جهينة نيوز
ركزت صحيفة تشرين في عددها الصادر اليوم الاربعاء 23 ايار 2018 على الاوضاغ الاقتصادية السيئة للعائلات المهجرة هذا العام وخاصة مع شهر رمضان وفي ظل رواتب شحيحة يقض مضاجعها ارتفاع إيجار العقارات «الغول المفترس»، حيث ألقت الظروف المأسوية التي يعيشها المواطن بنفسها على أجواء شهر رمضان الذي بدأ مكرراً في هذا العام مثل غيره من الأعوام السابقة، منذ أن وطئت أقدام الحرب الإرهابية أرض البلاد، فقد استقبل المواطنون عامة والعائلات المهجرة بفعل الإرهاب هذا الشهر بجيوب خاوية، واكتظت الأسواق في المدن السورية بالمتفرجين، بدلاً من المشترين.. بضائع من كل الأشكال والألوان تمتلئ بها الأسواق، في حين تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير.
«تشرين» كانت لها جولة في العديد من الأسواق واطلعت على أحوال المواطنين والتجار على حد سواء، حيث عبروا جميعهم عن الألم والحسرة لما ألم بهم من معاناة في هذا الشهر الفضيل نتيجة هذه الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد من جراء الحرب على الإرهاب، حيث باتت الأغلبية العظمى من الأسر السورية وخاصة تلك التي تركت بيوتها ومدنها ونزحت بسبب الإرهاب الاسود لا تجد قوت يومها، ولقمة عيش تسد رمق أطفالها.
طارق أبو عمار يسكن بالإيجار في أحد أحياء مدينة حماة، عندما سألناه عن أوضاع الموظفين من زملائه وكيف استقبلوا هذا الشهر الفضيل كادت الدموع تسيل من عينيه، فهو يعيل أسرة كبيرة لا تكاد طلباتها تنتهي، مشيراً إلى أنه اعتاد على الاستدانة منذ العاشر من الشهر، فالراتب لا يكفي شيئاً معظمه يذهب أجرة للبيت الذي يسكنه، حيث تراكمت عليه الديون، وأصبح مطارداً من قبل أصحابها الذين لم يترددوا بطرق باب منزله بين الحين والآخر، منوهاً بأن الموظفين لم يعد بمقدورهم التحمل أكثر من ذلك حتى ولو تم صرف منح لهم في هذا الشهر الكريم أو راتب شهر إضافي، ذلك لأن الديون تراكمت وتحتاج مبالغ كبيرة لتسديدها.
بينما سامية أم محمود التي تركت مدينة حلب ولجأت إلى إحدى مدن القلمون التي وجدت فيها الأمان بعد دحر الإرهابيين من المنطقة تحتار في امرها كل رمضان وقد ارتفعت حدة حيرتها هذا العام عندما خفضت منظمة الهلال الأحمر مواد الإغاثة للمنطقة ومن جهة عندما تتأخر في توزيع المستحقات الإغاثية على الأسر المهجرة وتقول سامية: «جت الحزينة لتفرح ما لقت مطرح»، وتتابع وهي تقول: بت أذهب إلى السوق من دون أن اشتري أي شيء سوى الخضر من أرخص الأثمان، مؤكدة أن الحياة أصبحت صعبة في ظل هذه الظروف، وطالبت المؤسسات الإنسانية والاجتماعية للتحرك العاجل لمساعدة المواطنين في شهر رمضان، والإنصاف في عملية توزيع هذه المساعدات.
بينما التجار والباعة في الأسواق فقد شكوا همومهم لـ «تشرين»، فهذا بائع يخرج من بيته في ساعات الصباح الباكر يشتري بضائعه من سوق الهال ويأتي ليبيعها في أحد أسواق الأحياء والتجمعات السكانية ليحقق ربحاً بسيطاً يساعده على توفير قوت يومه، وذاك يجلس على بسطته من دون أن يسأله أحد عن ثمن بضاعته، ومن يسأله يفاصله بكل ما أوتي من قوة لينتزع بذلك ربحه البسيط، وآخر لا يجد من يبيعه من جراء قلة المشترين، لسببين ارتفاع الأسعار وعدم توافر السيولة المالية لدى الكثير من العائلات وخاصة المهجرة.
بينما قال البائع أبو حيان الذي يمتلك محالاً لبيع الدواجن أن نسبة المبيعات لديه قليلة جداً وأن ارتفاع سعر صندوق البيض إلى 1150 ليرة ليس مسؤوليته إنما أسعار البيض ارتفعت من المراكز الرئيسة وكذلك أسعار الفروج، وعزا أبو حيان ذلك لعدم توافر السيولة النقدية لدى المواطنين ولاسيما أن معظم الرواتب تذهب كبدلات ايجار.
أما باعة الحلويات الرمضانية و القطايف التي تكثر في شهر رمضان فهم أيضاً لهم همومهم الخاصة التي في مجملها تصب في انخفاض القوة الشرائية للمواطنين، هذا فضلاً عن ارتفاع تكلفة الإنتاج من جراء ارتفاع سعر السكر والمستلزمات الأخرى التي تدخل في صناعة القطايف، ما يقلل من نسبة أرباحهم، في وقت لا يستطيعون فيه إلا رفع سعر القطايف، الأمر الذي لا يتقبله المواطنون نتيجة أوضاعهم الصعبة، وأوضح العديد من الباعة الذين سألتهم «تشرين» عن أحوالهم أن الأوضاع في صعوبة شديدة، وأن شهر رمضان هذا العام يختلف عن أي عام آخر من حيث تردي أوضاع المواطنين المعيشية وتراجع نسبة مبيعاتهم، متمنين أن تتحسن الأحوال الاقتصادية وتفتح آفاقاً للعمل من جديد بما يمكن المواطنين من كسب قوت يومهم.
يرى الاقتصادي أحمد السكري من جامعة حلب، أن شهر رمضان في هذا العام يأتي في ظل أوضاع اقتصادية سيئة وصعبة جداً وقاسية على جميع أفراد الشعب السوري، مشيراً إلى أن انعكاسات ضعف رواتب الموظفين الحكوميين أدت إلى تراجع الحركة الشرائية فالرواتب المتدنية لا تمكن لها مواجهة الأيام العادية فكيف الرمضانية، ولا سيما أن الموظفين هم الشريحة الوحيدة تقريباً التي تنفق في السوق المحلي، ما انعكس أيضاً على المنشآت الاقتصادية الخاصة التي تضرر الكثير منها من جراء الحرب على الارهاب، كما تضرر الجزء الآخر بسبب الحصار الاقتصادي والإغلاقات المتكررة والمتواصلة للمعابر الحدودية من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة، كذلك لحقت بالقطاع الزراعي خسائر جمة من دمار وتخريب واقتلاع للمحاصيل الزراعية، ما كبد المزارعين خسائر كبيرة، وأصبحوا يعانون أوضاعاً اقتصادية صعبة، ونوه السكري بأن إغلاق معبري باب السلامة و باب الهوى في الشمال السوري بشكل مستمر خلال الفترة الماضية نتج عنه شح في المواد الغذائية الأساسية، ولاسيما أنه المنفذ التجاري الوحيد لسورية من جهة أوروبا وآسيا، حيث نتج عن ذلك ارتفاع في أسعار هذه السلع رغم الأزمة المالية الخانقة.
من جهتها اهتمت صحيفة البعث بأبرز موارد الأسر السورية خلال فترة الأزمة والتي تبينت من خلال حوالات المغتربين السوريين إلى ذويهم ولاسيما في ظل ارتفاع مستوى التضخم إلى مستويات قياسية، حيث بات مبلغ الـ100 دولار والذي ربما لا يشكل أي عبء للسواد الأكبر من المغتربين رقماً مهماً في حياة السوريين المعيشية كون تقويمه بموجب سعر الصرف الحالي يلامس حاجز الـ50 ألف ليرة، ما يعني أنه أكثر من متوسط دخل موظفي الفئة الأولى البالغ نحو 30 ألف ليرة..!.
عدم إفصاح
وفي ظل عدم الإفصاح الرسمي عن حجم هذه الحوالات يؤكد عدد من الخبراء الذين التقيناهم أن متوسط قيمة الحوالات يتراوح ما بين 3 إلى 4 ملايين دولار يومياً، وقد تصل إلى 9 ملايين أيام المناسبات والأعياد الاجتماعية، وقد تنخفض إلى 1 مليون دولار. وخارج إطار الإفصاح الرسمي أيضاً قدرت بعض مصادر سوق القطع أن قيمة الحوالات الواردة من المغتربين خلال شهر رمضان الماضي والمخصصة حصراً لـ”زكاة الفطر” ضمن سورية نحو 24 يورو، مشيرة إلى أن قيمة زكاة الفطر في أوروبا حددت العام الماضي ما بين 6– 7 يورو عن الشخص، يدفعها نحو 8 ملايين سوري في أوروبا فقط، وبالتالي فإن قيمة زكاة الفطر هي 48 مليون يورو في حال زكى كل شخص بمقدار 6 يورو.
وقدرت المصادر أن نسبة ما تم تحويله من هذه القيمة بالحد الأدنى هي 50%، على اعتبار أن البعض قد يقوم بتوزيع الزكاة في نفس البلد الذي يقيم فيه، وبالتالي فإن قيمة ما تم تحويله من زكاة الفطر من قبل المغتربين إلى ذوي قرباهم والفقراء هو 24 مليون يورو كحد أدنى.. إذاً نحن أمام تدفقات مالية تستحق الدراسة الرسمية من جهة، والمتابعة الدقيقة، خاصة للأقنية المعنية بإيصالها إلى أصحابها من جهة أخرى، وذلك لما لهذه التدفقات من أهمية كبيرة لجهة تحسين الوضع المعيشي للمواطن..!.
لا نتهم
لن نخوض بإشكالية عمل هذه الأقنية والمقصود بها هنا “شركات ومكاتب الصرافة”، ولن نتهمها بارتكابات لا نملك وثائق تؤكدها، ولكن سنتناول شكوى وردت إلىّ من مواطن يدّعي أنه تعرض للغبن لدى استلامه حوالة مالية شخصية قادمة من إحدى الدول الخليجية، إذ استلمها بواقع سعر ناقص 12% تقريباً من قيمتها المرسلة، ولدى محاولته التأكد من أن الرقم الوارد في الإشعار هو الذي سيستلمه أم سيستلم المبلغ حسب سعر تسليم الحوالات الشخصية في المركزي، أكد له مدير صالة الحوالات في الشركة أن المبلغ سيتم تسليمه حسبما جاء في الإشعار فرفض عندها استلامه وتواصل مع مصرف سورية المركزي وتحديداً قسم المؤسسات، ليؤكدوا له أن المبلغ الذي يجب أن يتم تسليمه هو أكبر مما تدعيه الشركة، ليعاود صاحب الشكوى الاتصال بمدير عام شركة الصرافة المعنية ليضعه بصورة ما حصل فأجابه الأخير: إن الشركة التي تم تحويل المبلغ عن طريقها لها قوانينها الخاصة، فهي محظور عليها أن تعمل داخل القطر، لذلك فهي تقوم بإرسال الحوالة عن طريق وسيط مالي في دبي، وبالتالي فإن القضية لا تتعلق مطلقاً بشركة الصرافة المحلية، وإنما بالشركة الأجنبية “ويسترن يونيون” المحظورة في سورية بسبب العقوبات الأمريكية على سورية.
قضية عامة
تعاملنا مع هذه الشكوى كقضية عامة وليست شخصية، إذ يمكن أن يكون هناك عدد من الحالات المشابهة لهذه القضية، وتواصلنا بداية مع مدير شركة الصرافة لمعرفة طبيعة التعاقد مع ويسترن يونيون، وحيثيات هذه المشكلة بالذات، وما إذا كانت هناك حالات مشابهة لها..؟ حيث أكد أنه لا يوجد عقد مباشر مع شركة ويسترن يونيون نتيجة العقوبات المفروضة على سورية أولاً، ولعدم وجود منظومة برامج المايكروسوفت لتحميل برامجها عليها الخاصة بالحوالات ثانياً، موضحاً أن الحوالة عندما تخرج من الدولة الخليجية –وهي مثالنا– تذهب إلى ويسترن يونيون، ومن ثم تحوّل إلى شركة صرافة في دبي “وكيل ويسترن يونيون” التي تحولها بدورها إلى الشركة المحلية، مبيّناً أن الحوالة تصل إلى الأخيرة بالدولار وليس بعملة الدولة التي صدرت منها الحوالة، إذ تقوم ويسترن بتحويل المبلغ إلى دولار وترسله إلى سورية، أي أن عملية التقاص تتم في شركة ويسترن يونيون.
ولدى تواصلنا مع المعنيين في مصرف سورية المركزي بينوا لنا أنه تم الطلب من صاحب الشكوى أن يتقدم بشكوى رسمية إلى المركزي للنظر بها ومعالجتها، وعندما بينّا لهم أننا لا نتواصل معهم بغية معالجة هذه الشكوى بالذات، وإنما نصبو لتناولها كمشكلة عامة وكيفية تعاطي المركزي معها، لم يوضحوا إن كان هناك شكاوى بهذا الخصوص، لكنهم أكدوا أن المركزي يتابع الحوالات الداخلة إلى شركات الصرافة السورية، وأن الأخيرة ملزمة بتصريفها وفق سعر الصرف الصادر عن المركزي.
ختاماً
نود الإشارة إلى أننا لا نشك بكفاءة إدارة مصرف سورية المركزي، سواء ما تقوم به لجهة إدارة حركة الليرة السورية التي دأبت عليها خلال السنوات الأخيرة وساهمت بشكل كبير باستقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أم لجهة متابعتها لحركة السوق ومحاصرة المرتكبين المتاجرين بسعر الصرف، أم لجهة متابعتها لعمل مكاتب وشركات الصرافة، ولكن حساسية الموضوع فرضت نفسها ونأمل أن تتم معالجة مثل هذه الحالات بشكل فوري والتي نعتقد أنها لا تزال بسيطة وربما لا تذكر.