسو”.
حلف الناتو يتعاطى مع تركيا وفق منظومة “الكفيل”، او السيد والعبد، فعلى العبد ان يلبي اوامر السيد دون اي نقاش، وان يقبل بالفتات، وهذا ما فعلته تركيا عندما لبت دعوة قيادة الحلف بالتدخل في افغانستان والصومال والبلقان، الى جانب سورية وليبيا وهما الدولتان اللتان لم يتحدث عنهما اردوغان في الخطاب نفسه.
امريكا وحلفاؤها العرب والاوروبيون هم الذين ورطوا تركيا في هذه المصيدة السورية، وقرروا استبدالها بالاكراد كحليف موثوق يمكن الاعتماد عليه كمحور اساسي لاستراتيجية الغرب في الشرق الاوسط، ولهذا تمنع امريكا تركيا وسورية معا من التمدد شرق الفرات، حيث احتياطات النفط والغاز “المحجوزة” للدولة الكردية التي باتت في طور التكوين، وعلى حساب اراضي البلدين بالدرجة الاولى.
تركيا كانت بالنسبة الى الغرب حاجزا لصد اي تدفق للمسلمين الى اوروبا، سياسيا او عسكريا، وانتهى هذا الدور بمجرد ان رفع الرئيس اردوغان “الراية العثمانية” التي تذكر بوصول القوات التركية الى فيينا بعد اجتياحها بلغاريا ورومانيا وبعض دول البلقان.
***
القمة الثلاثية التي ستعقد في ضيافة اردوغان في اسطنبول مطلع الشهر المقبل وبحضور الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والايراني حسن روحاني، ربما تكون فرصة لمراجعة تركية استراتيجية لكل اخطاء السنوات العجاف السبع الماضية، والانطلاق نحو سياسات وتحالفات جديدة ابرز عناوينها الانسحاب من حلف “الناتو”.
الامريكان ورطوا تركيا في سورية لمنعها من التوجه شرقا الى حواضنها الطبيعية، ودون الاعتراف بها عضوا “اصيل” في حلف “الناتو” والنادي الاوروبي الابيض، الهدف الامريكي تحقق بالكامل، وجرى تدمير سورية وزعزعة امن واستقرار تركيا، وتهديد وحدتيها الترابية والديمغرافية، ولهذا لن تجد صرخات ونداءات الاستغاثة للرئيس اردوغان التي وجهها الى حلف “الناتو” اي صدى، او تجاوب بالتالي.
المصدر رأي اليوم
07:03
07:04